ياسمين زهران ترحل بصمت وهدوء ..!!

بقلم: شاكر فريد حسن

بهدوء وصمت كما حياتها ، وحال جميع شرفاء الوطن ، رحلت عن عالمنا في الرابع والعشرين من تشرين الأول الماضي ، الكاتبة والروائية والباحثة القلسطينية العريقة المخضرمة ، خبيرة الآثار د. ياسمين زهران .

وزهران قامة ابداعية فلسطينية مميزة وبارزة على الصعيد الفلسطيني ، لطالما شكلت أيقونة خاصة في المجال الابداعي والاكاديمي في شتى حقول المعرفة ، عبر دراساتها البحثية التاريخية التوثيقية ، واصداراتها الادبية الابداعية .

قدمت ياسمين زهران الكثير للمشهد الثقافي والتاريخ الفلسطيني ، وبرحيلها تخسر الحياة الفلسطينية واحدة من أخصب وأهم اعلامها وكواكبها الاكاديمية والثقافية ، التي اهتمت بعلم الآثار والتاريخ الفلسطيني ووظفته في أعمالها الروائية للتأكيد على هوية شعبنا وجذوره الراسخة في عمق التراب ، وتركت بصماتها على صفحات مجبدة ومشرقة في سفر التاريخ النضالي الفلسطيني .

ياسمين زهران عانقت نور الحياة في مدينة رام الله العام ١٩٣٣ ، درست في جامعة كولومبيا الامريكية ، ثم اكملت تعليمها في جامعة لندن ، ونالت شهادة الدكتوراة في موضوع علم الآثار من جامعة السوربون في باريس .

عملت مستشارة في اليونسكو ، وشغلت منصب سفير الثقافة والتربية حول العالم ، وهي من مؤسسي معهد الآثار التابع لجامعة القدس ، الذي درست فيه ما بين السنوات ١٩٩١- ١٩٩٥ ، وعاشت أيام حياتها الأخيرة ما بين رام الله وباريس .

صدر لياسمين زهران " اللحن الأول ، باطن الهواء ، يوم صيف ، روح تبحث عن جسد ، دار الاقواس السبعة ، رام الله التي كانت ، واصداء من تاريخ الاردن " .

وكان وزير الثقافة الفلسطيني ايهاب بسيسو كرم زهران في العام الماضي ٢٠١٦، وذلك تقديراً لجهودها واسهاماتها في العملية الثقافية الابداعية ، ومشاركتها في خدمة قضايا الوطن والانسانية ، وابراز الهوية الفلسطينية والعربية .

وغداة وفاتها التأم المجلس البلدي في رام الله لتأبين ياسمين زهران واطلق اسمها على احد شوارع المدينة ، تكريماً لها ، انسانة وباحثة ومؤرخة ومبدعة ، واحتراماً لمسيرتها الابداعية في انتاج وكتابة أعمال بحثية معمقة في مجال التاريخ والبحث العلمي والاكاديمي ، ولشخصية وطنية مهمة تستحق التخليد والعرفان من مدينتها ومسقط رأسها رام الله ، التي طالما شغفت بها حتى درجة العشق .

ياسمين زهران امرأة شجاعة وشخصية فلسطينية عاشت أغنى تجارب عصرها ، واسهمت بفعالية ونشاط في توسيع انتشار ثقافتنا وتاريخنا وهويتنا ، وكانت طوال مسيرة حياتها مسكونة بوطنها وهويتها الفلسطينية والقومية العربية ، معتزة بانتمائها الكنعاني ، مستندة الى مخزونها الثقافي التاريخي الكبير من الغكر والتنوع والوعي ، متمسكة بالموروث الشعبي والنضال والوطن .

ياسمين زهران من الزمن الفلسطيني الجميل ، من جيل القيم والضمير ، لم تتنكر يوماً لفلسطينيتها ، واسهمت في الكشف عن الآثار الفلسطينية ، متحدية القلاع الاكاديمية في المجتمعات الغربية .

ياسمين زهران ارتحلت وتركت لنا فلسطين كلها ، غابت في لحظة التراب ، في احتفال لمجد الخلود .

غابت وبقيت فلسطين ، همها وهمنا ، بقيت عبر الوجوه والابتسامات الفلسطينية التي احبتها وعشقتها .

ياسمين زهران رحلت بصمت ، لكنها كانت صرخة مجلجلة داوية في وجه هذا الزمان الاصفر الاغبر الاهوج ، الذي ما عاد يهتم بالثقافة ولا بأصحاب الفكر والابداع .

ياسمين زهران ما عدت تطلين بوجهك وقامتك الشامخة كشموخ جبال رام الله والخليل ، بحفيف الامطار واللؤلؤ والاصداف ، فقد حملوك على الاكتاف غزالاً ، ولكنك ستبقين خالدة محفورة في القلب والوجدان الفلسطيني .

 

بقلم : شاكر فريد حسن