لا نجيد تقاسم الأدوار ...حتى وقعنا بالدوار !

بقلم: وفيق زنداح

عالم السياسة ....عالم كبير .... يؤثر ويتأثر بكافة مداخله ومخرجاته ....وبمجمل تفاصيله ومقومات قوته .... التي يمتلكها البعض ....والتي يفتقدها البعض الأخر .
المواقف السياسية ....وصياغتها ...وآلية اتخاذها ....ليست ثابتة ... جامدة ....ولا تتغير ....بل يحدث عليها متغيرات عديدة ...وفق حسابات دقيقة يمتلكها صناع القرار السياسي .....بعالم السياسة ....وعلى قاعدة عالم المصالح والحسابات الدقيقة ....والرؤية الشمولية ....وعدم إمكانية العاملين بالسياسة أن ينظروا بين أرجلهم ....دون رؤية من حولهم ...وما يتداخلهم ...ومن خلال منظور شمولي تحليلي ....لمجريات خارطة الواقع والإقليم ....والساحة الدولية ....رؤية قائمة على الحسابات والأرقام ....الإحصائيات والأبعاد .
عالم السياسة ....ليس عالما عاطفيا ...رومانسيا ....قائما على الحب والكراهية ....لكنه قائما على حسابات دقيقة ....لمواقف تكتيكية ...وقد تكون إستراتيجية ....وما يحدد تكتيكها أو إستراتيجيتها حصاد الحساب ....وما نتج عنه ....والمستند بمجموعه .... لعوامل ظاهرة وخفية ....معلن عن البعض منها ...وغير معلن عن البعض الأخر .
بعالم السياسة ....هناك الثابت ....والمتغير ....الثابت بحكم دوافع ومصالح إستراتيجية ....والمتغير بحكم مصالح آنية تكتيكية .
الثابت يمكن له أن يتغير ....كما المتغير يمكن أن يكون ثابتا واستراتيجيا ....بحكم متغيرات وتقلبات غير متوقعة .....وفق الحسابات السياسية للبعض .
الواقع يلعب دورا هاما بارزا ومؤثرا ....في تحديد المواقف السياسية ....والتي تحتكم للمصالح ...ومدي طبيعة وملامح الخارطة السياسية الداخلية ....الاقليمية ...والدولية .
أي أن عالم السياسة ....عالم متغير ...ومتقلب ....ولا يعتمد على قراءة واحدة وثابتة ...أو حساب واحد ....أو حتى على شعار واحد ....على اعتبار أن العالم الذي نعيش فيه ...عالم متداخل بمصالحه وحساباته ....والي الدرجة التي لا يمكن تصورها ....أو حسابها بدقة ....بكافة تفاصيلها وأبعادها .
اذا أين نحن من الحسابات السياسية ؟!.....وأين نحن من تقاسم الأدوار ؟! .
نحن لسنا واحد .....ولم نكن مجموعة واحدة ....ولم نتحدث بلسان واحد ...ولا ننطلق بفكر واحد ....كما ليس أهدافنا واحدة ...كما ليس تكتيتاتنا واحدة .....وبالتالي ليس إستراتيجيتنا واحدة ....هذه حقيقة لا غبار عليها ...ولا نستطيع التنصل منها ....أو نفيها .
هل نجتمع على القليل مما لدي كل منا .... حتى ننطلق بحسابات سياسية واحدة ؟! .
بأقل القليل واقعيا ..... وبأكثر مما بالعلن ....سنكتشف مسألة بغاية الخطورة ..... حيث نجد ونلمس خداع النفس ...كما خداع الرأي العام ....ظنا منا ....أو وهما يلازمنا ....أننا قادرين على الاقناع.... لكننا لا نعرف الحقيقة الكاملة ....أننا غير مؤثرين ....بل غير قادرين ....باعتبار أننا غير مؤهلين ...لا بالتوجهات ....ولا بالأفكار ...ولا حتى بالرؤية الإستراتيجية .....فكيف لنا أن نكون أصحاب رسالة واحدة؟!! .....هل لأننا نعيش على أرض واحدة ....فهناك ثلاث أضعافنا يعيشون خارج الوطن ....فكيف يمكن أن نشكل جميعا رسالة واحدة ؟! .
