الشائعات ...التسريبات ...وبالونات الاختبار !

بقلم: وفيق زنداح

ليس بجديد كل ما نسمع .... من شائعات ...تسريبات ...وبالونات اختبار ...في ظل حالة عربية ليست بأحسن أحوالها ....وخصوصية فلسطينية ليست مستقرة على حال ....بواقع انقسام أسود ...وما يجري من محاولات مستمرة ...لانهاء الانقسام واتمام المصالحة ..... من خلال تمكين حكومة التوافق ...وعودة الجزء الجنوبي من الوطن الي حضن السلطة الوطنية ..... على طريق انهاء فصل مأساوي لا زالت صفحاته مستمرة .
حالنا السياسي ....وما يتولد عن الانقسام من أزمات وكوارث ...وما يبذل من جهود خيرة وكريمة من الأشقاء المصريين ....بمحاولة انهاء الانقسام ....وتعزيز الوحدة ...وتمكين الحكومة .... لتخفيف كافة الأعباء ...والمشاكل والأزمات .
من عملوا على تغذية الانقسام ...ومن عملوا على تغذية الاستيطان .... ومن عملوا على تعطيل المسار السياسي والتفاوضي ....لا زالوا يخططون ...ويحاولون كتابة السيناريوهات التي تزيدنا ضعفا وتفككا ..... وانقساما .
لأن ما يجري من شائعات سياسية .... وتسريبات صحفية ...وبالونات اختبار حول ما يسمي بصفقة القرن .....وعناوينها المرفوضة ما قبل كل تلك التسريبات .... حول الدولة المؤقتة ...ودولة غزة .... ودولة بلا حدود .... دولة دون عودة اللاجئين ....ودولة بغزة وسيناء ....ودولة باستيطان ومستوطنين ...ودولة عاصمتها أبو ديس .
كل هذا يأتي في اطار مخططات لحرب نفسية ...وشائعات تعمل على غزو فكرنا السياسي ..... وزعزعة جبهتنا الداخلية ....وتعميق الانقسام بداخلنا .... وزيادة تفكيك حالنا ...واضعاف ذاتنا .... ليس هذا فقط ....بل ان ما يجري الحديث عنه حول نقل السفارة الأمريكية ....والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الكيان ..... كلها بمجملها محاولات لزرع بذور الشك وعدم اليقين والايمان ....لامكانية تحقيق مشروعنا الوطني ..... في ظل انحياز أمريكي ....وحالة ضعف عربي .... وواقع تفكك فلسطيني .
ما يجري من شائعات وتسريبات وبالونات اختبار ....يدلل على انهاء كل ما يمكن الحديث عنه ...حول السياسة والمفاوضات .....والحلول..... وحتي حول المبادرات .... فلا مبادرة عربية للسلام في ظل حديث بصحيفة نيويورك تايمز عن مبادرة سعودية تم نفيها من قبل السعودية والسلطة الوطنية .....كما لا يجري الحديث حول قرارات الشرعية الدولية .....ولا حديث حول ما حدث بمؤتمر باريس للسلام ...وما يجري داخل أروقة الأمم المتحدة ....حول عضوية فلسطين الكاملة .....والعضوية بالعديد من المؤسسات الدولية ..... ولا حديث عن فلسطين وما يقارب 140 سفارة على مستوي العالم .... ولا حديث عن مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في قلب العاصمة الامريكية واشنطن .... ولا حديث عن فلسطين العضو الدائم بجامعة الدول العربية ...كما المؤتمر الاسلامي ....كما دول عدم الانحياز ....حتى بمنظمة الوحدة الأفريقية .... وبالعديد من المؤسسات الدولية والاقليمية .
الشعب الفلسطيني وقيادته المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية ....الممثل الشرعي والوحيد ستكون أمام خيارات عديدة في ظل هجمة غير مسبوقة .... من الشائعات والتسريبات ومحاولة تأكل وتقزيم المشروع الوطني الفلسطيني ....ووضعه في اطار كانتونات ....وأجزاء متباعدة ...ودولة بلا حدود ...ودون سيادة ..... دولة مؤقتة .... على الورق ....ودائمة بحكم الواقع ..... والقوة والسيطرة .... ومعادلة السياسة الدولية .... واستمرار الحالة العربية والاسلامية .
ما يجري ....وما يقال ....عبر الاعلام ....وحتى عبر الساسة الأمريكيين ....وحتى ما يقال من قبل أركان حكومة الاحتلال ...... لا يخرج عن اطار الشائعات والتسريبات ....ومحاولة اطلاق بالونات الاختبار .....لقياس ردود الفعل الفلسطيني الرسمي والشعبي .....وحتى قياس الموقف العربي الرسمي والشعبي .
دولة الكيان وتطلعاتها الدائمة .....لبناء علاقات مع الدول العربية ومد جسور اقتصادية وإحداث تطبيع ثقافي ...حتي تخرج دولة الكيان من حدود عزلتها الشرق أوسطية ...الي دولة طبيعية ذات علاقة تبادلية ....وتجارة بينية ....وتعاون بكافة المجالات..... وحتى امكانية الوصول الي تحالفات عسكرية لمواجهة أخطار اقليمية ...وتنظيمات ارهابية .
