يستأثر معبر رفح في الاحتفاظ بكامل شروط الرمزية في أذهان المحاصرين في غزة، في وقت تحمل بوابته المفاتيح والأقفال في آن معاً لقضيتين شائكتين يعانيهما القطاع منذ أكثر من 10 سنوات، حملتا عنوان: الحصار والمصالحة الوطنية.
فالمعبر الذي يختزل متوالية معاناة أهالي غزة على مدى تلك السنين الطويلة ما يزال يرتبط بحسابات دول في الإقليم تفتش عن استقرارها وأمنها في اتجاهات ربما قادتها بطريق الخطأ إلى بطون الغزيين الخاوية، وبالتالي هرولتها داخل الدائرة المفرغة دون حلول أمنية وسياسية مجدية.
وأنضجت تعقيدات قضايا المنطقة والتقاطعات والتداخلات السياسية المحتدمة، قرار إنهاء الانقسام، أخيراً، ليتم تسليم المعبر لحكومة الوفاق الوطني الأربعاء الماضي، في مراسم أحاطت بالحدث الذي اعتبره الكثيرون "تاريخياً".
وتختلف مفاهيم "التاريخي" لدى كل طرف، يرى أحدها بأن تسليم المعبر لحرس الرئاسة الفلسطيني هو ضمانة أمنية له، في حين يرى طرف آخر بأن السيادة الوطنية تكتمل باستعادة الأرض والمعابر، بينما هنالك أطراف لا تعدم الأمل في منظورها، باعتبار أن فتح المعبر سيتيح السفر والتنقل لأهالي القطاع، فضلاً عن مرور البضائع واحتياجات الأهالي لينهي بذلك حصاراً وانقساماً ألقيا بظلالهما السوداء على الغزيين لأكثر من عقد من الزمان.
إلا أن سهولة تسليم معبر رفح لحكومة الوفاق واكبه تأويلات، وتحليلات لم تتسم بذات السهولة فيما يتعلق بإدارته، بعدما رافق الحدث إطلاق تصريحات لمسؤولين تضع سيناريوهات وتوقعات، أغفلت العديد منها قضايا إنسانية ما فتئت تنغص تفاصيلها حياة الغزيين منذ سنوات طويلة.
إحدى القضايا الإنسانية يتمثل في دفع رواتب الموظفين في الحكومة السابقة في القطاع، التي كانت تعتمد على الجباية من معابر غزة، سيما بعدما أثار إعلان حكومة الوفاق وقف جباية الضرائب التي كانت تحصلها الحكومة بغزة عبر المعابر وهي رسوم دخول المعبر.
وفي جوانب إنسانية أخرى تثير قضية كشوفات الممنوعين من السفر عن طريق المعابر، التي كان معمول بها قبل عام 2007، بموجب اتفاقية المعبر عام 2005، حيث كانت بنودها تتيح بإشراف غير مباشر على السفر من جانب سلطات الاحتلال كطرف رابع، ما من شأنه أن يفرض قرار الاحتلال بشكل فج في منع أي شخص من السفر، لاعتبارات أمنية.
أما مسألة توفر السلع الأساسية في أسواق القطاع، بأسعار في متناول الجميع، فإنها قضية أخرى تؤرق المواطن الغزي، خاصةً بعد معاناته المريرة من نقص الاحتياجات الأساسية للحياة خلال سنوات الحصار، من أهمها الأغذية والأدوية والوقود..وغيرها.
ماذا عن حرية السفر من غزة وإليها؟ وماذا عن موظفيها الذين ينتظرون رواتبهم؟ وماذا عن الأدوية والأغذية التي لطالما افتقدتها مستودعات غزة وأسواقها؟ وماذا عن انقطاع التيار الكهربائي المستمر الذي يراكم هموم الأسر الغزية بشكل يومي؟ وماذا عن الوظائف، وتسهيل حركة التجارة، وحرية ممارسة الصيد..وماذا..وماذا..وماذا؟؟؟.
تبقى أسئلة تدور في خلد أهالي غزة برسم إجابات لن تكون بدرجة من الإقناع في شيء ما لم تقدم الحلول الحقيقية والعاجلة التي تنهي معاناة مليوني إنسان، سلب الحصار والحروب الصهيونية المتكررة سبل عيشهم الطبيعية، وأفقد أجيالهم الأمل في حياة أفضل.
بقلم/ عصام يوسف