في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني من عام ثمانية وثمانين وتسعمائة وألف ، وفي دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشر المنعقدة في الجزائر ، أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأنّ ( المجلس الوطني الفلسطيني يعلن ، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ) ، وقد سميّ هذا الإعلان بإعلان الاستقلال ، وأصبح شعبنا العربي الفلسطيني يحتفل كل عام بهذه المناسبة مشدداً على تسميتها بإعلان الاستقلال .
إنّ أبسط تعريف للاستقلال ، هو تحرر أي شعب من الشعوب من الاحتلال الجاثم على أرضه ، سواء كان هذا التحرر بالكفاح المسلح أو بالمقاومة الشعبية أو باتفاق سلام بين قوات الاحتلال والشعب المحتلة أرضه ، هذا ولا يعتبر الاستقلال ناجزاً إلا إذا مارس الشعب الذي تحرر من الاحتلال سيادته على أرضه وفي مياهه الإقليمية وفي سماء بلاده ، وممارسة السيادة تتم عبر حكومة تمثل الشعب فوق الدستور الذي ارتضاه الشعب لنفسه .
ولقراءة لما سميَ بإعلان الاستقلال الفلسطيني ، فإننا نجد أنّ مصطلح الاستقلال الوارد في العديد من فقرات الإعلان لا يعني إعلاناً لاستقلال فلسطين ، بقدر ما يأمل بحصول الشعب الفلسطيني على استقلاله والذي خاض من أجله العديد من الثورات المتلاحقة لتحقيق هذا الاستقلال ، حيث الإعلان ( ومن جيل إلى جيل لم يتوقف الشعب العربي الفلسطيني عن الدفاع الباسل عن وطنه ، ولقد كانت ثورات شعبنا المتلاحقة تجسيداً لإرادة الاستقلال الوطني . )
كما أنّ إعلان الاستقلال يذكر بأنّ الشعب العربي الفلسطيني شأنه شأن الشعوب العربية الأخرى عندما يقول( فإنّ المجتمع الدولي في المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم لعام 1919 وفي معاهد لوزان قد اعترف بأنّ الشعب العربي الفلسطيني شأنه شأن الشعوب العربية الأخرى التي انسلخت عن الدولة العثمانية هو شعب حر مستقل ) ، هنا يؤكد الإعلان عن حق الشعب العربي الفلسطيني بأن يكون شعباً حراً مستقلاً دون أن يعلن استقلال هذا الشعب في دولة خاصة به .
ويتعرض الإعلان إلى القرار 181 لعام1947 ( بأنه مازال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني ) ، وهنا يؤكد الاعلان عن حق الاستقلال دون إعلان الاستقلال .
ويذكر الإعلان بقرارات الأمم المتحدة التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية ( حق العودة ، وحق تقرير المصير ، والاستقلال ، والسيادة على أرضه ووطنه ) ، دون أن يعلن الاستقلال استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية .
وإنّ حديث الإعلان عن إيمان الشعب العربي الفلسطيني بحقه في الاستقلال لا يعني أنّ هذا الشعب قد أصبح مستقلاً ، لأنّ هذا الشعب ما زال حتى الآن وبعد مضي تسعة وعشرون عاماً على هذا الإعلان يؤكد ( على حقوقه الثابتة وممارستها فوق أرضه الفلسطينية ) ، حيث أنّ هذه الحقوق ما زالت أهدافاً يسعى شعبنا العربي الفلسطيني لتحقيقها .
ويؤكد الإعلان بأن الأجيال المتعاقبة لشعبنا ما زالت تقدم التضحيات دفاعاً عن حريّة وطننا واستقلاله ، أي أن هذا الشعب العربي الفلسطيني لم يحصل حتى لحظة صدور هذا الإعلان على استقلاله .
وإنه ( استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني ) فإنّ المجلس الوطني الفلسطيني يعلن قيام دولة فلسطين فوق أرض فلسطين ، ولم يعلن المجلس عن تحرير الأرض وجلاء المحتل عن أرضنا لكي يعلن استقلال فلسطين .
ولأنّ دولة فلسطين التي تم الإعـلان عن قيامها في هذا الإعـلان بأنه بأنها جزء لا يتجـزأ من الأمة العربية فلذلك فهـي ( تناشد أبناء أمتها مساعدتها على اكتمال ولادتها العملية ، بحشد الطاقات وتكثيف الجهود لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ) ، فكيف تناشد دولة فلسطين المستقلة أبناء لمساعدتها في دحر الاحتلال عن أراضيها وهي تعلن الاستقلال في ذات الوقت؟
كيف تهيب دولة فلسطين المستقلة حسب إعلان الاستقلال هذا ( بشعوب العالم ودوله المحبة للسلام والحريّة أن تعينها على تحقيق أهدافها ، ووضع حد لمأساة شعبها ، بتوفير الأمن له ، وبالعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ) ، فمأساة الشعب الفلسطيني هي في احتلال أرض وطنه وأنّ لا أمن له في ظل هذا الاحتلال ، فالاحتلال ما زال قائماً ، وما زال الشعب الفلسطيني يعاني من هذا الاحتلال حتى مرور تسعة وعشرين عاما على صدور هذا الإعلان ، فهو لم يكن إعلان استقلال .
كما إنّه في ختام هذا الإعلان يعلن المجلس الوطني الفلسطيني عهده لأرواح الشهداء وجماهير الشعب العربي الفلسطيني : ( على مواصلة النضال من أجل جلاء الاحتلال ، وترسيخ السيادة والاستقلال ) ، إذاً الاستقلال لم ينجز في لحظة صدور هذا الإعلان .
ومن هذه القراءة لما سُمي بإعلان الاستقلال كما ورد في البيان السياسي الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشر ، فإنّ هذا لم يكن إعلان استقلال فلسطين ، بقدر ما كان إعلاناً لقيام دولة فلسطين ، حيث إنّ الإعلان تعرض لموجبات الاستقلال دون أن يعلن الاستقلال ، فالاستقلال لا يصبح ناجزاً ومحققاً إلا بعد دحر الاحتلال وممارسة الشعب العربي الفلسطيني سيادته الكاملة على كامل أراضي دولته الفلسطينية .
صلاح صبحية 19/11/2017