بين مهزلة الانقسام وجريمة التقسيم

بقلم: عدنان الصباح

في صحيفة معاريف كتب ران ادليست عن تصدير السلاح الاسرائيلي الى ميانمار وتسليح الجيش هناك الذي وصفه بانه يقوم بتطهير عرقي ضد الروهينجا وختم ادليست مخاطبا دولته التي تحتفل بسبعة عقود على وجودها " يا للعار " احتجاجا على فعلتها تلك بتسليح جيش يقوم بعملية تطهير عرقي للمسلمين بعد ان تحدث عن نفس الفعلة ضد المسلمين البوسنيين واليوم وانا اقرا ما كتبه ادليست ينتابني الخيال الذي نتقنه نحن الفلسطينيين لو انني اليوم احتفل بالاستقلال الفعلي لدولة فلسطين بديلا ليوم التضامن العالمي وكنت اكتب محتجا على دولتي لأنها تسلح نظاما ما في مكان ما يقوم بتطهير عرقي ضد اليهود, كم كنت اليوم سأكون فخورا بالحاج امين الحسيني ومن معه لو انهم اقاموا لنا وطن حر ومستقل نحتفل على اسوار حريته ونباهي العالم بدولتنا بدل ان نباهيها بانقسامنا وخيبتنا

قرن على وعد بلفور وسبعة عقود على قرار التقسيم والوعد صار حقيقة يعتز بها من اصدره ومن استخدمه والقرار صار بفضل ذلك قرار لتوحيد بلادنا تحت بساطير المحتلين بصمت ورضى العالم الذي يرى اليوم بعين واضحة مباهاة دولة الاحتلال بما وصلت اليه وكأن بها تقول لكل لأحفاد بلفور " نحن نستحق ما منحنا جدكم فكونوا فخورين " في حين نقدم نحن للعالم محاكاة بائسة لما وصل اليه حالنا انقسامات وصراعات واختلافات في الجسد الفلسطيني وما هو أسوأ في الجسد العربي, قرن على الوعد صار الوعد دولة تضاهي اكثر الدول تقدما, وقرن على التقسيم صار التقسيم توحيدا عند الاعداء وتقسيما لنا بأيدينا دون ادنى خجل, وفي حين كنا نطالب العالم برفع الحصار ووقف العقوبات على غزة بات الامر بقدرة قادر مطالبة غزة للضفة برفع العقوبات عنها فأي مهزلة هذه تلك التي جئنا نباهي العالم بها, ضد تبجح الاعداء وانتصاراتهم.

العنصريين الصهاينة وعلى مدى قرن من وعد الشؤم وسبعة عقود من التقسيم واعلان دولتهم اصبحت اسرائيل اليوم تحتل المرتبة السادسة في تصدير الاسلحة في العالم, المكانة الثانية في العالم بعدد المنشورات العلمية, الفئة الثالثة في الاستشهاد بالمنشورات العلمية لعلماء اسرائيليين, المرتبة الاولى في العالم في علوم الكمبيوتر والهندسة الوراثية وعلوم الجينات, في المرتبة الخامسة في العالم من حيث عدد براءات الاختراع, وتعتبر الصناعات الاسرائيلية واحدة من الصناعات الخمس الاولى في العالم العالية الاتقان, المرتبة 11 في العالم من حيث قوتها العسكرية, المرتبة 7 في اكثر النظم كفاءة في الرعاية الصحية, والقائمة تطول وتطول.

اما نحن فإننا وبعد قرن على وعد الشؤم لا زلنا نطالب بريطانيا بالاعتذار ونطالب العالم بإصدار قرار مع انه سبق له واصدر اطنان القرارات ومنها قرار التقسيم الذي استبدله العالم لنا في ذكراه كي ننسى اصلا هذا اليوم ومدلولاته واعطانا بديلا له يوما احتفاليا اسمه يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني لنضيفه الى قائمة الايام الاحتفالية الطويلة التي نحتفل بها كل عام فنحن ودون شعوب الارض نحيي احتفاليا ذكرى النكبة والنكسة, ولم نعد نفرق بين الاستقلال ووثيقة اعلان الاستقلال, ونحن نحتفل هذه الايام باليوم العالمي للتضامن معنا دون ان نجد وقتا للتضامن مع انفسنا وبدل تحقيق خطوات الى الامام في سبيل المصالحة تتراجع يوميا هذه الخطوات الى الوراء وتتزايد المناكفات والاختلافات ولا زالت غزة بعيدة والضفة ابعد في زمن يتحدث فيه العالم عن صفقة للتصفية ونوغل نحن بأيدينا في مهزلة تصفية الذات لإراحة العالم من تلك المهمة

بكل بساطة حظي الفلسطينيين من الامم المتحدة بتعويض سخي بتحويل يوم 29/11 من يوم للنكبة الى يوم للتضامن وكأنهم ارادوا لنا ان ننسى معنى ومضامين هذا اليوم, في يديعوت احرونوت كتب اساف شنايدر يقول عن الذكرى بهزء واضح " كيف كان يمكننا مع تعديل ملتو قليل للتاريخ ان نتجول مع مفاتيح في اليد ونحيي 70 سنة على مصيبتنا" وهو ما نفعله نحن اليوم وكتب ايتار هابر بنفس الصحيفة يصف حالتنا " أما العرب فواصلوا الخطأ بالأحلام والايمان بانهم سيهزمون دولة اسرائيل ولكنهم هزموا وهذه الهزيمة ايضا ادت الى العجب الكبير الذي يسمى دولة اسرائيل ".

بعد سبعة عقود على قرار التقسيم الذي دسنا عليه بنعالنا واقسمنا ان نلغيه ونستعيد بلادنا وغنينا بأعلى الصوت " لندن مربط خيلنا ", ها نحن اليوم أمام مفارقة عجيبة ففلسطين التي اراد لها العالم التقسيم هي موحدة تحت بساطير الاحتلال, والانقسام الوحيد او التقسيم الوحيد القائم على ارض فلسطين هو انقسامنا نحن ناسا وارض, واختلافنا على اللاشيء اصلا, فأية مهزلة ندخل بها قرن تصفية قضيتنا وباي سلاح يمكننا ان نواجه صلف العالم الاعمى, ترامب يعلن بوقاحة من على ارض العرب وبمال العرب انه مع الاحتلال وأن القدس يهودية, ورئيسة وزراء بريطانيا تحتفل بمئوية وعد وزير خارجية حكومتها حين لم تكن قد ولدت بعد ها هي تحتفل علنا امام العرب وبمالهم وعلى روائح شواء اللحم العربي في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن والقادم ابشع, فأي رأي اذن يحمله العالم عنا, ولأي سبب كان سيستمع العالم لأصواتنا الباهتة ضد الاحتلال والعالية ضد بعضنا, والسؤال الأبشع هو هل سنلغي صفقة التصفية بسلاح المهزلة المسمى انقسامنا بديلا لتقسيمهم؟.

بقلم/ عدنان الصباح