حماس والجهاد ....للخلف ...أم للأمام ؟!

بقلم: وفيق زنداح

شهدت المنطقة العربية ومنذ عقود تقلبات جذرية على خارطة القوي والأحزاب السياسية داخل العديد من الدول..... خاصة ما بعد ثورة الإمام الخميني بإيران ....وسقوط إمبراطورية الشاة ....وبدت الأمور والوقائع تتحدث عن نفسها بشكلها الملحوظ ....ومنابرها العديدة .....وأشكالها المتعددة ....ولباسها المختلف ....وكأنها صحوة دينية إسلامية .....وبطبيعة الحال سياسية بالمطلق ... داخل المنطقة العربية .....رغم أن وجود الإسلام السياسي سابق على ثورة الإمام الخميني.... الا أنها كانت بمثابة دفعة قوية لما هو قائم من مجموعات وجماعات وحتي تنظيم الاخوان ....والتي تأثر بفعل ثورة الخميني بزلزال كبير .....له تردداته ....وتفرعاته والتي ولدت مجموعات متناثرة..... تبنت أفكارا راديكالية باكثر من الفكر القطبي الاخواني .

التنظيم الدولي للاخوان المسلمين والذي تأسس في نهاية عشرنيات القرن الماضي بينما الثورة الخمينية بايران ..... كانت مع بداية ثمانيات القرن الماضي ....أي أن الفارق الزمني التاريخي الكبير .....لم يولد طول هذه الفترة قوة اسلام سياسي يمكن أن تحدث متغيرات جذرية داخل العديد من المناطق والساحات .

ما ظهر من صحوة اسلامية ما بعد الثورة الايرانية ....وظهور مجموعات متطرفة بدأت بتنظيم القاعدة ....وما بينهما وحتى داعش والنصرة وبيت المقدس ....والتي استخدمت من أساليب العنف بحده الأقصى .....الذي أوصلها الي قمة الارهاب والتكفير وتنفيذ أفكارها .....وفرض سيطرتها واحكام مفاهيمها ....والزام الناس بها ....الا أنها سرعان ما تراجعت.... واختفت.... والي حد كبير نتيجة سوء تقديراتها وتصرفاتها وفعلها المشين والعنيف .....والذي لم يكن له ما يبرره بالمطلق .

الاسلام السياسي في فلسطين كان امتدادا تنظيميا للتنظيم الدولي للاخوان ....ولم يكن خارج عن هذا الاطار .....بل كان معبرا عن خصوصية الواقع وطبيعة الصراع القائم .....في ظل تهجير واحتلال ونكبة ألمت بفلسطين وشعبها .

كل ما ظهر من اسلام سياسي في فلسطين يتمثل بحركة حماس والجهاد الاسلامى ....وبعض الجماعات السلفية والدعوية والتي تحمل اسماء متعددة كحزب التحرير .... ومجموعات أخري عملت في اطار الدعوة ....ولم تظهر نفسها في الاطار السياسي والفعل الجهادي والنضالي كما حركة حماس والجهاد الاسلامي .

المجموعات المتطرفة داخل بعض الاقطار العربية..... والتي استخدمت السلاح لتنفيذ مأربها وأهدافها .....قد تراجعت وانهارت بصورة سريعة من القاعدة في أفغانستان ومنطقة الجزيرة العربية واليمن وحتي داعش بالعراق وسوريا .....وما تم ظهوره من مجموعات متطرفة تكفيرية ارهابية ....أساءت للاسلام السياسي ....وجعلته بموقف الدفاع عن نفسه .....برغم عدم وجود أي صلة تنظيمية..... أو فكرية..... أو سياسية..... ما بين قوي الاسلام السياسي المعروفة باعتدالها وتوازنها ومشاريعها الواضحة .....وما بين تلك الجماعات الارهابية التكفيرية التي تعدت بفكرها .... واساليبها .....مفاهيم الدين الاسلام الوسطي .... الي أفكار أخري لا نعرف مصدرها ومنابعها .....ومن أين جاءت بتبريراتها وسندها وذرائعها التي تقوم عليها .

من هنا فالفارق شاسع وكبير..... ولا يقارن ....وليس هناك من تقارب ....يمكن أن يذكر ما بين حماس كحركة سياسية وطنية فلسطينية..... كما حركة الجهاد الاسلامي كحركة وطنية فلسطينية لهم منطلقاتهم الاسلامية .....وفكرهم الاسلامي السياسي ....الذي لا يتعدي حدود النضال والجهاد لأجل التحرير والاستقلال الوطني..... هكذا نفهم منطلقاتهم وعقيدتهم ووجودهم .....وهذا على عكس ...وعلى تناقض تام ......مع المجموعات التكفيرية التي اتسمت بالارهاب وقتل الابرياء وتخريب البلاد ...وتهجير العباد ....واستخدام الارهاب والقوة..... بمحاولة فرض السيطرة والسطوة والاحكام ...وهذا بعكس ما يجري من حركات الاسلام السياسي في فلسطين وغيرها من الدول .

ازدادت قوة الاسلام السياسي..... وبدا واضحا منافسة قوية للقوي الوطنية والقومية والماركسية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ....وموت عبد الناصر.... وتعدد الانقلابات داخل العراق وسوريا .....من قبل أحزاب البعث العربي الاشتراكي .....وما بعد نكسة حزيران 67 وبداية تراجع الفكر القومي لصالح الفكر الاسلامي السياسي .

