الإسلام ... دين السلام

بقلم: حنا عيسى

وقال تعالى عن أهل الكتاب جميعا: (وما أمروا ألا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) أية 4 سورة البينة.

"الناس لا يفصل بينهم النـزاع إلا كتاب منزل من السماء، وإذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل"

"إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنِسُوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله"

 

الإسلام هو آخر الأديان الإبراهيمية أو الأديان السماوية، وهو ثاني الديانات في العالم من حيث عدد المعتنقين بعد المسيحية، والمعنى العام لكلمة الإسلام هو السلام والاستسلام لله خالق كل شيء، أي تسليم كامل من الإنسان لله في كل شؤون الحياة.

 

يؤمن المسلمون أن الإسلام آخر الرسالات السماوية هو ناسخ لما قبله من الديانات؛ كما يؤمن المسلمون بأن محمدًا رسول مرسل من عند الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين؛ وأن الله أرسله إلى الثقلين (الجن والإنس).

 

ومن أسس العقيدة الإسلامية الإيمان بوجود إله واحد لا شريك له هو الله، وكذلك الإيمان بجميع الأنبياء والرسل الذين أرسلوا إلى البشرية قبل محمد، كالنبي إبراهيم ويوسف وموسى والمسيح عيسى بن مريم وغيرهم كثير ممن ذكر في القرآن أو لم يذكر، وأنهم جميعا كما المسلمين، اتبعوا الحنيفية، ملة النبي إبراهيم، والإيمان بكتبهم ورسائلهم التي بعثهم الله كي ينشروها للناس، كالزبور والتوراة والإنجيل.

تحدث القران الكريم في كل مناسبة عن وحدة الأديان الإلهية في أصولها التي بعث الله بها الأنبياء والمرسلين في دعوتهم للبشرية إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والى فعل الخير وإتباع الحق وإقامة العدل والابتعاد عن الظلم وتحقيق المساواة ونشر المحبة والأمن والسلام بين الناس.

 

وحول ذلك قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) حديث شريف رواه الحاكم في مستدركه, وكلمة (لأتمم) تشير إلى التقاء الرسول محمد مع جميع الأنبياء السابقين في الدعوة إلى القيم الأخلاقية التي يقوم عليها بناء المجتمعات الإنسانية وتطورها وتقدمها .

إن من أكرم الأخلاق والقيم، بر الإنسان لأخيه الإنسان واحترامه له وإسعافه عند الحاجة واجتناب ظلمه وأهانته، وهذا ما جاء في تعاليم الأنبياء السابقين.

 

وبشان ذلك جاء في القران الكريم ما يلي: قال تعالى بشأن سيدنا إبراهيم واسحق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)، أية 73سورة الأنبياء، وقال تعالى عن إسماعيل عليه الصلاة والسلام: (وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة)، سورة مريم أية 55، وقال تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) 31 سورة مريم.

 

وقال تعالى عن أهل الكتاب جميعا: (وما أمروا ألا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) أية 4 سورة البينة.

 

وقد قرر الإسلام مبدأ العدل في كل نواحي الحياة وطلب ذلك من الأفراد والجماعات والهيئات والدول: قال تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، والعدل هو عكس الظلم وضده ... والظلم إما أن يكون من الفرد لنفسه أو لأسرته أو لجماعته أو لقومه أو لأمته أو للإنسانية أو لفرد آخر، وإما أن يكون من جماعة أو من دولة لفرد أو لأفراد أو لجماعات أو لدول أخرى، ولا يمكن أن يتحقق العدل إلا بالامتناع عن الظلم وأخطره وأشده وهو الشرك بالله قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم).

 

ومن أشكال الظلم اقتراف جميع الجرائم بأنواعها، الفردية والجماعية أو الجرائم الدولية، سواء كانت بالألفاظ أو بالتصرفات أو بالأفعال. ومن أبشع الجرائم قتل النفس، وقد أعلن الإسلام التحريم الكامل لهذه الجريمة ورتب على مرتكبها عقوبة القصاص، قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة)، آية 179 سورة البقرة، وقال أيضا: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، آية 151 سورة الإنعام وقال: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، الآية 3 سورة المائدة.

 

والنفس جاءت في هذه الآيات بمعنى شامل وعام، وتشمل كافة نفوس النفوس... فإزهاق أرواح البشر (أفرادا أو جماعات), (ذكورا أو إناثا)، (كبارا أو صغارا)، (أجنة أو أطفالا) على غير وجه حق، يعتبر من الجرائم الخطرة الآثمة، التي يجب على الدولة مكافحتها، وعلى جميع الدول التعاون على مقاومتها ...

