إذا صح ما قاله نائب رئيس الوزراء السوداني مبارك الفاضل المهدي حول أن «مصالح السودان لا تتعارض مع التطبيع مع إسرائيل»، فإن القضية الفلسطينية سوف تخسر حتما بلد قمة اللاءات الثلاث العام 1967 «لا تفاوض، لا تصالح، لا اعتراف».
لقد كانت القمة المذكورة بمنزلة ناقوس خطر للعدو الصهيوني الذي أيقن أنه لولا هذه القمة ما توحد العرب ضده، واعتبرها أنجح قمة للعرب، حيث خرجت بقرارات كان لها أثر كبير في الصراع العربي الصهيوني.
يبدو أن السيد المهدي يريد للعرب اليوم أن يقفوا على الأطلال ويتباكوا على تلك اللاءات وما تمثله من موقف عربي ترسخ في قناعة أبناء الأمة العربية بإمكانية تحقيق الوحدة بينهم على طريق تحرير فلسطين وكل الأراضي العربية المحتلة.
اللافت أن المهدي أشار إلى أن جمهورية السودان «تؤيد في الوقت نفسه الحقوق الفلسطينية»، فكيف يكون التطبيع مع الاحتلال الصهيوني في مصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه التي سرقت جهاراً نهاراً من خلال مؤامرة دولية كبيرة اصطنعت كياناً هجيناً لشذاذ آفاق سرقوا اليوم أيضا جزءاً من السودان نفسه وأقاموا فيه دويلة سموها جنوب السودان، وهذا ليس مستغرباً لأن المخططات الصهيونية تجاه السودان بدأت بشكل مكثف في الخمسينيات من القرن الماضي، وأشار إليها مؤسس ما تسمى دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون.
السؤال هنا، هل سيتحدد مستقبل السودان بعد إلغاء العقوبات الأميركية مؤخراً، عبر تحالفات مشبوهة جديدة وتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
لا شك أن من ينادي بذلك سيقع حتماً في إسار الوهم، لا بل هو خائن لكل الدماء التي روت الأرض العربية بهدف تحرير الأرض والإنسان وأبناء السودان ما بخلوا يوما في التضحية والفداء على هذا الدرب، فكيف للمهدي وأمثاله أن يفرطوا بهذا التاريخ المشرف بذريعة أنهم لن يكونوا ملكيين أكثر من «الملك» الفلسطيني الذي وقع اتفاق أوسلو الخياني وأصبح يستخدم شماعة من قبل كل من يريد الهروب من دوره تجاه فلسطين القضية المركزية للأمة العربية وقواها الحية.
السؤال أيضاً، هل يشير رفع العقوبات الأميركية إلى مغادرة السودان معسكر الممانعة والمقاومة ويسقط في مستنقع التطبيع مع الغزاة الصهاينة حتى يحقق التقدم والازدهار الذي ينشده أبناء بلد السلة الغذائية للوطن العربي؟
للمرة الأولى في تاريخ النظام الحالي في السودان، يتعانق العلمان الوطني والأميركي في سماء الخرطوم، وذلك ليلة إعلان قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد المفروضة منذ أكثر من عشرين عاماً، والطامة الكبرى أن يكتمل سيناريو التطبيع المخزي بتعانق العلم الصهيوني معهما.
لقد قالت مصادر: إن هناك اتفاقاً سودانياً أميركياً للبدء فوراً في تنفيذ خريطة طريق جديدة تحكم وتضبط التعاون بين البلدين وتمثل انطلاقة لحوار حول رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، والخريطة المذكورة تشتمل على بنود صعبة، تلزم الخرطوم بوضع المصالح الأميركية وأولوياتها في الاعتبار، فضلاً عن اشتمالها لمطالب داخلية تتصل بسجل حقوق الإنسان ووقف الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور وإطلاق الحريات العامة ولاسيما الصحافية والدينية منها.
معلوم أن المصالح الأميركية تتوحد مع مصالح المشروع الصهيوني في المنطقة ضمن تحالف إستراتيجي أوصل العديد من دول المنطقة إلى ما هي عليه اليوم من تشرذم وتفكيك إلى دويلات وإمارات وبؤر يسيطر عليها الإرهاب وداعموه وأدواتهم الذين ينفذون مؤامرة «الربيع العربي».
واشنطن رفعت جوانب من العقوبات عن الخرطوم، لكنها أبقتها في لائحة الإرهاب، فهل يكون التطبيع مع العدو الصهيوني طريقا لرفعها عن هذه اللائحة.
واخرطوماه.. والأمل اليوم وغداً.. «لا تفاوض، لا تصالح، لا اعتراف».
بقلم/ نعيم ابراهيم