بن سلمان ذاهب ببلاده للخراب

بقلم: عدنان الصباح

بضربة واحدة يريد ترامب لصفقة القرن ان تمر من السعودية أقوى الدول العربية حاليا وأكثرها قدرة على قيادة فعل غير مسبوق في المنطقة وهو لهذا اختار السعودية لإطلاق الشرارة ومن حيث لا احد يعتقد ان امراء السعودية وأغنياءها هم الكتف الذي ينبغي ان يؤكل أولا وكان به مثل ذاك الذي يذهب بك الى الغرب وهو يريدك ان تصل الشرق التفافا دون ان ترى الطريق.

ليلة الرابع من نوفمبر كانت ليلة صيف حارة جدا في صحراء الجزيرة العربية حين تمكن بن سلمان ان يطوي صفحات رجال ملأوا الدنيا ضجيجا ليسكتهم معا في ليلة واحدة ومثل تلك الإجراءات ما كان لها ان تتم بهذه السرعة والنجاح لولا التخطيط المسبق والمحكم لها وعلى مدى زمن ليس بالقصير وقد يكون سبق إنهاء ولاية العهد من ابن الشقيق وتسليمها للابن الذي على ما يبدو قرر ان يكون ملكا قبل أوانه ما دام قد قفز على ابنا عمومته جميعا.

بن سلمان أداة أمريكية رخيصة ليس أكثر ولا اقل فهو سيصادر كل أموال المتمولين من أسرته وغيرهم لصالح خزائن المال الامريكية وقطعا لن تودع اموال هؤلاء في بنوك الرياض بل في بنوك مانهاتن وغيرها من بلدان المال الغربية وهو يدرك قبل غيره حجم الأطماع الامريكية بنفط بلاده بعد ان استولت كليا على نفط العراق وليبيا, والزيارة الأسوأ في تاريخ العرب والتي قام بها ترامب للرياض وضعت حجر الأساس لما يجري حاليا فهو غادرها وقد اعل فتيلا للنار بين العرب باختلاق خلاف مع قطر صاحبة اكبر حقل للغاز في المنطقة وكذا فتح كل بوابات جهنم بين حكام الرياض وطهران وقدم تنازلا للروس في سوريا قد يجد الروس أنفسهم بدراية او دون دراية مدفوعين لدفع الثمن في لبنان فلسطين وهو بالتأكيد ثمن بخس بالنسبة لهم مقابل ما حصلوا عليه في سوريا طريق الغاز بديلا لطريق الحرير بين الشرق والغرب.

انقلاب العرش السلماني لم يكن سوى الشرارة البعيدة للهدف الأقرب والذي ظهر جليا في الإجراءات المرافقة والتي تمثلت بما يلي:

أولا: انجاز شكل من أشكال التهدئة على الجبهة الفلسطينية من خلال إعلان المصالحة المفاجئة بين حماس وفتح في محاولة لقطع الطريق على ايران وحزب الله لإيجاد حليف قوي في المنطقة كحماس, وكذا إسكات صوت مقاوم قوي ومنعه من الوقوف بوجه مساعي أمريكا في المنطقة.

ثانيا: الاعتقال السياسي لرئيس وزراء لبنان الحليف الأبرز لحكام الرياض تاريخيا وإجباره على الاستقالة من منصبه من بلد بعيد دون ن يتمكن من التحدث للصحفيين او حتى العودة الى بلاده لتنفيذ الاستقالة التي رفضت رسميا وبالتالي بات لبنان براسين لا بثلاثة رؤوس كما هو حاله الدستورية والتي تزيد من تعقيدات الوضع السياسي والقانوني للدولة اللبنانية ولأطياف التشكيل السياسي والاجتماعي والطائفي المتوازن حتى اللحظة هناك خصوصا وان رئيس وزراء لبنان جعل من إعلان الاستقالة إعلان للحرب على حزب الله وإيران.

ثالثا: استدعاء الرئيس الفلسطيني بشكل محرج ولافت بقطعه لمؤتمر يشارك به رسميا ودفعه للذهاب الى مصر والرياض ثم العودة الى عمان ليصدر قرارات مفاجئة تزيد من توتير الجبهة الداخلية الفلسطينية خصوصا وان مصر والسعودية كانوا قد استقبلوه قبيل ذلك كما ان الإجراءات والقرارات التي طالت مجموعة مناوئة للرئيس الفلسطيني حصلت قبل عودته الى ارض الوطن وكذا كان الإعلان عن لقاء الرئيس عباس في عمان مع المدير العام للأمن العام اللبناني مبعوثا من الرئيس اللبناني ميشال عون مما يؤكد تخوفات الدولة اللبنانية او محور المقاومة هناك من أي اتفاقات حصلت مع الرئيس الفلسطيني في الرياض قد تعني دفعه للمشاركة الفلسطينية في فتنة ال سعود في لبنان ضد حزب الله وحلفاءه كطريق لإضعاف الوجود الإيراني.

رابعا: توقيت الإعلان في الأردن عن مخططات إرهابية أسندت الى ايران وكانت قد كشفت في نيسان من هذا العام ليترافق الإعلان عنها في هذه الأيام كجزء من صفقة إعلان الحرب على ايران والتي سيجد الأردن نفسه مرغما على ان يكون جزءا منها شاء أم أبى كون الهدف الحقيقي وراء كل ما يجري في دول الطوق لفلسطين هي قضية فلسطين والتي يعتبر الأردن الأكثر أهمية وتضررا فيما يخص أي إجراء على ارض فلسطين او أي تصفية للقضية الفلسطينية.

