استبشر الشعب الفلسطيني بتفاؤل حول اجتماع الفصائل والقوى في القاهرة لإغلاق ملف الانقسام، بعد أن أدرك أن إقلاع قطار إنهاء الانقسام لانه أساء بصورة أو بأخرى إلى التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، وأن إطالة أمد الصراع لن يكون فيه منتصر ومهزوم، لهذا نقول ان ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل على أسس وطنية، تتجلى فيها الشفافية والصراحة، هو الحل القابل للنمو والحياة من كل مكونات الشعب الفلسطيني، والتفاف الجماهير العربية حوله.
لقد أدرك الشعب الفلسطيني أن حالة الانقسام قد خلقت جرحاً متقيحاً في جسده، وتهيأت اللحظة التاريخية كي يلتئم فيه ذلك الجرح دون أن يترك أثراً فيه.
إن الملفات التي طرحت في القاهرة يمكن تجاوز بعض القضايا العالقة فيها، إذا جرى التغلب على المصلحة التنظيمية وتغليب مصلحة الشعب الفلسطيني، وبذلك يمكن أن نسجل بكل فخر أن الجميع قد انتصر وأعادا ضخ الدم في الشريان الفلسطيني .
ومن هنا نقول للجميع ان القضية الفلسطينية تمر اليوم، بمنعطف خطير، لعلّه من أخطر المنعطفات التي مرت بها هذه القضية حتى الآن، ومما يدعو إلى تأييد هذا الاعتقاد هو تعقّد الوضع العربي، بل تدهوره، إثر الحروب العدوانية التي شنّت ضد سورية والعراق واليمن وليبيا، وكذلك بسبب التصميم الأمريكي لتنفيذ مخطط موضوع مسبقاً بصدد هذه القضية، حيث حالت ظروف عديدة دون تنفيذه، وأيضاً بسبب ضغط وتخطيط اللوبي اليهودي الصهيوني في أمريكا، كثيرة العوامل التي شجعت أمريكا على وضع مبادرتها الجديدة قيد الطرح العلني، أو على الأقل إزاحة الستار عن سريتها، ومنها أن الوضع في بلدان الخليج العربي، وعلى الأخص السعودية، قد بدأ ينضج لصالح إعادة النظر في العلاقة مع كيان الاحتلال، بهدف كسبها إلى جانبها في حربها المفتعلة والمصطنعة ضد إيران. وقد كثرت خلال العام الجاري المبادرات السعودية تجاه كيان الاحتلال، واتخذت طابع زيارات متبادلة لشخصيات من السعودية وكيان الاحتلال في بادئ الأمر، وتصاعدت تدريجياً ووصلت إلى درجة اتفاقات أولية ذات طابع استراتيجي وإعلانات متبادلة عن أن حالة الحرب بين (البلدين) لم تعد موجودة، لا بل لم تكن موجودة أصلاً.
المشروع المهيأ لكل القضية الفلسطينية يرتكزعلى شُطب حق العودة، وسوف يستعاض عنه بدفع بضعة ملايين من الدولارات للاجئين الفلسطينيين، الذين سيرغمون على التوطين ،وسيُطرَد الفلسطينيون الذين يرفضون التخلي عن هويتهم القومية إلى خارج البلاد، اضافة التي التخلي عن القدس ومساحات واسعة من اراضي الضفة والاغوار.
أن الشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات لن يتخلى عن وطنه وارضه وحقوقه لقاء مال الدنيا بأسرها، وهو سيرفض تحويل ما تبقى من فلسطين إلى دولة يهودية عنصرية.
من الطبيعي أن تمارس الإدارة الأمريكية الضغوط تلو الضغوط على القيادة الفلسطينية، من أجل قبول هذه الصفقة التي سمّيت (صفقة القرن)، والتي تباع بموجبها أوطان.. وتشترى أوطان، وسيكون للبعض من الانظمة العربية دور هام في محاولة إنجاح هذه الصفقة،التي تعول عليها الولايات المتحدة الكثير من أجل تصفية القضية الفلسطينية لصالح كيان الاحتلال التوسعي العدواني، وعلينا الحذر والتيقظ واجب من احتمال أن تستجيب بعض القيادات الفلسطينية للضغوط، أو أن تسقط في أوهام حل سياسي تكون نتيجته الضياع الأكبر لفلسطين، والتمدد الإمبريالي الصهيوني في المنطقة العربية.
لذلك نرى ضرورة ان تتحد كل الجهود ولتتلاحم جميع الايدي لمواجهة المرحلة المقبلة، وما يترتب على هذا من مسؤوليات جسام كثيرة واعباء ثقيلة وخطيرة وكفاح مكثف بخطوات واثقة وايقاعات مؤمنة ثابتة وبعزيمة لا تكل وارادة لا تلين.
وفي ظل هذه الاوضاع الخطيرة لا يمكن ان تمر مؤامرة فرض شروط الاستسلام على شعبنا وعلى امتنا العربية تلك الشروط الصهيونية الامبريالية الاميركية التي يريدونها وصمة عار وذل لاجيالنا المقبلة تحت اعقاب الغزاة الحديدة، ونير وسيطرة خططهم واطماعهم التوسعية الامبريالية الصهيونية الهمجية.
ختاما : لا بد من القول ان الشعب الفلسطيني سيبقى اقوى من كل مخططاتهم واصلب من كل دسائسهم، فهو شامخ كالجبال، وفيا للمسيرة النضالية التي قدمها من اجلها التضحيات ، ولا بد من متابعة المسيرة النضالية من خلال تعزيز الوحدة الوطنية والتمسك بخيار المقاومة ضد الاحتلال، وتحشيد أوسع جبهة تضامن شعبي عربي وعالمي مع كفاح الشعب الفلسطيني حتى تحقيق اهداف شعبنا في العودة والحرية والاستقلال .
بقلم/ عباس الجمعة