ابن رشد ومأساة المفكرين والفلاسفة العرب

بقلم: شاكر فريد حسن

مأساة المثقفين والمفكرين والفلاسفة العرب تتحدد في عدم تقديرهم واهمالهم لدى شعوبهم في شرقنا العربي ، بينما الغرب يحتضنهم ويرحب ويهتم بهم أكثر ، ويعمل على تخليدهم باعادة طباعة ونشر كتبهم ، وابن رشد واحد من هؤلاء المفكرين والفلاسفة الذي اشتهر بكتابه " فصل المقال " وبفلسفته العقلانية التي تدعو الى التوفيق بين العلم والدين ، وهو من القامات في الاستنارة والعقلانية ، اهتم به الغرب لانه أثر على فلاسفة اوروبا أكثر من تأثير ارسطو ، فهو من أسس الفكر الحر ، وفتح أمام علماء ومثقفي اوروبا أبواب ونوافذ البحث والجدل والنقاش المغلقة ، واخرج الأمة من ظلمات التقليد الى نور العقل والتفكير العقلاني الحر المنفتح على الثقافات والحضارات الانسانية ، وفي شرقنا العربي حاكموه وأهملوا فلسفته وأحرقوا كتبه كرمال عيون ابن تيمية ..!

وكلما ظهر في ميادين الفكر والثقافة مفكر عقلاني تنويري جديد يستكمل مسيرة التحرير الفكري ويمشى على خطى وهدي ودرب ابن رشد ، يغتالوه ويحاصروه ويهمشوه ويتركوه كالحصان وحيداً ، وهذا ما حصل مع الشيخ علي عبد الرازق حين اصدر كتابه " الاسلام وأصول الحكم " ، وهو أول دراسة شرعية تؤسس للفكرة العلمانية داخل الوسط الاسلامي . وقد احدث وقتذاك معركة ثقافية وضجة واسعة وعاصفة لم تهدأ في الحياة الفكرية والسياسية المصرية ، تحولت الى قضية تتعلق بحرية الفكر والتعبير ، ووقف الى جانبه في حينه عدد من الكتاب والمثقفين دفاعاً عن الحرية والفكر ، منهم سلامة موسى وعباس محمود العقاد ومحمد حسنين هيكل .

فضلاً عن المفكر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد الذي تم تكفيره وحوكم وفرقوا بينه وبين زرجته المحاضرة الاستاذة ابتهال يونس ، وكان قد هوجم بشدة عندما اصدر كتابه " نقد الخطاب الديني " ، وتركز هذا الهجوم في جزء كبير منه على ما جاء في هذا الكتاب واثبت صحة الطروحات والاجتهادات والنتائج التي قدمها من خلال تحليل الخطاب الديني في مستوياته واتجاهاته المختلفة .

لقد قال ابن رشد : " التجارة بالاديان هي التجارة الرابحة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل ... واذا اردت أن تتحكم في جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني " .

وهذا قول صحيح يثبته الواقع الذي نعيش بين جنباته ، فثمة دين سياسي وتجارة رابحة ورائجة بالاديان وتكفير للفلاسفة والعلماء والمفكرين النقديين والعقلانيين التنويريين والعلمانيين ، وسط مظاهر الجهل والأمية والتخلف المجتمعي .

ابن رشد من القامات والهامات الفكرية والفلسفية الذي يجب اعادة الاعتبار له ، بتذويت أفكاره ومعتقداته وخطابه الفكري النقدي ، واحياء ذكراه وطباعة كتبه التي أثرى فيها خزانة الفكر العربي الحر والمستنير .

بقلم : شاكر فريد حسن

( كاتب وناقد فلسطيني )