“شدي اللحاف يا صفية ما فيش فايدة“

بقلم: عدنان الصباح

" مقسوم لا تأكل وصحيح لا تقسم ثم كل حتى الشبع " هذا المثل هو شعار المحتلين في التعامل معنا ومع قضيتنا ما دمنا قد تنازلنا وحدنا عن حقنا في الاصل, فالاحتلال ادرك بالتأكيد هذا الاستعداد لدينا منذ البداية حين غادرنا بلادنا مهزومين وكل العرب معنا ولم نسعى حتى لحماية ما تبقى من بلاد بل قبلنا طواعية ودون اكراه على ان نفقد هويتنا الوطنية ووحدة بلادنا, وقد كان بالإمكان لذلك ان يكون بوابة للخير وليس العكس باندماجنا بالأمة في الاردن ومصر وسوريا لتصبح قضيتنا قضيتهم تلقائيا ما داموا قبلوا بنا بين ظهرانيهم بقايا لوطن ومواطنيه وهو الحال الذي دفع بمصر والاردن وسوريا ومعهم عديد الدول العربية لخوض حرب الهزيمة الأشمل في العام 1967م واليوم بعد نصف قرن من جريمتنا معا اصدرنا نحن ايضا صك براءة للعرب منا ومن قضيتنا للحد الذي بتنا فيه اضحوكتهم ووصل الحد بالبعض منهم الى مفاضلة المحتلين علينا, ولم يعد من حقنا ان نتهمهم ما دمنا نحن اصحاب الشعار الذي عدنا لتكراره امس بان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد وكل العرب براء, فلم اذن نغضب ولم اذن نطلب الدعم والاسناد منهم ونحن ارحناهم واسترحنا.

اسرائيل ارادت لحرب 1967م ان تكون تاريخا جديدا للصراع وهو ما تمكنت منه جيدا حتى بتنا نحن وبصوت عالي نطالب بحدود 1967م ونسينا على ما يبدو الوطن الاصيل, في حيفا ويافا لا حكاية يهودية وهم بذلك اقتطعوا من الوطن معظمه دون حتى حكاية سخيفة يروونها لأنفسهم, بينما راحوا بعد هزيمة حزيران 67 يتباكون على تاريخهم في القدس ورام الله والخليل وصار لهم حكاية يروونها مقابل حكايتنا.

اشبه بمن يسرق سكينك حتى لا تقاتله ثم يسرق فلوسك بعد ان تصبح اعزلا فقد كانت حيفا سلاحنا الذي سلمناه مرتين مرة بالهزيمة لكل العرب ومرة بعد ان نسيناها هروبا من هزيمتنا واكتفينا باخر الهزائم لن جاز التعبير, وبالتالي فان اسرائيل اليوم بعد ان ضمنت حقها في حيفا راحت تتحدث عن الموحد في القدس ثم الخليل ثم جبال رام الله واغوار اريحا وباتت تعلن ان الموحد لا يمكن تقسيمه فالقدس واحدة موحدة عاصمة لهم ونحن نتبجح بان القدس الشرقية او الشريف عاصمتنا الابدية دون ان نسال انفسنا لماذا صار للقدس شقين وما هو حقهم في شقها الغربي ومن الذي منحهم هذا الحق والاهم لماذا وافقنا نحن على هذا المنح.

اليوم استعيد صرخة سعد زغلول الشهيرة " شدي اللحاف يا صفية ما فيش فايدة " وأنا اتابع ما يقوله سياسي عربي هنا وهناك, كاتب عربي هنا وهناك, مرتزق يبيع بلاده لصالح الاعداء بوقاحة لم يعرفها التاريخ ويشارك بمؤتمر صهيوني علني على ارضه المحتلة وضد بيته وناسه, أشباه عرب غرر بهم حد التحدث عن عظمة اسرائيل وارهاب الفلسطينيين, كل ذلك كان سيظل عابرا لو اننا في فلسطين ظللنا ممسكين على جمر قضيتنا ولم ننشغل بنا عنها تاركين للأعداء الانشغال بها, في القدس المحتلين يهودون الارض ويقتلعون ناسنا ويقضمون بيوتنا بلغتهم قبل جرافاتهم, والحرم الابراهيمي صار براي البعض العربي من حق الجميع بالمعنى المملوء سوءا للنية, وحائط البراق لم يعد منه الا ذكرى في القرآن, وبتنا نخلط بالأسماء فلا ندري اي اسم لنا, حتى لون الشوارع غيروه وصرنا لا ندري على اي شارع نحن نسير الا من لون الشارع, بعد ان غيبوا لغته في غفلة من غيابنا عنه لانشغالنا بذواتنا محاورين بعض على صفة الواقف على حاجز لا نملكه اصلا, هم يتفقون علينا ونحن نختلف على حالنا فمن اذن يمكنه تحقيق ما يريد بمثل هذه الاجواء, نجمع مليون للاحتفال ولا نجمع خمسة للمقاومة, اليس من حق شهداءنا اليوم ان يستذكروا سعد زغلول ورياح الاختلاف على الذات لم تسكت على ابواب اهرامات مصر سعد زغلول.

اليس على صفيتنا الفلسطينية والعربية ان تشد لحافنا جميعا لا لتدفئنا بل لتدفننا احياء فعلى ارض العرب من يشتم الفلسطيني ويتباهى بالصهيوني معلنا ندمه على مناصرة فلسطين يوما ولو بالكلام غير معترف بأي وجود لفلسطين على مر التاريخ, وعلى ارض العرب من يقتل العرب لصالح غير العرب ومن ينهب العرب لصالح غير العرب, وعلى ارض العرب يتقاتل اعداءنا بدمنا واجسادنا وينهبوننا ونحن نهلل لانتصارات الذات على الذات, اليس على صفيتنا ان تدفننا احياء ونحن نتناقص عددا ونزيد اعداد مواليدهم, ونحن نفرح لجنسياتهم ونتنازل علنا عن لغتنا, ونحن نحتمي بأعدائنا منا, اليس على صفيتنا ان تحرقنا احياء ونحن نختلف على كراسي في الهواء وعلى ادارة حواجز الاعداء وعلى مناصب لا تساوي اسمها وعلى حقوق دعاة تحرير الوطن قبل الوطن, اليس على صفيتنا العربية الفلسطينية ان تندب حظها لأننا نحن اهلها.

باختصار فان المطلوب ليست المصالحة بل استعادة مشروعنا الوطني والكفاحي في مواجهة الاحتلال ووجوده على ارضنا فهذا هو السبيل الوحيد الممكن لصياغة العلاقات الوطنية على ارض الكفاح وبعيدا عن صناعة الاوهام عن تقاسم للوطن المنهوب اصلا والذي نساهم نحن بانشغالنا بأوهامنا عنه بتكريس ضياعه بإرادتنا فمن العيب ان نقول اننا لم ننتبه لذلك او اننا اخطأنا فالأخطاء التي لا يمكن اصلاحها تصبح جرائم لا عودة عنها ولا يستحق مرتكبيها الا ما يستحقه من ارتكب نفس النوع من الجرائم واعتقد اننا جميعا نفعل ذلك اما بالمشاركة او التأييد او حتى الصمت عن الجريمة.

بقلم/ عدنان الصباح