في الذكرى الثالثة عشر لاستشهاد القائد الرمز ياسر عرفات ، نقيم المهرجانات والفعاليات التي نستذكر فيها قائد الثورة الفلسطينية وصانع لغمها الأول ، نستذكر أبا عمّار بنضاله وأعماله وأفعاله وأقواله ، نستذكر أبا عمّار خلال أسبوع من الزمن وننسى بعد ذلك ، ننسى الشهيد أبا عمار ، وكأنّ أبا عمّار مجرد ذكرى سنوية وتمضي ، رغم أنه حاضر فينا بلباسه العسكري وكوفيته الفلسطينية .
ياسر عرفات حقق المسلكية الثورية عسكرياً يوم آمن بالكفاح المسلح طريقاً استراتيجياً لمقاومة الغزو الصهيوني لفلسطين ، فالكفاح المسلح الفلسطيني هو الذي يعني للعالم أنّ الشعب الفلسطيني حيّ لا يموت وقد نهض من تحت خيام اللاجئين معلناً انطلاقة ثورته من أجل تقويض المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين ، فكان ياسر عرفات الفدائي الفلسطيني الأول في هذه الثورة الفلسطينية التي انطلقت في الفاتح من كانون الثاني عام 1965 .
ياسر عرفات حقق المسلكية الثورية سياسيا يوم حمل البندقية كمقاتل ومناضل ضد الاحتلال، فكانت البندقية الفلسطينية ذات هدف سياسي واضح ومعلن، فلم تكن البندقية بندقية ارهابية أو بندقية قاطع طريق، فبندقية ياسر عرفات بندقية للتحرير ودحر الاحتلال.
ياسر عرفات حقق المسلكية الثورية اعلاميا، يوم كان التمهيد لانطلاقة الثورة بنشرة فلسطيننا التي كانت تزرع بذور الثورة في نفوس شعبنا، وتعمل على استنهاض همم الشباب الفلسطيني من أجل الانخراط في صفوف الثورة، وكان عرفات يهتم بالجانب الإعلامي للثورة حيث كان يؤكد على الحضور الاعلامي لفلسطين في وسائل الإعلام المختلفة.
ياسر عرفات حقق المسلكية الثورية جماهيريا، يوم آمن أن الثورة لا يمكن أن تستمر إلا إذا كانت الجماهير رافدة حقيقية لها، وحتى تكون الجماهير كذلك يجب أن تعي الجماهير أهمية الثورة لها، وذلك من خلال التصاق القيادة بالجماهير، ومن هنا كان ياسر عرفات يردد دائما بأن شعبنا الفلسطيني أكبر من قيادته،فكانت علاقة أبو عمار مع جماهير شعبه علاقة أبوية.
ومن أجل كل ذلك حقق ياسر عرفات المسلكية الثورية تنظيميا، فنجاح الثورة وتحقيق أهدافها المرحلية والاستراتيجية لا يمكن أن يتم إذا لم تكن جماهير الثورة منظمة في صفوف ترفد نضالها اليومي في كافة المجالات العسكرية والسياسية والاعلامية، فالتنظيم السليم يؤدي إلى نتائج سليمة، فكان بناء التنظيم مهمة صعبة في مرحلة السرية، في سنوات التأسيس والانطلاقة.
كان ياسر عرفات يدرك أن أي عمل له ايجابياته وسلبياته وخاصة في ظل الواقع الذي يعيشه شعبنا وتعيشه ثورتنا، فلم يكن يغضب بقدر ما كان يقوم السلبيات والأخطاء.
لقد سار ياسر عرفات بالثورة الذي لم يكن سهلا، فقد كان طريق الثورة مليئا بالالغام والحفر والمطبات والحواجز، فكان ياسر عرفات يجتاز كل ذلك بأقل الخسائر الممكنة، لذلك كان يرى النور في نهاية النفق.
لقد آمن ياسر عرفات بتنوع الأفكار داخل الثورة فكان شعاره ( دع ألف زهرة تتفتح في بستان الثورة)، وكان يرى في اختلاف الأفكار قوة للثورة وللنضال، لذلك كان يرى في حركة حماس قوة للثورة مهما كان الاختلاف معها، كما كان يرى ذلك في الجبهة الشعبية وأمينها العام الذي وصفه بحكيم الثورة.
حتى أن ياسر عرفات لم يكن ينظر إلى الانشقاق عن حركة فتح إلا خلاصا من مرض خبيث فيها ، لذلك ذهب كل انشقاق إلى غايته، ولأن أي انشقاق كان ضعفا للحركة والثورة، فقد جعل ياسر عرفات من كل الانشقاقات قوة له،وشاهدا له لا شاهدا عليه.
ونحن نعيش الذكرى الثالثة عشر لاستشهاد القائد الرمز أبو عمار، علينا أن لا نعيش الذكرى فقط، فالذكرى يجب أن تنفع المؤمنين بها، فلا قيمة لذكرى رحيل ياسر عرفات إذا لم نتمثل ياسر عرفات فكرا وممارسة، إذا لم نكن نستوعب الدرس يوم خاطب العالم أجمع في الأمم المتحدة قبل سبعة وأربعين عاما قائلا لهم: ( لقد جئتكم بغصن الزيتون بيد وببندقية الثائر بيد، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي)، لقد حافظ أبو عمار على بندقيته بيده حتى اللحظة الأخيرة ممن حياته رغم توقيع اتفاق أوسلو، فمسدسه الرشاش في لم يفارقه أبدا، لأنه كان يؤمن ايمانا حقيقيا مطلقا أن البندقية تبقى دائما هي السلاح الأمضى في مواجهة الاحتلال المستمر لأرضنا، وهي حامية حقوقنا التاريخية والسياسية، فكان شعاره اليومي ( عالقدس رايحيين شهداء بالملايين)، وعندما كانت الجماهير تردد :( بالروح بالدم نفديك أبو عمار) كان يرد عليهم ( بالروح بالدم نفديك يا فلسطين)، وكم كان يقارول: فارس عودة قائدنا، وفارس عودة الطفل الفلسطيني الذي واجه دبابة الاحتلال بالحجر الفلسطيني، فقد ياسر عرفات من جسده فداء لفلسطين.
عندما عاد ياسر عرفات إلى أرض الوطن بعد اتفاق أوسلو، دخل أرض الوطن بلباسه العسكري و كوفيته الفلسطينية التي من خلالها عرف العالم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني فوق أرضه التاريخية، كما كان ياسر عرفات يدرك بنظرته الثاقبة إن التخلي عن النهج الثوري بكل أشكاله هو ضعف لنا، فلذلك خطط العدو لقتله والتخلص منه، لأن عرفات لم يتخلى عن ثوريته، وقد ظهر ذلك واضحا في انتفاضة الأقصى بعد أن ضرب العدو الصهيوني اتفاق أوسلو بعرض الحائط.
فنحن اليوم مطالبون بالوفاء للقائد الرمز ياسر عرفات ، وذلك بالعودة إلى النهج الثوري الفلسطيني بكل أشكاله وتفعيله بما يخدم تحقيق مطالبنا وحقوقنا بعيدا عن الطوباوية والعدمية، فنحن في اليوم بحاجة لياسر عرفات ليس بذكراه فقط وإنما حاجتنا له اليوم فكرا وممارسة.
حمص - سورية. صلاح صبحية.
2017/11/11