رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو في عشاء إحياء الذكرى المئوية لصدور إعلان بلفور المشؤوم، ألقى خطابا أقل ما يوصف به أنه سرمدي عاطفي يخلو من الحقائق ويزيف التاريخ ويقفز عن المعطيات والأحداث، ويعيد املاءات اسرائيل في مفهومها للسلام، وهو يعتبر أن بريطانيا قامت بتحرير فلسطين "وطن اليهود ..؟!" من الاحتلال العثماني الذي استمر 400 عام، كما وصف، ويعيب على الدول العظمي أنهم تأخروا في إعلان قيام دولة اسرائيل في 1948، وتسببوا في تعرض اليهود للمحرقة النازية كما قال. ..!!
هذا الخطاب المليء بالحقد والتشويه، يؤسس لمرحلة جديدة لمواجهة الاحتلال، وأيضا على العالم أن يقف عند مسؤولياته الاخلاقية والتاريخية والقانونية والانسانية أمام هذه السياسة الاسرائيلية المليئة بالكذب والابتعاد كليا عن الواقع، وهذا الخطاب تتحمل مسؤوليته بريطانيا، والتي سمحت لنتنياهو بتحريضها على الفلسطينيين حين قال" سمعت انهم سيرفعون قضية على بريطانيا بسبب احتفالاتها بالمئوية وعدم اعتذارها"، وهنا بالفعل نحن ننظر بالريبة لموقف بريطانيا السياسي والقانوني، التي لم تعد تنحاز لاسرائيل فحسب، بل تعمل على استمرار الاحتلال بكل عنصريته، وبالتالي فقدت بريطانيا مصداقيتها امام العالم ولم تعد أمينة على القانون الدولي ولم تعد شريكا في المنظومة الدولية لإرساء السلام في العالم، ومن هنا فالتقدم بقضايا ضدها يعتبر عمل وطني نوعي ومطلوب له اسناد جماهيري وقانوني ودبلوماسي كبير ومتواصل.
اسرائيل تعلم أن النضال الفلسطيني مستمر، فالشعب الذي قدم مئات الالاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين، مستمر في النضال حتى انهاء الاحتلال وزواله ولن تسقط حقوقه بالتقادم، ولن تنس الاجيال ولن تخفض رايات النضال، ولن نعترف بالدولة القومية اليهودية، وليصرح قادة الاحتلال كيفما شاؤوا، ان كل فلسطيني يمكنه ان يرد على نتنياهو وخزعبلاته ويقول له هذه أرضنا الفلسطينية الكنعانية التاريخية، هذا تاريخنا الذي لن يستطيع نتنياهو إلغاؤه لكنه يمكن أن يسرد أكاذيبه ليل نهار، هذه أرضنا التي جاء الغرباء من البريطانيين المستعمرين وقاموا باحتلالها ونهب ثرواتها وتشريد أهلنا وقتل اجدادنا وتزييف الحقائق، وهم الذين لا يملكون شبرا من الارض قاموا بتقديم الطاعة لليهود المحتلين وعصابات القتل، وابرموا وعد بلفور واعطوا لمن لا حق له ارضنا وحقنا المقدس فيها، وبذلك فبريطانيا وعبر قبولها واحتفالها بالتاريخ الملوث بعار بلفور، سيتسمر العار السياسي والتاريخي والقانوني يلاحقها جيل بعد جيل، سواء قامت بالاحتفال بالمئوية او غير المئوية، سواء شرب نتنياهو نخب أكاذيبه بخطابات سرمدية لا واقعية مزورة أو غير ذلك.
ان فلسطين عربية، ومرحلية النضال الفلسطيني لا تلغي التاريخ ولا التاريخ يتقهقر أمام ظلم الاحتلال وعنصريته، ويعلمون هنا في تل أبيب وهناك في لندن ان الفلسطيني لن يموت ولن يحرق خارطته ولن يذيب مفتاح الدار ولن تشطب الذاكرة من عقول أطفاله وشبابه والأجيال، وأن الذي أدى لجلاء الاحتلال البريطاني عن ارضنا سوف يجبر اسرائيل على انهاء احتلالها.
ان حقنا المقدس فوق ارضنا وفي تاريخنا وفي دولتنا فلسطين وعاصمتها القدس وحق العودة وتقرير المصير، مستمر ومتصاعد، وبل سنتقدم لكل العالم لكي نكون عضوا دائما في الأمم المتحدة، وعلى مزوري التاريخ أن يخجلوا من عار مواقفهم وانحيازهم للاحتلال الأطول في التاريخ الحديث.
بقلم/ د. مازن صافي