رجال عظماء أشداء فوق وصف الكلمات لا يفنيهم التاريخ ولا يموتون فهم جبابرة الوطن وعمالقة الديار بإعمالهم خالدون في قلوبنا حتى إلى يوم الزوال,فمنهم من دفن في التراب ومنهم مازالوا على قيد الحياة يرزقون,فتاريخهم النضالي مشرق ومشرف ومضيء في دروب حياتنا ومتوهج في ضلوع كل أحرار وشرفاء العالم,فهم قمة في العطاء والتضحية والفداء,وقامة من قامات الوطن من تاريخ شعبنا الفلسطيني وثورته المجيدة,بتضحياتهم الجسورة واستبسالهم الأسطوري العظيم فقد ابلوا في مقاومتهم بلاءً حسناً فضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الله وفداءً لفلسطين وهم يقارعون الاحتلال ومن لف لفيفهم من الخونة المأجورين,
فبنوا هؤلاء الصناديد مجداً تليداً وشكلوا حالة وطنية فريدة منفردة في تاريخ المقاومة يستحقوا منا الانحناء إجلالاً وإكباراً لهم والإشادة والتوثيق بنضالاتهم الوطنية عبر مسيرتهم الكفاحية الطويلة المجبولة بالعرق والمعطرة بدماء الشهداء,حتى تبقى سيرتهم الطيبة وذكراهم العطرة محفورة في سجل التاريخ بماء الذهب وخالدة في النفوس وعالقة في الأذهان والقلوب ويلهج بسيرتهم كل لسانُ عربي مبين وراسخة في ضمائر الأجيال جيلاً بعد جيل ليستلهموا منهم العبر والدروس في عشق الوطن ومواصلة الكفاح حتى الرمق الأخير....
كان علينا استحضار تلك الذكريات العظمية والبطولات المجيدة حتى لا تندثر مع مرور الزمن وتدافع الأجيال فينبغي أن يتناقلها أجيالنا جيلاً بعد جيل من باب والوفاء والعرفان لتلك الهامات العظيمة الباسقة كأشجار النخيل والتي سطرت بدمائها الزكية انصع صفحات التاريخ في المقاومة والعمل الفدائي وللدور الوطني الكبير الذي قدمه هؤلاء الرجال الأوفياء كان لابد من تسليط الضوء على سيرة عطرة وذكرى طيبة للمناضل الثائر الفدائي عز الدين مصطفى صالح عويضة رجل من رجالات الوطن وفدائي من مقاتلين جيش التحرير الفلسطيني ...
ولد المناضل الفدائي الثائر عز الدين مصطفى صالح عويضة المكنى"أبو المعتز"والملقب باسم الحركي"أبو أنطوان"في مدينة قطاع غزة بتاريخ 8/10/1938م في حي الشجاعية مقر سكناه ومسقط رأسه ويسكن حالياً بالنصر"دوار درابية" فهو متزوج مرتين وله من الزوجة الأولى شاب اسمه معتز وأما الزوجة الثانية فله من الأبناء أربع بنات وهم نداء وأناس وصفاء ونسرين وولدين هم نادر وكريم,حيث عاش في كنف عائلة مناضلة مكافحة محافظة على تقاليد المجتمع الفلسطيني وملتزمة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف,حيث عمل والدة موظف في الوكالة وفي مجال التجارة,وتلقى تعليمه الدراسي في المرحلة الأساسية في المدرسة الهاشمية الحكومية وبالإعدادية درس في مدرسة وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين بالشجاعية وتعرف حالياً بمدرسة حطين ولظروف قاهرة ترك المناضل عز الدين مقعده الدراسي بعد العدواني الثلاثي وخروج مصر من قطاع غزة,وتعلم مهنه(صيانة التمديدات الكهربائية)عند شخص قريب من منزلهم في المنطقة وبعد فترة من العمل اصطحبه صاحبة الورشة للعمل معه في السلك الحكومي في قلب السرايا حيث تم توظيفه بشكل رسمي في عام1959م.
ظهرت قصة المناضل /أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني في فترة الستينات حيث تم تجنديد المناضل عز الدين إجباري مثل باقي الشباب الفلسطينيين في قطاع غزة مع جيش التحرير 1967م وقد التحق في كتيبة رقم 19 كتيبة أركان يحيي مرتجي وتم توزيع ملابس التجنيد عليه وتدريبه على السلاح ميم دال مدفعية وعلى السلاح الخفيف مثل الكارلو والكلاشنكوف.
كان يقوم المناضل الثائر الفدائي عز الدين عويضة بإيواء الفدائيين المطلوبين لقوات الاحتلال الإسرائيلي في منزل عمه خليل عويضة دون علمه وهو رجل التربية والتعليم الذي أسس وبنى التعليم التابع لوكالة الغوث للاجئين في قطاع غزة وكان أول مدير للتعليم في وكالة الغوث خلال الخمسينات وأشرف على جهاز التربية والتعليم في منظمة التحرير الفلسطينية في دولة الكويت من1964 إلى 1991م وكان يلتقي في منزل عمه بشكل مستمر الدكتور المرحوم حيدر عبد الشافي ويجلس مع قيادة الجبهة الوطنية وخاصة مع المناضل عمر عوض الله.
كان المناضل عز الدين من المناضلين المقربين وعلى ثقة كبيرة بالدكتور المرحوم/ حيدر عبد الشافي ويعتبر هو حلقة الوصل في تنفيذ المهمات الوطنية التي توكل إليه في الجبهة الوطنية, ويعتبر عز الدين عويضة عضواً من أعضاء الجبهة الوطنية المهمين فقد تولى شؤون المالية وعملية الاتصال والتواصل والتعبئة واستقطاب الشباب للتدريب لمواجهة قوات الاحتلال.
