اولاً لا يسعني إلا أن ابدأ مقالتي هذه بتقديم أحــر التعازي للشعب المصري ، بضحاياه من الأبرياء والأمنين، الذين إستشهدوا نتيجة العملية الإرهابية الجبانة والغادرة التي طالتهم وهم يصلون في مسجد الروضة في مدينة بئر العبد في محافظة شمال سيناء، وذلك أول أمس الجمعة 24 نوفمبر 2017 سائلين المولى عز وجل أن يرحم الشهداء ويغفر لهم ويلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.
من هنا، وبعد النظر إلى بشاعة هذه العملية التي أجد فيها عربدة للموت الذي استباح حياة ما يقارب من 305 شهيد بدون رحمة ولا وازع ضمير ولا احترام لأهم القيم الإنساني، من بينهم 27 طفلاً ، هذا إلى جانب عدد من المصابين وصل إلى 128 مصاباً جلهم إصاباتهم غير بسيطة.
لذلك لو تأملنا هذا الحدث الدموي وشراسته وبشاعته ، سنجد أنه حمل رسالة عنيفة وقذرة للغاية مفادها بأن هؤلاء الإرهابيين لا زالوا يتمتعون بالقوة وحرية الحركة في سيناء ولربما في غيرها، وهم ماضيين حسب التعليمات التي تستهدف أمن مصر وتتعارض مع أجنداتهم ومصالحهم الإرهابية، للعمل على زعزعة استقرارها بشكل دائم في سياق تقاطع المصالح والأهداف الخبيثة.
لذلك كان لابد من ملاحظة أنه كلما فتح معبر رفح البري ما بين مصر وقطاع غزة كانت هناك عملية إرهابية جبانة وغير مسبوقة، وتكون في غالب الأحيان أكثر شراسة مما سبقها من قبل من مثل هذه العمليات الإرهابية القذرة في نفس المنطقة ، وكأنها تهدف إلى عدم السماح لمصر بأن تعود للعب دورها الإقليمي أو إستعادة زعماتها للوطن العربي من جديد خاصة إن نجحت في ترسيخ المصالحة الفلسطينية بالفعل كملف بات يُعد هو الأكثر تعقيداً في المنطقة.
فبغض النظر عن بشاعة هذه العملية وما حملته من رسالة دموية عربدت من خلالها على كل المفاهيم الإنسانية إلا أن هناك شئ محير ويحتاج إلى تفسير حيث أن هذه العمليات تزداد ضراوةً وشراسةً كلما سنحت الفرصة لفك الحصار عن قطاع غزة، ولاح الأمل بإمكانية إرساء مصالحة فلسطينية تهدف إلى توحيد شطري الوطن سياسياً وأمنياً واقتصاديا وتعليمياً وقضائياً وفي غيرها من المجالات الشتى الأخرى التي تمثل ركيزة وطن أساسية، بكل معنى الكلمة، هذا مع تجاهل الحالة القائمة أو المنشودة في سياق إن كان محتلاً أو ينعم بالحرية، وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى تحريك المنظومة السياسية الفلسطينية الشمولية تحت متطلبات القانون الأساسي الذي ينص على تداول الحكم وذلك من خلال انتخابات ديمقراطية!.
كما أنه لوحظ تصاعد قوة التراشق الإعلامي المتبادل بين طرفي المعادلة الفلسطينية اللذين لم ينتهيا بعد من جلسات حوار بينهما حول ألية تطبيق بنود المصالحة الفلسطينية بعد هذه العملية الإرهابية الجبانة، التي من المفترض أنه تم التوافق عليها من قبل، وذلك في مشهد مخزي ومتواطئ يشير إلى أن هناك وراء الحكاية حكاية أخرى لا زال المخرج يتحكم بمخرجاتها وبأن الكومبارس من كلا الطرفين في هذه الحكاية يقومون بأدوارهم المأجورة بدون النظر إلى ما سيترتب عليها من حالة فقدان للأمل وزيادة النزعات العدوانية والمتطرفة لدى أبناء الشعب الفلسطيني من جهة وإفساح المجال أمام تعزيز مكانة الإرهاب في المنطقة من جهة أخرى.
كما أن هذا يأخذنا إلى التساؤل حول قدرة الجانب المصري في ظل التحديات التي تواجهه سواء من جبهة سيناء أو الجبهة الليبية أو حتى من تحديات الحالة الجديدة القديمة من ناحية السودان أو حتى على مستوى الجبهة الداخلية التي بات يتغول عليها الإرهاب بين الحين والآخر بأوجه متعددة وشديدة القباحة، أن يستطيع أن يفرض مصالحة بين طرفي الانقسام الفلسطيني بالفعل كما يريد أو كما يتمنى أبناء الشعب الفلسطيني؟!، وهل جميع الأطراف المصرية راغبة بذلك وتعمل على إرسائها بالفعل؟! ، أم أن هناك صراعات داخلية بين أجنحة تتحكم بالأجهزة السيادية المصرية تنعكس بتأثيراتها السلبية على قرارات هذين الطرفين اللذان يعتقدان بأن كل واحد منهما مدعوم من جهة مصرية سيادية تحاول أن تفرض نفوذها وسلطتها وقوة قرارها ، مما يجعل هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك قادر على المناورة والتكتيك والتعنت في تنفيذ المطلوب من بنود هذه المصالحة، وبالتالي تنشغل الأطراف جميعها بالحيثيات الصغيرة وإهدار الطاقات بدون تحقيق أي نتائج ملموسة ، وهذا بالتأكيد يعطي مساحة كبيرة للإرهابيين للعبث بأرواح الأبرياء كيفما يشاؤوا ويعطلون على الطرفين تصالحهما وقتما يشاؤون أيضاً، وذلك ومن خلال اعتداءات إرهابية مجنونة وجبانة وموجعة ومركزة بين الحين والآخر، فتخلق هناك عربدة موت رهيبة تعطل كل مجريات المصالحة الفلسطينية، وما يمكن أن يترتب عليها من حالة استقرار في المنطقة .
فبدلاً من ذلك تعود هذه الأطراف من جديد لنقطة الصفر وكأن هناك من يغذي ذلك كهدف رئيس ، لتحقق بذلك من ناحية أخرى هدف يسعى إليه الإرهابيين في تلك المنطقة وهم الذين باتوا يبحثون عن موطئ قدم لهم بعد الهزائم الساحقة التي تلقوها في كل من سوريا والعراق.
أخيراً إلى متى ستبقى هذه الأطراف هكذا تدور في حلقة مفرغة من عدم الاستقرار ، تبيع وهماً لشعب متعطش وينتظر ما بين أمل منشود بإرساء مصالحة حقيقية تُفضي لفتح معبر رفح الذي بات يمثل بوابة الأمل الحقيقية وأهم متطلباتها ، لكي تكون من أهم نتائجه خلق حالة استقرار أمني شامل في المنطقة تفضي إلى إيمان بضرورة التعايش بين شعيها بأمن وأمان وسلام، ومن المفترض أن يؤدي إلى حالة من الرخاء والازدهار وهزيمة الإرهاب في أوكاره وتدمير مصادره، وعوضاً من ذلك تبدأ خيبات الأمل مع كل مساحة من الوقت تُترك بدون هدف سوى إفساح المجال ليأتي الموت ويعربد في كل مرة من جديد ليُهدَر كل الجهود التي بذلت من أجلها!.
م . زهير الشاعر