نهج أمريكي مغامر باعتبار القدس عاصمة لكيان الاحتلال الاسرائيلي، وغيض من فيض انحياز أميركي لصالح اسرائيل.
فأميركا كانت على الدوام، ولا تزال، أحرص على «إسرائيل» من نفسها فقد شاركتها في كلّ حروبها، وحملت عنها عبئ التكاليف، ونأت بها عن قرارات الإدانة الدولية، حتى أنّها لم تدّخر وسعاً لإلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية!
هذه الخطوة تعني محاولة لحسم الصراع من جانب واحد، ومحاولة لإنهاء المطالب الفلسطينيّة التاريخية بالقدس، وأنها بذلك تعكس تبني ترامب بشكل كامل لخطاب اليمين الاسرائيلي المتطرّف، الذي يعمل على وأد الحقوق التاريخيّة للشعب الفلسطيني، وإلغاء مستحقات الشرعية الدولية بخصوص فلسطين عن طريق فرض وقائع على الأرض، وعلى رأسها
تهويد القدس وقطعها تمامًا عن الضفة الغربية
توسيع وتعميق الاستيطان
الاستيلاء على مناطق ج
ومنع إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة
ما فعلته الولايات المتحدة هو ترجمة لمسار طويل من سياسات تمكين الاحتلال الاسرائيلي ، مسار شكلت بعض الأنظمة العربية جزءاً أساسياً منه، نتيجة تآمرها على فلسطين، بما بات يُعرف بصفقة القرن!
صفقة القرن هذه، عرّت أنظمة التطبيع العربي وأسقطت كلّ مَن راهن على مسارات التسوية والمفاوضات المذلة وحلّ الدولتين.
إن تنفيذ الادارة الأمريكية قرارها بنقل سفارتها إلى القدس إيذانا ببدء تنفيذ صفقة القرن، وسيعني قبول شعوب المنطقة أو على الأقل عدم قدرتها على مواجهة تلك الصفقة التي ستتضمن تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، بعيدا عن أقامة الوطن الفلسطيني على الأرض التاريخية الفلسطينيية، وفي المقابل فإن قدرة شعوب المنطقة على إجبار الأمريكان بالتراجع عن قرارهم سيكون رسالة قوية برفض تلك الصفقة وإفشالها، وسيحيي الأمل في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وعلينا اليوم ، الإعلان الرسمي عن تحوّل الولايات المتحدة إلى جزء من قوى الاحتلال، والإعلان عن انتهاء دورها كوسيط، الذي لم يكن يوما محايدا، بل وعن خروجها من الشرعية الدولية، بضربها عرض الحائط قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية
بعد قرار ترامب بدأت ببيانات الشجب والإدانة المهزومة التي صدرت من بعض الأنظمة العربية، فهي فارغة المضمون، وهو ما تدركه إدارة ترامب جيدا، ولو كانت هذه الأنظمة جادة فعلا لهددت بقطع علاقاتها السياسية أو الاقتصادية مع واشنطن، أو على الأقل لهددت الدول التي تقيم علاقات مع اسرائيل بقطع علاقاتها ، أو تقديم الدعم لأي انتفاضة فلسطينية مقبلة، لكن ترامب يدرك أن تصريحات زعماء تلك الدول هي مجرد دخان في الهواء لإرضاء الشعوب وليس أكثر من ذلك، ومن هنا يبقى التعويل الأكبر على غضبة الشعوب العربية والإسلامية وانتفاضتها .
إن العجز الذي يعتري أمتنا اليوم ليس قدراً أبدياً محتوماً علينا، فالأمر الذي لا نستطيع إنجازه اليوم سنحققه غداً إن شاء الله، وذلك مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)
ومهما طال مكوث الاحتلال الصهيوأمريكي في ديارنا فحتما سيرحلون عنها كمثل الغزاة الذين سبقوهم، فقد دارت أكبر المعارك على أرض فلسطين، وليس بعيداً عن القدس مثل حطين وأجنادين وعين جالوت واليرموك وغيرها. وإن ما تم اغتصابه بالقوة لن يتم تحريره إلا بالقوة، والأيام دول، وإن كنا نعيش اليوم فترة انحسار أو جزر مرحلي فإن المد والجزر في التاريخ وبين الأمم هما أشياء متعاقبة غير ثابتة.
ما هو مؤكد وحقيقي أنّ القدس لن تكون عاصمة لـ «إسرائيل»، ما دام هناك شعبٌ يقاوم الاحتلال ويبذل الدماء والتضحيات حتى تبقى القدس زهرة المدائن وعاصمة فلسطين المحرّرة من النهر إلى البحر… ولن يتسرب اليأس إلى قلوبنا ولن نقول للقدس إلا مهلاً يا أنشودة الحياة وصبراً جميلاً يا أم الأنبياء والشهداء، ولن نقول للقدس وداعاً ، بل لقاء مرتقباً ونصراً مؤكداً إن شاء الله.
الكاتب : أ. عز عبد العزيز أبو شنب