بشاعة القتل العربي

بقلم: زهير الشاعر

لا شك بأن نهاية الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في مشهد مأساوي ، مثلت نهاية صاخبة كما وصفتها "وكالة أسوشيتيد برس" ، لا بل هي نهاية دراماتيكية وغير أخلاقية بكل معنى الكلمة ، حيث أن صالح فلت من حكم الشعب خلال ثورة عارمة ضد حكمه ، والتي انطلقت في 27 يناير 2011 ، كان من أهم نتائجها تنحيه عن حكم اليمن ، وإدخال اليمن في دوامة عنف وصراعات دموية لم تنتهي بعد ، حيث لم يكن ذلك هو الحل الأمثل لانتهاء حقبة حكم صالح، التي مثلت حقبة من الزمن ، كانت مثار جدل بين أنصار ومناهضين لهذا الحكم الذي استمر في حكم اليمن منذ 1978 وحتى 25 فبراير 2012 ، أي ما يعادل 33 عاماً في سدة الحكم تقريباً.

لكن صالح نفسه لم يهن عليه تلك النهاية التي كان من أهم نتائجها ، تجريده من السلطة والنفوذ، وبالتالي القبول بالأمر الواقع، حيث لم يرق له ذلك، واضطر لأن ينسج تحالفاً مع الحوثيين الذين ظهروا فجأة كقوة مركزية لها تأثيرها ونفوذها وثقلها وأنصارها كقوة شيعية في اليمن مدعومة من إيران.

بالأمس بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من الصراع الدموي على السلطة وحرب ضروس شنتها دول التحالف الدولي ضد قواته وحلفائه السابقين قوات الحوثيين ، الذين تفتت تحالفه معهم بعد أن قام الحوثيون بإطلاق صاروخ باليستي على العاصمة السعودية الرياض في سابقة اعتبرتها السعودية بالغة الخطورة وغير معهودة تاريخياً ، مما خلق خلافات حادة بين حلف صالح والحوثيين أدى إلى خلق حالة من الصراع الدموي من جديد ولكنه مثل صراع شرس تجاوز الحدود الحمرا بين الطرفين ، وذلك بالتوازي مع انتفاضة شعبية في العاصمة اليمنية صنعاء ، أدت إلى مواجهات مسلحة توسعت رقعتها لتشمل معظم المدن اليمينية، نجم عنها مئات من الضحايا الذين ملأت جثثهم الشوارع .

هذا المشهد الدراماتيكي نجم عنه أول أمس قتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والتنكيل بجثته بمشهد غير إنساني لا بل بالغ الهمجية مصحوباً بصيحات الله أكبر ، في إشارة إلى جهل القتلة بغض النظر عن طبيعة الضحية وحالة الانتقام القائمة فيما بين الطرفين، لأنه من الطبيعي أنه لا يوجد في أي ديانة سماوية ما يشير إلى استباحة كرامة البشر أحياء أو أموات بهذا الشكل البشع وغير الإنساني.

هذا المشهد أعاد ذاكرتنا للوراء لنتذكر كيف تم التنكيل بجثة العقيد الراحل معمر القذافي بطريقة بالغة القسوة أيضاً ، حتى جعلت الكثيرين ممن شاهدوا ذاك المنظر الدموي أن يتعاطفوا معه في تلك اللحظة، متجاهلين بذلك موقف شعبه المظلوم الذي كان يرى فيه ديكتاتوراً ، هذا الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ، لا بل خسر القذافي جميع أولاده أيضاً ما بين قتلى واسرى ومشردين ، في حين أنه كان يستطيع أن يتجاوز ذلك بدون الوصول إلى هذه النهاية المأساوية كما حصل أيضاً في حالة صالح.

أول أمس تكرر نفس المشهد تقريباً ، حيث خسر الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح حياته وحياة بعض قادة حزبه، ولم تحميه قوة النار والرجال التي يمتلكها أو تتبع له ، هذا عوضاً عن أنه أدخل أبنائه في متاهات صراعات دموية لا أحد يعرف إلى أين ستصل ، ومن سيكون الخاسر فيها وما حجم الخسارة المادية والوطنية والإنسانية التي ستنجم عنها؟!.