ان ما يجري من شائعات وتسريبات وبالونات اختبار ..... قد يتعدي ذلك.... لاحتمالية أن يكون هناك مخطط أمريكي .... وبمشاركة فعلية من البعض ...حول ما يجب أن تقوم عليه المنطقة .... وما يجب أن يكون عليه الحل السياسي .... للصراع العربي الاسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية .
المدخل السياسي للحلول التي ترسم .... والتي تقوم بأساسها وأهدافها على حل اقتصادي .... يحاولون من خلاله معالجة المعضلات والأزمات ..... من خلال المال على حساب الارض .....ومن خلال المشاريع على حساب السيادة ....ومن خلال الرفاهية على حساب استمرار تغيير شكل الاحتلال .
توقيت التحرك والمصاحب لنشر الشائعات ...وتسريبها ...... وبالونات الاختبار التي تطلق بسماء المنطقة .... توقيت مدروس ...من حيث المكان والزمان ..... فالفلسطينيون يعيشون ظروف قاهرة وصعبة..... في ظل احتلال جاثم على صدورهم .... واستيطان يلتهم المزيد من أرضهم ..... ومستوطنين يمارسون عربدتهم ....وانقسام أسود لا زال ينخر بعظمهم ولحمهم ..... حتى يبقي السؤال ...عن أي أرض نتفاوض .... وعن أي سيادة نتفاوض ...وعن أي دولة نتفاوض ...وعن أي حدود نتفاوض ؟
ملفات محسومة بالرؤية الإسرائيلية الامريكية ...وغير مقبولة بالرؤية الفلسطينيين.... لاعتبارات الحقوق ...وقرارات الشرعية الدولية ..... ولاعتبارات حق تقرير المصير .....وحقنا باقامة دولة فلسطين على الارض التي تم احتلالها بالخامس من حزيران 67..... وتنفيذا لمجمل القرارات الدولية ...وعملا بأحكام القانون الدولي ...وقرارات الشرعية الدولية التي لا تجيز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة .... والتي تعطي الحق الكامل والمشروع باقامة دولة فلسطين ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس الشرقية ...وحق عودة اللاجئين وفق القرار 194 .
الحقوق الفلسطينية .....ثابته وواضحة ...وتم اقرارها بعشرات القرارات الدولية ....وبالعديد من المؤسسات الدولية والاقليمية .....حقوق ليست بحاجة الي المزيد من التأكيد ...كما ليس بحاجة الي الاقرار من جديد ..... لكنها معادلة السياسة الدولية ....كما معادلة الانحياز الأمريكي ....كما معادلة الغطرسة الاسرائيلية ....كما معادلة الضعف العربي والفلسطيني .... والذي على اساسه يتم كتابة السيناريوهات ...ونشر الشائعات وتسريبها ...واطلاق بالونات الاختبار.... حتى تتأكد أمريكا والكيان الاسرائيلي من طبيعة ردود الفعل ....كما طبيعة الخطاب السياسي والاعلامي..... الذي يمكن من خلاله أن تتوحد المواقف للرد على مثل هذه التسريبات والاشاعات ...وعلى مدي قدرة السياسة العربية والفلسطينية من التحرك ....وممارسة اعلى درجات الضغط السياسي ....حتى لا تستمر هذه اللعبة الأمريكية الاسرائيلية ...وحتى ولو كانت لعبة حقيقية ...يجب أن تكون الردود جاهزة .....والخيارات واضحة ....والحلول متاحة .
فالحقوق الفلسطينية ...ما بعد مئة عام على وعد بلفور الاسود...... وما يقارب 7 عقود من النكبة التي المت بشعبنا ..... وأوجدت هذا الكيان الغاصب بحكم قرار التقسيم 181....والذي يعطي الحق للفلسطينيين بدولة مستقلة ...وبحدود متعارف عليها بحسب القرار الأممي الذي أوجد هذا الكيان .
استمرار التلاعب بالحقوق الفلسطينية والعربية ....ليست سياسة حكيمة ...كما أنها ليست سياسة يمكن ان يكتب لها النجاح ....لأن أي خطوة أمريكية غير مدروسة ومتناقضة مع قرارات الشرعية الدولية والحقوق الفلسطينية ...سيوفر أرضية خصبة لتدهور الأوضاع ...وارباك المنطقة .....وتهديد المصالح الأمريكية ...وخروجها من دور الراعي ....ووضعها في دور المعادي للقضايا العربية .
الفرصة لا زالت سانحة للاعتراف بالحقوق الفلسطينية .... وعدم محاولة انقاصها ....على أرضية الخلل بمعادلة التوازن ....والتي لن توفر الأمن والاستقرار بالمنطقة ...كما لن توفر الأمن والسلام العالمي .
السلام يبني على المصالح المشتركة .....والذي يمكن من خلاله أن يعزز أمن واستقرار الجميع ...أما فرض الحلول المتناقضة للحقوق ...والمخالفة لقرارات الشرعية الدولية.... وحتى للاتفاقيات الموقعة ...سيدخل الجميع بمأزق شديد الخطورة .....لا يعرف مداه ونتائجه .


الكاتب : وفيق زنداح