متغيرات معادلة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ما بعد اتفاقية كامب ديفيد بالعام 1978 بين مصر واسرائيل وانعكاساتها اضافت أرضية جديدة لزيادة قوة الاسلام السياسي ......داخل العديد من الدول ....كما زادت من امكانية نضوج وبلورة الفكر السياسي الاسلامي داخل فلسطين..... في اطار حركات جهادية كان لها ما يبررها في ظل احتلال قائم والسعي المستمر والمتواصل لانهاء الاحتلال وتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني بالحرية والاستقلال .

ما بعد أوسلو 1993 تغيرت الخارطة السياسية الداخلية بالساحة الفلسطينية..... مع ظهور أقوي لحركتي حماس والجهاد الاسلامى وتراجع ملحوظ بقوة حركة فتح...... في ظل تحملها لمسئولية وتبعات السلطة الوطنية ....ومدي الازدياد المستمر للاحتياجات المطلوبة ....في ظل امكانيات قليلة ....مما جعل من فتح بالصدارة .....وتحمل المسئولية الكاملة عما جري سياسيا ....وما تمخض عنه على أرض الواقع ..... وهذا يسجل لحركة فتح دورها وايجابية موقفها ....ولا يسجل عليها ....كما سلبية مواقف غيرها .

السلطة الوطنية الفلسطينية وقد عملت ما لديها وبحكم امكانياتها والمتوفر لها ......في ظل الاسلام السياسي المتمثل بحماس والجهاد والذين لم يتحملوا مسئولية احتياجات الناس ومتطلباتهم .....بل استمروا بطرح أفكارهم وشعاراتهم .....دون أدني مسئولية أو محاسبة لهم .

تراجعت شعبيه فتح ....وازدادت شعبية حماس والجهاد ....الا أن هذا التغير لم يدم طويلا..... في ظل تراجع الاسلام السياسي داخل المنطقة .....كما ضعف حلقات الوصل والاتصال ومنابعه.... والتي كانت ذات علاقة بالحركتين

وها نحن اليوم أمام مشروع قرار أمريكي ضد حركتي حماس والجهاد الاسلامي وبموافقة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الامريكي حول 3 تشريعات تستهدف حركتي حماس والجهاد في فلسطين على الصعيدين المالي والسياسي ...والذي على أساسه يعاقب مشروع القانون الحكومات والأفراد الأجانب الذين يقدمون دعم مالي للحركتين وتشمل العقوبات ....التعاملات المصرفية للدولة التي تخرق هذا القانون ....ومنع استيراد البضائع منها .

الولايات المتحدة وبسياستها المنحازة والمعروفة .....لا تستهدف حماس والجهاد فقط ....بل أصبحت تهدد منظمة التحرير باغلاق مكاتبها اذا لم تجري مفاوضات مع الاحتلال ....أو بمعني أخر اذا لم تبدي تنازلات حقيقية بحسب المشروع الامريكي الاسرائيلي .

المشهد الحالي لقوي الاسلام السياسي يؤكد على أن هناك ملاحقة جادة .....بعدم تنامي قوتها .....والتي بالأساس قد تراجعت عن قوتها السابقة..... بحكم ما أحاطها من جماعات ومجموعات تعددت أسمائها ...وتنوعت أهدافها ....واختلفت مصادر تمويلها ....والتي لم تستطع قوي الاسلام السياسي المعتدلة أن تدافع عن نفسها ....او حتي أن تبعد شبهات تلك المجموعات عنها ..... مما أوصل الاسلام السياسي الي حالة من التراجع المستمر ....خاصة ما بعد ما يسمي بثورات الربيع العربي ....وسقوط المشروع الأمريكي الاخواني وبمشاركة من بعض العواصم .

ما يهمنا بالأساس في فلسطين حركة حماس والجهاد الاسلامي ......ولا يهمنا لا ايران... ولا حزب الله.... ولا قطر.... ولا تركيا ....ولا التنظيم الدولي للاخوان .

ما يهمنا حماس والجهاد .....فهم ليسوا من المريخ ....ولم يأتوا من القمر ....ولم يهجروا الي فلسطين ...وليس لهم أوطان أخري ....انهم أبناء هذا الوطن بكل مدنه ومخيماته وأحيائه ....هم الاقارب والأخوة والأشقاء والابناء ...انهم منا وعلينا .....ولهذا يجب أن يكونوا في اطار المؤسسات الوطنية الشرعية ....وأن لا يغردوا خارجها ...حتي لا يسهل التمكن منهم .....أو محاصرتهم ....أو حتى مهاجمتهم ....وحتي امكانية القبول بوصفهم بالارهاب ....برغم أننا جميعا كفلسطين تحت طائلة الاستهداف المستمر .....الا أننا يجب أن لا نقبل .....وما يجب علينا عمله ..... بعدم القبول بابقاء أحد خارج الاطار العام ....وأن يعمل الجميع من داخل الاطار والمؤسسات حتي نضيق على أعدائنا ......ونحاصرهم في مخططاتهم ....لا أن يحاصروننا ......ويقتلوننا فرادي .

أيام قليلة ....وستكون حماس والجهاد الاسلامى وباقي القوي الفلسطينية بقاهرة العروبة .....وعلى طاولة الحوار ....والمسئولية الوطنية والتاريخية ......والذي يستوجب شمولية النظرة ....وأن يري الجميع ما يجري داخل الوطن وخارجه .....داخل الاقليم ...والعالم .....وأن لا يعيش أحد منا حالة الوهم والخيال ....والشعار ....بعيدا عن الواقع والحسابات السياسية الدقيقة ....والتي تفرض علينا قبل غيرنا أن نتخذ من القرارات .....وأن نمتلك الشجاعة والمسئولية .....حتى يكتب لنا التاريخ .....لا أن يكتب علينا .

بقلم/ وفيق زنداح