هذا الأمر يأخذنا إلى تساؤل مشروع في ظل وجود صراعات متعددة ومعقدة في المنطقة العربية ، منها في ليبيا وسوريا والعراق ولبنان ومصر ، صراعات تحمل رسائل سياسية وتؤكد بأن هناك من يقف ورائها لصالح أجندات غير وطنية.

كما أن الوضع الفلسطيني ليس بعيداً عن هذا الحال حيث بات على حافة الانفجار في ظل سلوكيات قيادة فلسطينية مبعثرة وغير متزنة وغير متماسكة ، ولا تمتلك الحد الأدنى من القدرة على اتخاذ القرار ، أو حتى من تقديم حلول خلاقة ومنطقية للمشاكل المتراكمة بسبب فسادها وعجزها ، وذلك نتيجة ترهل المنظومة الفلسطينية والانقسام القائم الذي بدأ يشق الطريق للوصول لمحطة نهايته بالرغم من وجود عقبات مختلقة كبيرة وكثيرة، لا زالت تمثل تحديات معقدة في مواجهة إمكانية إنهاء هذا الانقسام الذي لا زالت إمكانية إنهائه تترنح أمامها .

أخيراً نتمنى أن لا يتكرر مشهد القتل البشع الذي شهدته بعض العواصم العربية لقادة حكموها بالحديد والنار سنوات طوال ملكوا فيها القوة والسلطة والنفوذ والمال ، وظنوا بأنهم بمنأى عن مواجهة القدر والمصير ، وأن يكون ذلك عبرةً لكل من تسول له نفسه بأنه محصن وقادر على أن يظل يعربد ويدوس على كرامة هذا وذاك من أبناء شعبه ، أو يستمر بالإمعان في ممارسة ي اقسى درجات التغول على أمن ومستقبل ولقمة عيش أبناء شعبه ، لأن النهاية يحددها القدر وغالباً ما تكون مأساوية لكل ظالم.

هذا لا يعني أننا نقبل بهذا الأسلوب العدواني والهمجي الذي يطيح بحياة البشر بعيداً عن القانون والالتزام بمسوغاته القانونية بالرغم من أن العربي بشكل عام لم يعد لديه ثقافة تتحكم بها القيم والأخلاق والالتزام بالقانون ، وذلك من أعلى الهرم حتى قاعدته في غالب الأحيان، ولكته بات اسير ثقافة فوضوية عامة، لا القائد فيها يعرف ماذا يفعل ؟1، وهل هو مقتدر لأن يقود؟، ولا الرعية تعرف لماذا هي تختار قائد لها يبطش بها لحين تصحو من غفوتها وثباتها لتجد نفسها غارقة في حالة انعداميه تدور في دائرة مفرغة، يبقى فيها اللص لصا والمجرم مجرما والمشبوه مشبوها والضحية ضحية ولكن بأوجه متعددة ومختلفة السلوك، تتحكم بها آليات مبرمجة ويسهل أمور تنفيذها وتجسيدها، عقم في الرؤية وعجز في التصرف، والنتيجة عنتريات قاتلة ترسخ مفاهيم الحقد والكراهية وتزرعها بين أبناء أجيال قادمة لا أحد يعرف ما الذي ستجنيه أو ستحمله الأيام معها لهذه الأجيال.

ما نخشاه اليوم هو ، أن يكون هناك قيادات عربية أخرى لربما تلاقي نفس المصير الذي واجهه على عبدالله صالح والعقيد القذافي ، في سياق ثقافة القتل السائدة وانعدام ثقافة التسامح والتعالي على الجراح والخلافات والقناعة بانتهاء الدور طواعيةً، وهذا الأمر يتطلب عقول نيرة تتحلى بروح المسؤولية ، ولديها الرغبة الصادقة الأمينة والقدرة العملية لتقييم حالة الشعوب العربية الشاذة التي لم تعد تكيد عدو أو تسر حبيب.

بقلم/ م. زهير الشاعر