 

ومن جانب آخر وباختصار شديد فقد أعلن الإسلام مبادئ أساسية، من بينها مبدأ حق الحياة ووجوب صيانتها والمحافظة عليها، ووجوب العناية التامة بالصحة العامة، ومكافحة الأمراض والأوبئة وإبعاد خطرها عن الأمم والشعوب، قال تعالى: (أنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون)، آية 23 سورة الحجر، وقال كذلك ( إنا نحن نحي ونميت والينا المصير) آية 43 سورة ق .

 

وأعلن الإسلام أيضا حق الحرية للإفراد والجماعات والشعوب والأمم، وهو حق ملازم لحق الحياة، فالإنسان منذ ولادته يولد حرا ولا يملكه احد، قال عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، فالعبودية لا تكون إلا إلى لله وحده خالق الكون والإنسان، وهو الذي انعم عليه بالعقل والحواس, ونعمه سبحانه وتعالى لا تعد ولا تحصى, فالإنسان متساو مع قومه ومجتمعه والبشرية جميعا في إنسانيته الحرة، ويجب أن يعيش الشعب حرا في وطنه، ويقرر مصيره بنفسه.

 

ويشمل هذا الحق الحرية الدينية قال تعالى: (لا إكراه في الدين)، الآية 256 سورة البقرة، وقال أيضا: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، آية 99 سورة يونس.

 

والحرية العلمية والحرية السياسية، قال تعالى (وشاورهم في الأمر)، والحرية المدنية التي تشمل حرية الفرد في اختيار عمله وزوجته والبلد الذي يقيم فيه والعلم الذي يريد التخصص فيه. والحرية الاجتماعية وهي حرية النقد الاجتماعي لمن كان مؤهلا وله كفاءة علمية، وتتجلى بالأمر المعروف والنهي عن المنكر. والحرية الأدبية وتشمل حرية الإنسان فيما يفعله أو يقوله أو يميل إليه ضمن المبادئ والقيم الأخلاقية والاجتماعية, وإذا تعارضت حرية الفرد مع حرية المجتمع كانت حرية المجتمع مقدمة على حرية الفرد.

 

لقد أعلن الإسلام حقوق الفقراء والضعفاء والمستضعفين، واقر قوانين للواردات المالية، ومن أبرزها الزكاة وقوانين أخرى للأنفاق، وأعلن أيضا حق العلم وحقوق العمال وحق التملك وحق الكرامة لكل إنسان، وهذا الحق متميز في الإسلام وهو ملازم للإنسانية, فالإنسان هو أكرم من كل شيء على وجه الأرض مهما كانت جنسيته واصله شكله ولونه وعمره وحالته الاجتماعية (ذكرا أو أنثى)، قال تعالى: (ولقد كرمنا بني ادم) آية 70 سورة الإسراء، وحق الكرامة يشمل كرامة الأخوة الإنسانية: وقال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) آية 13 سورة الحجرات, وقال

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع (يا أيها الناس إن ربكم واحد وان أباكم واحد وكلكم لآدم وادم من تراب)، كل ذلك تأكيد على أن الإنسان أخ الإنسان .

 

ومن جانب آخر جاء الإسلام بمبادئ عليا في إطار القانون الدولي العام والمواثيق والأعراف والعلاقات الدولية، وتتركز في مبدأ العدل، ومبدأ الشورى، ومبدأ المساواة، ومبدأ المعاملة بالمثل، ومكارم الأخلاق.

 

ومن هذه المبادئ يمكن أن نشتق ونضع القواعد والنصوص القانونية، فالإسلام يرفض الاستبداد والديكتاتورية والتكبر والاستغلال والتسلط, سواء على الأفراد أو على الأمم أو الشعوب، ويحفظ لكل منهم كرامته وحريته الأساسية . واقر الإسلام الاجتهاد وجعله المرتبة الرابعة من مصادر الأحكام بعد القران الكريم والسنة النبوية والإجماع, ووضع شروطا له بحيث لا يجوز مطلقا الاجتهاد في مورد النص القرآني أو السنة الشريفة, وأوجد علما للفقه وعلما آخر لأصول الفقه، وتضمن قواعد أساسية للاجتهاد والمجتهدين، من أبرزها العلم بالشريعة الإسلامية واللغة العربية بكل فروعها وآدابها وألفاظها والنزاهة والصدق والأمانة والإخلاص والقدرة على الفهم والإدراك والاستنباط في إطار مبادئ الشريعة ومقاصدها وغاياتها.

بقلم: د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي