تفصلنا أيام قلائل عن لقاء كل المكونات والمركبات السياسية الفلسطينية في القاهرة،من اجل إنجاز شامل للمصالحة الفلسطينية،تلك المصالحة التي أمامها الكثير من المهام والتحديات الكبيرة،وكذلك أمامها الكثير من العقبات التي ستعترض سير تحقيقها،ولديها الكثير من الأعداء في الداخل والخارج والساعين والعاملين على منع تحقيقها،خدمة لمصالحهم واجنداتهم،وكل من موقعه ومكانه،ولذلك احسن السنوار صنعاً عندما دعا الجماهير الفلسطينية للخروج الى الشوارع للضغط على الفصائل الفلسطينية وخاصة فتح وحماس،من اجل تحقيق المصالحة الفلسطينية،تلك المصالحة التي اذا ما فشلت ستجر الكثير من الويلات على قضيتنا وشعبنا ومشروعنا الوطني،فالمنطقة تغلي على صفيح ساخن،وسواء انفجرت الأمور نحو حرب او لم تنفجر،فالقضية الفلسطينية في صلب تداعيات ذلك،والتصدي لتلك المخاطر والتداعيات والتطورات،إذا لم يكن موحداً فنحن كفلسطينيين سندفع ثمناً باهظاً،فالمحتل يزداد عنجهية وغطرسة وتنكراً لحقوق شعبنا الفلسطيني،ويسابق الزمن ويستغل كل الظروف المحيطة بنا،لكي يستكمل مخططاته ومشاريعه في التهويد والأسرلة،وليس بما يضمن فقط الإجهاز على مدينة القدس،بل والقضاء على أي حلم وحل للقضية الفلسطينية وفق مشروع الدولتين،حيث وتائر الإستيطان في الضفة الغربية،تسير بوتائر متسارعة وكبيرة،عبر بناء عشرات ألآلاف الوحدات الإستيطانية الجديدة في الضفة الغربية،وحتى في قلب المدن الفلسطينية،كما هو حاصل في البلدة القديمة من الخليل،ناهيك عن فصل شمال الضفة عن جنوبها،وفصل شمالها وجنوبها عن وسطها،خطة الفصل وتقطيع الأوصال.
الخطوات المتحققة حتى اللحظة على طريق تحقيق المصالحة الشاملة،تسير بخطى ووتائر بطيئة،وهناك شعور متنامي عند اهلنا وشعبنا في كل أماكن تواجده،بأن الأمور قد تصل بنا،كما حال السلطة،التي عبر عنها الرئيس عباس في الجمعية العامة في دورتها الثانية والسبعين،بأنها سلطة بدون سلطة،ونحن لا سمح الله قد نكون امام مصالحة بدون مصالحة،اذا لم يجر الإتفاق على القضايا الجوهرية والمفصلية وحلها بشكل جذري،بدل مسلسل التأجيل المستمر لها،ما المطلوب من كل طرف..؟؟،ما له وما عليه،ماذا سياخذ..؟؟ وماذا سيعطي..؟؟؟،وخصوصاً فتح وحماس،وكذلك لا يجوز القفز عن الاتفاق حول قضايا الأمن والسلاح والسياسة والشراكة ووحدة القرار ووحدة السلطة،والمصالحة يجب ان تكون ضرورة وممر اجباري فلسطيني،وليس استجابة لشروط واملاءات خارجية،او خدمة لمصالح فئوية وحزبية على حساب المصالح العليا للشعب الفلسطيني،قد تنسف المصالحة من أساسها،فالقول بان على حماس او أي وزير يشارك منها في الحكومة ان يلتزم بشروط الرباعية والإعتراف باسرائيل،من شانه أن لا يقربنا من المصالحة،فالمنظمة اعترفت باسرائيل،وكثير من الأحزاب الإسرائيلية في الحكومة لا تعترف حتى بحق شعبنا في الوجود،والإعتراف بين المنظمة واسرائيل حصل،ولذلك المطلب قد يضع العصي في الدواليب ويمنع دوران المصالحة،ومحظور علينا كذلك،أن ننزع سلاح المقاومة،وخصوصاً بان المحتل ما زالت تمظهراته بكل اشكالها وتجلياتها قائمة وموجودة في الضفة الغربية اقتصادية،امنية،عسكرية ومستوطنات وغيرها،وكذلك يسيطر بشكل غير مباشر على القطاع براً وبحراً وجواً،وهذا السلاح للدفاع عن شعبنا وحقوقنا،في الوقت الذي يلتزم فيه الإحتلال بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة ويجري تطبيق ذلك بشكل فعلي،حينها يجري الإتفاق على كيفية التعامل والتعاطي مع سلاح المقاومة،ولكن هذا لا يعني بان لا يصبح قرار السلم والحرب موحداً وعبر اليات يجري التوافق عليها،ولعل الجميع متفق بان اللقاء الذي سيعقد في القاهرة،منوط به البحث ما اتفق عليه في اتفاق ايار 2011،ولذلك الأمور والمسائل المراد نقاشها والاتفاق حولها معروفة وواضحة للجميع،فلا مصالحة بدون اعادة رسم استراتيجية فلسطينية موحدة تقود الى استثمار كل عناصر القوة الفلسطينية من اجل تغيير متدرج في ميزان القوى عبر المواجهة والاشتباك الإنتفاضي مع المحتل،وهذا يتطلب اعادة بناء المنظمة على اسس وطنية وكفاحية وديمقراطية تشاركية توافقية،وبما يضمن المشاركة السياسية الكاملة ومشاركة كل الوان الطيف السياسي،وكذلك التطورات والمتغيرات الحاصلة،تملي ضرورة تغيير شكل ووظيفة والتزامات السلطة،بحيث تصبح خادمة للمنظمة ومنفذه لسياساتها وبرامجها لا ساطية على صلاحياتها،وبما تخدم الكل الفلسطيني،وكذلك التاكيد على ضروة اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية،بما يمكن من تجديد الهيئات للمنظمة والسلطة،في الأماكن التي يمكن فيها الإنتخابات يتم اجراؤها والمتعذر فيها الإجراء،يجري التوافق عليها.
كل هذه القضايا وغيرها من القضايا الأخرى،بما فيها آليات تحقيق المصالحة التي تتطلب،رفع العقوبات المالية والإدارية عن قطاع غزة،الذي يعاني من الكثير من الصعوبات في الجوانب الحياتية والمعيشية والخدماتية والطبية،بسبب الحصار،والتي زادت من صعوبة اوضاع اهلنا وشعبنا هناك،تجعلنا ندرك اهمية تحقيق هذه المصالحة،فالفشل يعني كارثة حقيقية وجدية،تطال الكل الفلسطيني،وليس هذا التطرف أو ذاك،ولذلك لا يجوز لي لأي طرف التمترس خلف مواقفه ومطالبه،ونحن ندرك بان هناك تخوفات مشروع وحقيقية عند طرفي الإنقسام،من طراز ان تكون المصالحة،من اجل تمرير ما يسمى بصفقة القرن وبمشاركة اطراف عربية،وبما يمس بجوهر وثوابت البرنامج الوطني الفلسطيني،وكذلك هناك خشية كبيرة عند حماس،بان هذه المصالحة،قد تستخدم من اجل تطويعها،وممارسة ضغوط كبيرة عليها من اجل نزع سلاح المقاومة،وقطع علاقاتها مع طهران والضاحية الجنوبية،ولكن هذا لا يعني ان لا تتم المصالحة،فكلفة عدم تحقيق المصالحة اعلى بكثير من كلفة تحقيقها،واذا خلصت النوايا وتوفرت الإرادة السياسية،وتم تغليب المصالح العليا للشعب الفلسطيني على المصالح الفئوية والحزبية،بعيداً عن سياسة المحاور والإصطفاف الى جانب هذا المحور او ذاك،نستطيع أن ننجز المصالحة،على قاعدة نتوافق على ما نتفق عليه،ونتحاور على ما نختلف عليه،في إطار إتمام المصالحة وتحقيقها.
بقلم/ راسم عبيدات