أي أن عوامل الاختلاف بيننا ....أكثر بكثير مما نتوافق عليه .....على عكس ما نعلن ....ونقول ...ونصرح .... بأن ما يجمعنا ....أكثر مما يفرقنا ....لا ان الحقيقة..... التي نلمسها أن ما يفرقنا ...أكثر مما يجمعنا ...وللأسف الشديد ....وهنا أتحدث تحديدا عن الفصائل والقوي السياسية ....ولا أتحدث عن الشعب الفلسطيني ..... ليس فرقة وتفريقا بينهم ....ولكن توضيحا وتحديدا لفكرة أؤد إيصالها .
الفصائل متباعدة ....متنافرة ....حساباتها مختلفة ...هذا اذا كان لديها حساب ....ومصالح كل منها خارج المصالح ....والحسابات السياسية ....التي تخدم القضية الوطنية ....لهذا فشلنا ....بل ونمعن بالفشل .....ونصر عليه ....وأمام الشاشات ...وعبر التصريحات والمؤتمرات نحاول أن نظهر الابتسامات ....وتشابك الأيادي ...وأن نرسل برسالة وحدوية ..... لا علاقة لها بالواقع ...لا علاقة لها بفكرنا السياسي ...كما ليس لها علاقة بقلوبنا وأحاسيسنا ومشاعرنا ...محاولة خداع وتضليل أننا بأحسن حال ...... لكن الواقع والحقيقة على غير ذلك .....للأسف الشديد .
الملايين من جماهير الوطن ....مشاعرهم واحدة.... وتطلعاتهم واحدة .....وأهدافهم واحدة ....وثوابتهم واحدة .... ومعاناتهم واحدة .....لكن ليس هناك من يجمعهم ...كما ليس هناك من يستثمر طاقاتهم ....لكن هناك من يحبطهم ....ويدخل اليأس بقلوبهم ...ويزيد من معاناتهم ....هذه هي الحقيقة ....الجماهير لها حساباتها السياسية ....دون جلسة معلنه ....وبعيدا عن شاشات التلفزة ....يجلس كل منهم بغرفته ....أو على طاولة طعامه بما قسمه الله له ....يتناقشون بطبيعتهم ...وبمشاعرهم.... وبما يتمنون ....ويأملون .....ويحسبون ما بين أيديهم ....ولا يعتمدون على ما سوف يصل اليهم ....من هذه العاصمة أو تلك ....لأنهم يدركون أن ما يصل ...لا يصل الي أيديهم ....ولكن يصل الي جيوب غيرهم ....والي أكياس غيرهم .
الشعب يتقدم على فصائله ....التي تتراجع باستمرار ....التي لا تستطيع تقديره بحساباتها السياسية والتنظيمية ....حتى وصلت الى محطة عدم التأثير ....بفعل حالها وما تمتلك أياديها .....من قوة ....ومن وسائل اعلام ...لكنها قوة ليس لها أساس ....وليس لها مقومات ثابتة ...كما ليس لها منطلقات يمكن الاعتماد عليها والاستناد لها .
الشعب يتقدم على فصائله ....التي لا زالت بحساباتها القديمة ...وبتاريخها ...وبأرقامها التي مر عليها سنوات وعقود .....والتي تتغني بأمجادها ....ولا زالت ترفع شعاراتها ....التي لم يثبت بحكم الواقع قدرتها على تحقيق أي شعار ....في ظل غياب المراجعات النقدية ....والتقييمات العلمية ...واستخلاص العبر والنتائج التي يمكن الاستناد إليها ....لإحداث التغييرات ...وامتلاك الشجاعة ..والقدرة للوصول بالقرار المناسب والملائم .
مرحلة ما قبل السلطة الوطنية .....كانت المتابعة والحسابات السياسية ....ليست بوارد الشعب الفلسطيني ....على اعتبار أن القوي والفصائل تمارس كفاحها الوطني من خارج الوطن ....ومن خلال مجموعات الداخل ....وما كان معلنا ومعروفا ....قيادة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ......والتي تتحرك دبلوماسيا ..... اقليميا ودوليا ....وتؤثر بما تمتلك من أدوات ومقومات قوة سياسية ....بحكم علاقات إستراتيجية ....مع البعض ....وتكتيكية مع البعض الأخر .