خامسا: التهديد الخبيث للأردن من قبل إسرائيل وأمريكا في إشهار ما يسمى ائتلاف المعارضة الأردنية كحليف علني لإسرائيل والمكون من مجموعة سخيفة من الخونة قد لا يزيد عدد أفرادها عن خائن واحد جرى تضخيمه كتهديد علني للأردن لإجباره على التساوق مع المشرع الصهيو- أمريكي في المنطقة.

بكل الأحوال فان ما يجري اليوم ان بلدا مثل السعودية المثخنة بالجراح من وحل حرب اليمن والتي باتت تدرك ان الصواريخ قد تصل قصور الملك وولي عهده أعلنت حربا داخلية في بلد كل ما فيه يهدد بالانفجار بدءا من غليان لدى الشيعة في الشرقية ولدى طبقة رجال الدين الذين فضحوا بإجراءات بن سلمان الأخيرة والاختراق السريع والفج لتقاليد بلد محافظ الى ابعد الحدود وكذا إعلان الحرب الأخير على كل متنفذي المال في المملكة بما فيهم أطياف واسعة ومؤثرة في الأسرة الحاكمة وهذا يعني ان سلمان الملك الغير متوج في الرياض قد يكون الوريث الأغبى لراحل مثل الملك فيصل بن عبد العزيز الذي قال لديغول يوما " ويل للضعيف إذا احتله القوي وبات الاحتلال أمر واقع " والذي جعل يوما من النفط سلاحا قويا بيد العرب لا سلعة تهدى للغرب لتصبح سلاحهم ضد العرب, الملك الذي قدم حياته ثمنا لبلاده وكرامتها وشعبها وهو قطعا ليس سعيدا بوريث يقدم بلاده وشعبها وخيراتها ثمنا لحياته وعرشه الذي قد لا يصل إليه بمملكة موحدة.

السعودية ستدفع من مالها ومال أبناءها ثمن الفتنة في لبنان وثمن الجريمة ضد فلسطين والأردن كما دفعت ثمن الجريمة في العراق وليبيا وحين تشتعل كل الديار لن تبقى ديار العائلة السعودية بمنأى عن الاحتراق بعد ان تمكن بن سلمان من تفتيتها وتدمير وحدتها الهشة أصلا منذ رحل فيصل ابن عبد العزيز مذبوحا بإرادة أمريكية وان كان القتل بيد العائلة نفسها بعد ان جرب وان بشكل خجل من الوقوف بوجه الإرادة الامريكية, وعائلة آل سعود عائلة كبيرة وممتدة ويعتقد ان عدد أفراد الأسرة يفوق 25 ألف فرد وبالتالي فان السيطرة على هذا العدد المتنفذ جدا في البلاد أمر يصعب على مجموعة صغيرة مثل التي يقودها ولي العهد المنقلب على أبناء عمومته.

نوفمبر 2017 يذكرنا جيدا بنوفمبر 1964 وهو الانقلاب الأبيض الذي قاده فيصل بن عبد العزيز ضد أخيه الملك سعود بن عبد العزيز, والفرق كبير بين الانقلابين فقد تمكن فيصل من قيادة انقلاب شرعي الى حد ما كسب من خلاله موقف مجلس العائلة وجبهة علماء الدين الذين صادقوا على إرادة وقرار مجلس العائلة خاصة وان فيصل أبقى على الحكم بيد أبناء عبد العزيز بينما يسعى بن سلمان الى سرقة الحكم لصالح فرع سلمان منفردا مستبعدا باقي فروع العائلة وهو ما سيجعل من المعارضين اكبر بكثير مما يتصور بن سلمان وأعوانه خصوصا وان أبواب حرب اليمن وسوريا وليبيا والأوضاع في مصر المنغمسة معهم في وحل اليمن لا زالت مشرعة وكذا الغليان في الشرقية و والجبهات التي يسعى لفتح أبواب نيرانها مع قطر ولبنان وفلسطين والأردن وبذا فان ما قام به بن سلمان هو انقلاب على بلاده ووحدتها لصالح تدميرها وتركها وخيراتها لقمة رخيصة بيد أمريكا تمهيدا لتحقيق مطامع الجشع الأمريكي الأبشع الذي لن يكتفي إلا بعد ان يضع يده على كل مخزون النفط في العراق والسعودية وليبيا وقطر وإيران أخيرا وفي الطريق ستكون إسرائيل قد أصبحت حليفة عديد العرب المتأمركين او المتصهينين بينما تضيع فلسطين وقضيتها بعد ان تظهر على السطح صراعات القبائل والطوائف العربية لصالح أمريكا كبديل للصراح الأصيل والوحيد لعقود خلت بين العرب والكيان الصهيوني المحتل لفلسطين فسيكون هناك تأصيل اكبر لخلافات وصراعات أكثر عمقا وأهمية وقادرة على خدمة مصالح أمريكا وإسرائيل الحليف الأكثر إستراتيجية لأمريكا اليوم وغدا مما سيؤمن مصالح وأطماع أمريكا في المنطقة ويوفر الغطاء لها لعقود قادمة.

بقلم/ عدنان الصباح