إنه ابتزاز أمريكي متعاقب، كل ستة أشهر حول نقل السفارة من عدمه، وتوالى قرارات التأجيل لقانون أقره الكونجرس عام 1995، وكأنه قدر، ليبقى جرس في أعناق العرب والمسلمين ووسيلة ابتزاز يدفع مقابل تأجيله العرب والفلسطينيون الكثير، ضمن نظرية سياسية قذرة مفادها أن خيار المراوحة أفضل دوما من التقدم المفقود والتراجع الموعود.
انني أقرأ مشهد القرار الأمريكي من خلال التصويت في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث في المجلس الموسع قالت أغلب دول العالم كلمتها مع الحق الفلسطيني بواقع 138 دولة، وفي المجلس المصغر ينطق الكبار مع الحق الفلسطيني قبل أن يخرسهم الفيتو الأمريكي ضمن معادلة دولية عرجاء لا زالت تخضع لبطش راعي البقر الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لذلك الاختبار في معركة القدس ليس للإدارة الأمريكية بمقدار هو امتحان للكبار والصغار في العالم أمام قدرتهم على حماية موقف الأغلبية أمام أقلية المارينز الأمريكي.
فوائد الموقف الامريكي على يد الرئيس ترامب تشبه تمام صعود اليمين الاسرائيلي ليضع الجميع في حقيقة الصراع وجوهره دون مكياج اليسار من بيريس حتى باراك، وها هي أمريكا التي نعرفها من هوريشيما الى بغداد ودمشق والصومال وما سبق ذلك في أمريكا الجنوبية وما هو منتظر حيال كوريا الشمالية والصين وروسيا، وكل محاولات التجميل للوجه الأمريكي من قبل دعاة التعقل العربي – الفلسطيني أمام جنون البيت الأبيض هي ضريبة ذل وهوان وقدرة المخابرات الأمريكية على تفتيش مخادع العرب بما لا يفلح معه إلا حفلة ترامب في الرياض وما تلاها من حكمة الذليل مع مجنون يعلن بوضوح أنه لا يرى في المنطقة الا أبار النفط وصفقات السلاح وما بينهم من خيرات.
هو الموقف الامريكي الأكثر وضوح يحذف واو العطف بين واشنطن وتل أبيب، لذلك السؤال: ما هي الخطة الفلسطينية والموقف السياسي حيال هذا الوضوح الأمريكي في الانحياز لغلاة اسرائيل؟، وما مدى القدرة على تغيير المسار باتجاهات سياسية أخرى؟، ونحن لازلنا نختلف على عودة 150 موظف الى وزارة التربية والتعليم، وكيفية ادارة 8 ساعات من الكهرباء، ما هذا القبح الفلسطيني والغرق في الصغائر وتضخيم معاركنا الداخلية وكلنا تحت حذاء أو فوهة بندقية الاحتلال، نرتعد عندما تطلق صفارات الانذار صوتها ونطمئن عند الاعلان انه انذار خاطئ.
الخشية لدى الجميع ليس من نقل مبنى من تل أبيب الى القدس التي يستقر فيها نتنياهو ويلتقي ضيوفه ويفرض على الفلسطينيين فيها ضريبة على مشاهدة التلفزيون ويسمح للمخدرات أن تفتك بشبابها ويسمح لجنوده باعتقال الأطفال في بلداتها ويُسير المستوطنين بأحذيتهم على كل قرارات اليونيسكو والأمم المتحدة لقراءة تلموذهم في ساحة المسجد الأقصى، الخشية من انتقال سفارات أخرى بعد واشنطن بسبب غياب سياسات فلسطينية عربية اسلامية قادرة على حصار الموقفين الاسرائيلي والأمريكي، وايجاد كتلة دولية جامعة مضادة لهذا التغول الامريكي- الاسرائيلي.
نقل السفارة الأمريكية هو اعلان تمام ضعفنا وغباء حساباتنا وعدم مقدرتنا على معارك طول النفس والتخطيط والتقييم والتصحيح والتصويب، عدم قدرتنا على التوقف والاعتراف بحقيقة الموقف وبناء ثقة وخطة وموقف، حتى لا نفاجأ بإعلان اليابان أو الصين أو الهند نقل السفارة ونشهد نفس المعارك الفموية التي تنام على خطيئة وتصحو على فاجعة.
بمقدار كون القدس قضية العرب والمسلمين، وهذا صحيح، وقد يكون مُريح لكنه غير مُربح، مما يتطلب وضوح إما اعلان الفلسطينيين موقف وخطة والزام العرب والمسلمين بها لمعالجة وضع القدس. أو الاعلان ان الفلسطيني هو مجرد عضو في لجنة من كل الدول العربية والاسلامية لهم مسؤولية القرار بالإجماع في تحديد مصير القدس وتحمل تبعات ذلك أمام الشعوب والتاريخ، أما الاصرار على خوض المعركة فلسطينيا فقط ودون حماية عربية ومسؤولية اسلامية لها موقف محدد فهو يدخل في باب أن نحمل أنفسنا ما لا طاقة لنا به.
فلسطينا قبل الجميع يجب أن نقول بما أن الله منحنا دون غيرنا هذه الأرض المميزة فيجب أن نقف ونفكر لأقول كفلسطيني ودون ألقاب: يا السنوار والأحمد ومن أسفل منهما ومن أعلاهما، ليس هكذا تدار قضية الكون ومعركة الحق في أطهر البقاع وأجملها وأكثر الشعوب تضحية وصبر وغلب.. اتقوا الله جميعا في شعب وأرض الأنبياء والرسالات فمن لا يرى الزمان والمكان بين بيت لحم والقدس والخليل فليعيد النظر في قدرته على الكلام أو الصمت، وفهمه لمعاني الرجولة والقيادة.
بقلم/ عامر أبو شباب