ترامب ... صفقة الإفقار لصالح الإرضاخ

بقلم: عدنان الصباح

صفقة القرن القيمة الجيدة والتي تمتد جذورها الى تفاهمات عباس اولمرت عام 2006 والتي اعتبرت اتفاقية رف الى حين تبدل الاوضاع التي قادت الى غياب اولمرت وتفاهماته كليا عن الوجود السياسي وها هي تعود في ظل انقلاب كامل للحال في الشرق الاوسط بكل المعايير على ضوء التطورات الجارية سواء في سوريا او لبنان او اليمن او العراق وايران واخيرا في السعودية ودول الخليج فكل خارطة التحالفات والتناقضات في المنطقة باتت في مهب الريح وسائر دول المنطقة تعاني من ظروف اقتصادية خانقة.

مصر في اشد ضائقة اقتصادية في تاريخها فالجنيه المصري في اسوأ حالاته وبعدما كان اغلى من الدولار صار الدولار يساوي عشرة جنيهات ومداخيل السياحة تراجعت الى ادنى درجة والوضع الامني في سيناء دفع بشركات النقل للتحول عن قناة السويس مما ادى الى هبوط مردودات القناة وتراجعت الصادرات وشحت المساعدات وتناقصت تحويلات المصريين من الخارج وبالتالي فان مصر بحاجة الى حدث غير عادي او ظروف غير عادية ليتعافى اقتصادها الذي يعاني من اقصى درجات العوز واسوأ الاوضاع الامنية الداخلية التي اوقفت اية مصادر للاستثمار من الخارج في كل مناحي الحياة الاقتصادية في مصر اليوم.

سوريا تم تغييبها كليا عن موضوعة الصراع مع الاحتلال بما في ذلك احتلال الجولان واستحدثت على ارضها قوى وفصائل وجيوش من كل دب وصوب بما في ذلك جهات تعلن تعاونها العلني مع الاحتلال في الجولات بما يصل درجة التنسيق والتحالف والمشاركة في الفعل على الارض السورية, وكذا هو الحال مع لبنان المنشغل بصراعات داخلية قديمة ومفتعلة فسوريا بحاجة لعشرات السنين لكي تعاود الصحو من الكوارث التي حلت بها بعد الحرب المدمرة التي لم تتوقف حتى اليوم وهذا يمتد الى لبنان الذي يعاني من اقتصاد سيء وظروف امنية اسوأ وانشقاق داخلي خطير تحاول السعودية تأجيجه اكثر فأكثر.

السعودية نفسها المنغمسة في وحل اليمن ونزاعات داخلية استحدثت فجأة وتهديدات خارجية تم افتعالها مع ايران وحزب الله على هامش حرب اليمن وكذا صفقة المال الترامبية الكبرى التي طالت عمق الخزائن السعودية وحجم الانهاك المالي اليومي الذي يصرف على عاصفة الحزم في اليمن فان السعودية باتت ايضا باحثة كغيرها عن مصادر جديدة للمال والتمويل في ظل ظروف داخلية قاهرة فهي تعاني على كل الجبهات بما فيها الجبهة الاخطر داخليا بعد ازمة الاسرة المالكة وطبقة رجال الحكم والصراع النائم حتى الان مع المحافظين ورجال الدين.

الاردن طرف اصيل في هذا الصراع وهو يواجه تهديدات من الجارة سوريا والجارة العراق وجارة الاحتلال في ان معا وتقف على اطرافه قوى ارهابية قد لا تجد ملجا لها الا الاراضي الاردنية ان لم ترضخ الاردن لإرادة امريكا واسرائيل فلا احد يدري كيف تهزم داعش في العراق بالطيران ثم تتمكن قوافلها من الوصول علنا تحت السماء المكشوفة الى الاراضي السورية دون طائرة واحدة في كل السماء لا لأمريكا ولا لغيرها.

