ما من شك أن الأمة العربية الاسلامية منيت بالهزائم وفجعت بالاخفاقات ، واكتوت بنيران الاستبداد والطغيان والفساد والافساد ، والاحتلال والاستعمار ، والتفقير الممنهج ، وهي تحصد الآن كل أسباب التفكيك والتفتيت والتمزق ، بعد مكاسب النهضة والاصلاح والتنوير ثم الثورة ، وبعد انتشار وتوسع رقعة ومساحة العقلانية في الفكر العربي المعاصر .
الناظر في واقعنا السياسي العربي الراهن يرى بأم عينيه قطيعة مع الفكر العقلاني ، وتراجع كبير في الفكر السياسي الاصلاحي - أساس مشروع النهضة العربية ، الذي تشكل على ايدي النهضويين والاصلاحيين العرب ، أمثال اليازجيين وفرح انطون واديب اسحق وشبلي شميل ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وقاسم أمين وجمال الدين الافغاني والطهطاوي وغيرهم .
وثمة قسم كبير من النخب الثقافية والفكرية المحسوبة على القوى التقدمية ، بعد أفول الاشتراكية والزلزال الذي عصف بالاتحاد السوفييتي ، راح يحتفي بالليبرالية الجديدة والتهليل بقدوم العولمة بذريعة انه نذير وقادر على تجريف وتجفيف منابع الديكتاتوريات وسيطرة الديمقراطيات الحديثة .
مجتمعاتنا العربية للاسف الشديد تجتاحها الصراعات القبلية والعشائرية والنزاعات المذهبية الدينية التكفيرية الاقصائية الارهابية الهدامة ، التي تتعزز من تيارات واتجاهات وقوى الاسلاموفوبيا .
والحقيقة أن التجزئة السياسية ادت الى انحطاط الفكر العربي الى مستويات مختلفة تتشابك فيها علاقات البنية التكوينية ، حتى غدا لكل قطر عربي تربية وثقافة في تواصله مع الذات القومية . وقد خلق المستعمر الغربي أجواء من الاختلاف والائتلاف في مناخات المساحات القومية ، حتى صار من العسير التنبؤ ومعرفة مستقبل الفكر العربي ، والفكر القومي على وجه الخصوص بعد سقوط فكرة القومية في مشاريع من بقي في الحياة من المثقفين والمفكرين النخبويين العرب .
لقد تغلغلت قوى الاستعمار والصهيونية في عمق وجوف مجتمعاتنا ، عندما وجدت قبولاً في التربية الخصبة من الفقر والجهل والتخلف والشطط الديني ، وهي التي ترعى الوهابية في السعودية والاخوانية في قطر ، وتدعم سياسياً ولوجستياً كل التيارات السلفية الجهادية المتطرفة التي تحارب ضد النظام السوري .
اننا نحتاج في راهننا وحاضرنا العربي الى ثورة ثقافية وفكرية جديدة ، بهدف استعادة النهوض الحضاري ، وتبني مناهج رواد الفكر الاصلاحي النهضوي الحضاري العربي ، وتأصيل مشروع ثقافي وفكري عقلاني وحداثي ، بعيداً عن الغيبات والخزعبلات .
علينا بالوعي والمعرفة والعقل النقدي حتى نتمكن من الخروج من عنق الزجاجة ، ومن أزمة الفكر في العالم العربي الاسلامي ، وليس بالبترودولار والارتزاق الفكري وشراء الذمم والضمائر والاقلام ، ولا بالعقل النقلي وجمود السلفية .
وعلينا استيعاب التراث بتاريخه وقيمه وتعبيراته عن مشكلات العصر ، وعلينا ايضاً الاغتراف من فكر علي ابن ابي طالب ، وعمر بن الخطاب وأبي ذر الغفاري ، وفكر المعتزلة الذين اعتمدوا حرية الانسان والعقل البشري ، وكان هذا الفكر اساساً للنهضة العلمية والتحرر من سلطات الفقهاء واشباه العلماء ، ومن ثم رسائل اخوان الصفا الفلسفية ، ومن بعدهم القرامطة والكثير من نقاط الضوء في تاريخنا الفكري العربي الاسلامي .
وباختصار شديد جداً ، نحتاج الى ولادة جديدة لفكر عربي عقلاني تنويري واضح الرؤى .
بقلم/ شاكر فريد حسن