كنا نؤكد نجاحا ملموسا .....في ظل حالة كفاحية نضالية ....رغم أننا كنا نشعر بالقصور ....وعدم المتابعة الدائمة .
في ظل السلطة الوطنية ....وبداية حكم أنفسنا ....ظهرت عيوبنا ...بأكثر مما كنا عليه ....فهل الحكم يظهر العيوب ؟! .
منذ بداية تأسيس السلطة الوطنية ....كان يتواجد على الأرض الفلسطينية كافة فصائل منظمة التحرير ....كما كان ارتباطاتها بقياداتها بالخارج ..... قيادات ودول ..... كما كان فصائل العمل الاسلامي ....حماس والجهاد ....والتي لها ارتباطاتها بقياداتها ....ودول الخارج ......وهذا ليس سرا ...بل واضحا ومعروفا ولحتي الان .
لكن الفارق الكبير .....ما بين الماضي القريب ....والواقع الحالي.... يؤكد على أن مصلحتنا الوطنية ......تتطلب قطع كافة العلاقات مع الخارج ....وأن تبقي في اطار التنظيم ....والمصالح الوطنية العليا ....وأن لا نجامل أحد .....على حساب قضيتنا ....وحقوقنا.... وعلاقاتنا بالاشقاء العرب ..... علينا أن نحرص على عدم إفساد العلاقات مع الأشقاء ....لمصالح وهمية لا أساس لها .....وقد أثبتها التاريخ والواقع .
فصائل المنظمة ....وقوي الإسلام السياسي .... قوتين يباعد بينهما الفكر ...كما السياسة ...كما الايدولوجيا ....والبرامج ...وحتى الوسائل المعتمدة للنضال والتحرر .
تعارض ....وتناقض .....زاد من ضعفنا ....ولم يزد قوتنا .....وحتى الان نزداد بضعفنا وليس هناك من عوامل قوة .....يمكن أن نتحدث عنها في ظل علاقات لا زالت تراوح مكانها ....ولا تمتلك ارادة الخروج عن تقاليدها وعرفها ....ومجمل مواقفها .
الجانب السياسي .....ومدي تطور القضية على الساحة الدولية ...ومؤسساتها ....وما وصلت إليه فلسطين من عضو مراقب بالأمم المتحدة ...ومشاركة بالعديد من المؤسسات الدولية .....وسفارات بما يزيد عن 140 دولة .....وأن يرفع علم فلسطين فوق الأمم المتحدة .....وأن تكون لنا شراكة فاعلة في المؤسسات الدولية .....يزيد من فخرنا ...واعتزازنا ....لكنه بذات الوقت يزيد من آلمنا على حالنا ....وعدم قدرتنا على لملمة أمورنا .....وتنسيق مواقفنا ....وتنظيم حياتنا .....وتعزيز نظامنا السياسي .....وأن يأخذ كل منا دوره .....بما يكفل لنا قوة أكبر .....في ظل تناسق وتناغم .....وليس في ظل تصريحات ....وتشوهات ....وتخوينات ...وكأننا أعداء بعضنا البعض ...وليس أخوة الوطن ....وأصحاب قضية واحدة .
أي أننا لا نجيد تقسيم الأدوار بيننا .....بل نفشل فشلا ذريعا.... في هذه المهمة الإستراتيجية التي نحتاجها الآن .....كما نحتاجها مستقبلا ......عدم القدرة ...وعدم امتلاك قدرة التنسيق والتناغم .....أوصلنا إلي حالة الدوار ( الدوخان ) .....حيث لا زلنا ندور حول أنفسنا ....وما أصابنا من دوار سياسي ......وما نحاول أن نقوم به ...من تغطية عيوبنا ....على حساب إفساد علاقاتنا ...تغطية قصورنا ....على حساب وطن ...وشعب ....لا زال ينظر إلينا .....متأملا ....رغم أنه متألم .
وللحديث بقية بمقالة قادمة بعنوان ( اختاروا ....لا تحتاروا .... حتى لا تنهاروا ) .
الكاتب :وفيق زنداح