الاقتصاد الاردني يعاني من اوضاع قاسية فالدين الداخلي للخزينة بل اكثر من 15 مليار دينار اردني والدين الخارجي حوالي عشرة مليارات دينار ومعدل البطالة يفوق نسبة 13% وهي نسبة مرتفعة في بلد فتي واضطرار الدولة الى تعميم الضرائب على السلع الاساسية بما فيها الماء والكهرباء والمشتقات النفطية والادوية كما انخفضت المساعدات الخارجية والخليجية منها بالتحديد لأسباب سياسية واقتصادية واضحة كهبوط اسعار النفط في الاسواق العالمية, الى جانب ارتفاع كلفة ايواء اللاجئين السوريين وهو ما دفع بالحكومة الاردنية الى التفكير برفع الدعم عن السلع الاساسية واهمها الخبز وهو ما حذرها منه صندوق النقد الدولي بعكس دوره التاريخي لدى الدول المستدينة منه مما يجعل الحكومة عرضة لغضب شعبي مباشر دون ان تجد ستارا تحتمي به.

ما تقدم يبين ان الحال السائد في المنطقة سيجعل من الدول المعنية غير قادرة على اتخاذ قراراتها باستقلالية عن الارادة الامريكية فعلى مصر لكي تخرج من ازمتها ان تقبل بتبادل ما للأراضي مع دولة الاحتلال على شكل منح اراضي من سيناء للفلسطينيين مقابل الحصول على بوابة على البحر الاحمر من السعودية مقابل صنافير وتيران ونفق يصلها بالأردن مقابل تدفق استثمارات واطلاق برنامج نووي سلمي لها وللسعودية والاردن للصمت عن البرنامج النووي الاسرائيلي وتقبل السعودية بالتحالف والتطبيع مع اسرائيل مقابل وعود حماية من ايران وتسهيل وصول محمد بن سلمان الى العرش وانهاء ما لحرب اليمن وعلى الاردن ان تصمت على الصفقة التي قد تغيب القدس نهائيا وتغيب دور الاردن فيها مقابل الخروج من ازمتها الاقتصادية وقد تجد نفسها بشكل او باخر مجبرة على استقبال مئات الالاف من اللاجئين الجدد من الضفة الغربية لتسهيل مرور صفقة القرن وحصر الدولة الفلسطينية في غزة الموسعة في سيناء.

السلطة الفلسطينية الاكثر فقرا من الجميع والتي امامها عقبات ضخمة كإعمار غزة التي لم تكن ملقاة على عاتقها وأصبحت بعد المصالحة من مهامها ومعها آلاف العاطلين عن العمل والمشردين والفقراء والمرضى وهي مرهقة بديون داخلية وخارجية وميزانيات تعتمد كليا على المساعدات الخارجية وبالتالي فان استمرارها رهن بإرادة الغير ان هي اصرت على دور الدولة دون الثورة ما العودة لعهد المقاومة والكفاح هروبا من الالتزامات الدولية والشعبية ماليا واما الحفاظ على شكل الدولة من خلال التنازل لصالح صفقة قرن الفقر والإفقار الترامبي.

صفقة القرن الترامبية تعني للعرب تنازلا عن فلسطين مقابل ان يصبح محمد بن سلمان ملكا على بلاده ولو لأشهر معدودة وان تخرج مصر من ازمتها الداخلية ويتوقف الارهاب في سيناء بعد اقتطاع جزء منها لغزة ولا يدفع الاردنيين ثمنا اكثر لخبزهم برسم تغييب القدس ودور امني واداري في مساحات محددة في الضفة الغربية وسيجد لبنان نفسه مرغما على تفجير ذاته لصالح كل الآخرين فهو الضائع الوحيد بالتأكيد في جميع الحالات واذا لم تصبح اسرائيل حليفة الجميع وينسوا فلسطين ولاجئيها وقدسها وحدوده ابلين بغزة دولة وطنية مستقلة فان اش والنصرة ومن على شاكلتهم جاهزين لقلب كل شيء في كل مكان في بلاد الطوق لفلسطين فالخيار اليوم للعرب بين ان يحموا رؤوسهم بالتنازل او ان تضيع رؤوسهم بأيديهم فخيار الصمود والمقاومة بات فعل كان الناقص فعلينا اليوم ان نقتتل على صنافير ورفح وقطر والشرقية في السعودية والجنوب في لبنان البلد او الضاحية وجبهاتنا الداخلية بدل ان نقاتل من اجل القدس وجنين وحيفا.

عدنان الصباح