منذ أكثر من خمسه وعشرون عاماً وعيون العرب تتجه نحو رؤساء أمريكا المتعاقبين على أمل صنع السلام في المنطقة، وكالعادة لم يخفى العرب اهتمامهم البالغ بالإدارة الأمريكية الجديدة بإدارة ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية وما يحمله من رؤيه سياسية حول مشاكل الشرق الأوسط، وكلما يأتي رئيس أمريكي جديد يظهر وكأن مفتاح الحل بيده، هذا ما ظهر خلال استقبال ترامب للزعماء العرب وطرح رؤيته للسلام من خلال صفقة سياسية شاملة، ونجحت الإدارة الأمريكية بالتسويق الاعلامي وتضخيم رؤيه ترامب بالتلاعب بالألفاظ والمصطلحات ووصف ما بجعبته بـ "صفقة القرن" دون أن تتحدث عن تصور أو فحوى الصفقة لا من قريب ولا بعيد، وكالعادة العرب يرحبون بالصفقة دون معرفة التفاصيل، وكأنك تشعر بأن العرب في السياسة قف مكانك، لا ابداع ولا انتاج ملموس منذ سنوات في عالم السياسية، وحديثهم يختزل في المبادرة العربية للسلام، ويبدو أن العرب لم يقرأون كثيرا ما بين السطور في خطاب التنصيب والتعينات لمستشاري ترامب وفريقه اليهودي للسلام، والتصريحات الأمريكية المتتالية التي عبرت خلالها عن الدعم الامريكي اللا محدود لإسرائيل والحفاظ على أمنها ووجودها في الحياة.
وباعتقادي أن مصطلح "صفقة القرن" ليس بجديد، وتردد سابقا في العام 2006 في عهد أولمرت، وهو طرح اسرائيلي بحت، أي بمعنى أن اسرائيل هي من تغذي الادارة الامريكية برؤيتها للسلام في الشرق الأوسط، فالأفكار المطروحة هي أفكار اسرائيلية الهدف منها الدوران في الحلقة المفرغة والسعي الى التطبيع الشامل مع الدول العربية وتأجيل النظر في القضايا الرئيسية والقبول بدولة فلسطين ذات سيادة وظيفية مع تقسيم السيادة السياسية والامنية وتبادل الأراضي وتوطين الفلسطينيين في مناطق محدده، واسرائيل تريد افراغ مبادرة السلام العربية من محتواها وخلط الاوراق واللعب على وتر الطائفية لرسم معالم الشرق الاوسط الجديد برؤيه اسرائيلية بعد فقدان العرب لوحدتهم وقوتهم في فرض الرؤية العربية للسلام في المنطقة، وبالطبع اسرائيل نجحت في استهبال العرب وبدعم امريكي لتمرير مشروعها الصهيوني تدريجيا عبر مشروعها السياسي القادم في الشرق الاوسط الذي يسوق له من خلال صفقة القرن الغابر التي تخدم اسرائيل بالدرجة الأولي على حساب القرارات الشرعية الدولية لحقوق الشعب الفلسطيني وضربها بعرض الحائط العربي.
لقد أوجعتم رؤوسنا بصفقة القرن التي باتت خيوط بنودها واضحة وضوح الشمس التي تهدف بالدرجة الأولي القضاء على مشروع السلام الدولي للقضية الفلسطينية، فالصفقة السياسية القادمة أخطر مما يسوق لها وستكون بمثابة ممر اجباري للعرب لحفظ الامن والسلام العالميين، وهي صفقة اغراءات أمنية ومالية أكثر منها سياسية، فالمتغيرات في الإقليم أضعفت العرب وجعلتهم في مهب الرياح الاسرائيلية الامريكية، وبالتالي ليس امامهم سوى القبول بالصفقة المطروحة مجبرين راكعين، وسيرمي العرب المشروع برمته في حضن الفلسطينيين بأنهم أصحاب القرار والحل للتهرب من مسئولياتهم الوطنية والاخلاقية، وسيترك الفلسطينيين لوحدهم في مواجهة اسرائيل وامريكيا، فالعرب أوجعوا رؤوسنا بأزماتهم الساخنة واسرائيل تريد ان توجع رؤوسنا اكثر بحلول سياسية على طريقتها الخاصة مع المحور العربي القادم للمنطقة بالقرن الغابر، وأي شخص يريد معرفة هذا القرن الغابر يجب أن يكون من صنع اسرائيل الوكيل الحصري لحكومة العالم التي تديها امريكيا.
بقلم / د. رمزي النجار