عمل المناضل الثائر عز الدين عويضة على شراء أسلحة للفدائية "الجبهة الوطنية" فكان يشتري السلاح عن طريق المختار حسين الخضري والذي كان له علاقة مع تجار السلاح وبمعرفته كان يحضر السلاح والقنابل منهم ويستلم ثمنها...
جرى اصطحاب سرية للتدريب الشعبي في مصر قبل العدوان 1956م وكان عز الدين من بين الفدائيين الدين تدربوا على التدريب الشعبي على أيدي ضباط مصريين.
بعد فترة من العمل في صفوف جيش التحرير الفلسطيني جري استدعاء المناضل الثائر عز الدين عويضة من الكتيبة للعمل في صيانة التمديدات الكهربائية في المخابرات العامة.
قام العدو الإسرائيلي بضرب مدفعية على مقر المخابرات العامة وعلى أثرها استشهد ضابط من الجيش المصري برتبة رائد أسمه سامي واستشهد شابان واحد من عائلة السوسي والأخر اسمه يوسف العجرومي من سكان الشجاعية.
عاد المناضل الثائر عز الدين عويضة للعمل في (صيانة التمديدات الكهربائية) بمقر المخابرات العامة بطريق الصدفة من خلال صديقه عوني الشريف الذي التقى فيه بمحض الصدفة أثناء توجهه لإحضار تصريح للسفر إلى عمان وأصر عليه على البقاء وعدم السفر وأخذه إلى مسئول الأشغال العامة اليهودي يسوكي وطلب من عز الدين العمل في صيانة التمديدات الكهربائية في السرايا.
خرجت الجبهة الوطنية وآلاف من الجماهير في مظاهرة لتشييع جنازة رمزية للقائد والزعيم المصري جمال عبد الناصر وثم الوشاية على احدى المناضلين الذين يعملوا في الجبهة الوطنية والمشاركين في مظاهرة وتحت التعذيب اعترف بوجود شخص أعطى له المناشير وقامت قوات الاحتلال على الفور باعتقاله وقد اعترف هذا المناضل تحت التعذيب بوجود وكر للفدائية في أرض تابعة للدكتور حيدر عبد الشافي واعترف على المناضل سكرتير الحزب الشيوعي سمير البرقوني,علماً كان اليهود لديهم معلومات تفيد بأن سمير البرقوني وعمر عوض الله متواجدين في موسكو وكانت لهم مفاجأة أنهم متواجدين في القطاع وتم محاصرة مربع الشفاء بالكامل وبناء على وشاية من أحد العملاء بأنه يوجد وكر تحت أسفل المنازل فقد استمر التفتيش من الساعة السادسة حتى الحادية عشر دون العثور عليه وقد احضروا إلى المكان الجرا فات وقاموا بهدم المنزل وكشفوا الوكر الذي كان يحتمي فيه الفدائيين عمر عبد الله وعلى ياغي وكان يقع الوكر مكان الهلال الأحمر حالياً وبعدها جرى مداهمة منزل المناضل الكبير خليل عويضة بعد الساعة الثانية عشر ظهراً حيث القوا القبض على المناضل سمير البرقوني الذي كان يحتمي فيه من مطاردة قوات الاحتلال وعملاءه.
خرج عز الذين عويضة كالعادة لمزاولة عملة في صيانة الكهرباء مع سائق السيارة التابعة للإشغال ولكن هذه المرة خرج في مهمة فدائية لتوصيل قنابل يدوية ومسدس إلى قوات جيش التحرير وفدائيين الجبهة الوطنية المتواجدين شرق غزة بالقرب من بيارة الشوا دون علم سائق السيارة وعند وصولهم إلى قاطع السكة الحديدية في منطقة الشجاعية كان يوجد حاجز وطلب من السائق السير دون توقف وقال له السائق في شيء قال له عز الدين بعدين بشرح لك.
تعرض للاعتقال في عام 1971م من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وتم زجه في سجن السرايا بعد اعتقال زملاءه في الجبهة الوطنية أثناء تواجده في سيارة الأشغال العامة عند مفترق الشجاعية الطريق العام وهو في طريقه إلى منزل عمه المناضل خليل عويضة وقد حكم علية بالسجن الفعلي لمدة عام وقد وقف المحامي فايز أبو رحمه يترافع عنه وقد تم تسوية الأمر مع المحامي وقيادة الجبهة الوطنية خارج السجن على الزج بالرفيق عطية عنبر من اجل حمل القضية والأفراج عن عز الدين عويضة للضرورة الأمنية وتم الحكم على الرفيق عطية عنبر بالسجن ثلاث سنوات....
كان منزله في منطقة الشجاعية في إبان الانتفاضة الأولى 1987م بمثابة غرفة عمليات للمناضلين الذين يعرفهم جيداً ولا يقتصر دوره النضالي عند هذا الحد من العطاء الثوري بل كان يقوم بتأمين الطريق للمناضلين من اجل القيام بمهامهم الفدائية وبتوصيل المناشير والكتابة على جدران الحائط....
المجد كل المجد لشهدائنا الأبرار
شهداء الثورة الفلسطينية والعربية وجيش التحرير الفلسطيني
تحية إعزاز وتقدير لأبطال جيش التحرير من هم شهداء في أعلى عليين ومن هم على قيد الحياة, لابد من لمسة وفاء لهم وتكريمهم بما يليق بهم هؤلاء الرجال الشرفاء المخلصين لله والدين والوطن
تابعونا في حلقة قادمة مع سطور في حياة الفدائي..
بقلم الكاتب// سامي إبراهيم فودة