ترامب ... ويوم الغضب ... وذكرى والدي

بقلم: وفيق زنداح

اليوم ... يوم الغضب ... يوم الرفض لهذا القرار الظالم ... اليوم الذي تتحرك فيه الجماهير الفلطسينية بكافة الدول والاحياء والمخيمات ... لتلعلوا بصوتها ... ولتسمع كلماتها الى هذا الارعن المسمى ترامب بالبيت الابيض ... وحتى يشاهد بأم اعينه هذه الملايين من ابناء فلسطين والعروبة والاسلام ... وأحرار العالم وهم ينددون بقراره ... ويؤكدون على ظلمه ... كما يؤكدون على جهله وتجاهله للحقوق الوطنية الفلسطينية ... فل يشاهد ... وليقرأ .
القدس نتمسك بها ... ونتوارث محبتها ... وعشق ترابها وجبالها ... جدرانها وثلوجها ... نتوارث عشق اقصاها ومسجدها طهارتها وقدسيتها ... بكل اسوارها ازقتها ... وابوابها المتعدده وبكافة أحياءها .
نتوارث تاريخها بكافة مراحلها ... وبجذورها وبكافة منابعها ... كما نقرأ تاريخها ... بكافة الغزوات والحروب والاحتلالات ... وحتى الانتصارات والفتوحات .
ترامب الذي اصدر قرارا جائرا ظالما ... مخالفا للتاريخ والقانون والواقع ... مخالفا للانسانية ...التي يفتقدها بفكره ... كما هو المخالف للتاريخ ... الذي لم يقرأ فيه عن عمر بن الخطاب وصلاح الدين الايوبي ... كما لم يقرأ عن هزائم الغزوات الصليبين والمغول والتتار ... ولم يقرا عن بريطانيا العظمي وامبراطوريتها ... ولا حتى عن الامبراطوية العثمانية وامتدادها ... ولا حتى عن الحملة الفرنسية .
ترامب فاقد للثقافة والتاريخ والانسانية ... فاقد الاطلاع على محطات تاريخيه متعدده... حتى تاريخ بلاده وأصولها التي تنعدم فيها الجذور ... باعتبارها أرضا استقر فيها الهنود الحمر كما الفئات من كافة أصقاع الارض ... والتي ولدت مجتمعا مفككا لا تجمعه ثقافة واحدة .. ولا تاريخ واحد ... ولا منابع وجذور واحده تحكم فيهم الصهاينة والطائفة اليهودية والماسونية العالمية ... واخذوا يحركون بهذا العملاق الامريكي صوب مصالحهم واطماعهم لتحقيق مخططاتهم .
أمريكا التي يترأسها ترامب وعلى مدار تاريخها ... وما استخدمته من قوة مفرطة ... وتحريك لجيوش جرارة ... وقصف من خلال طائرات متطورة ... لم تحقق نصرا في كوبا ... ولم تحقق نصرا في فيتنام ... كما لم تحقق نصرا في افغانستان .... حتى انها لم تحقق نصرا بالعراق بل هربت بجيشها الى حيث قواعده .... كما لم تنجح في الصومال ... حقا استطاعت ان تدمر ... تقتل ... تحتل لبعض الوقت ... لكنها لم تنجز انتصارا ... يمكن البناء عليه .. بما يخدم مصالح الولايات المتحدة ... كما حال دولة الكيان ... التي قتلت ودمرت واحتلت ... لكنها لم تنجز انتصارا ... ولم تحقق امنا بل لا زالت تعيش القلق وعدم الاستقرار ... لانها سارقة لحقوق الاخرين .
أي ان امريكا باستخدامها للقوة العسكرية .... وتحريك جيوشها لم تستطع ان تحقق نصرا مظفرا وحاسما على العديد من الدول والشعوب ... التي كانت تعاني من ويلات الحرب والاختلاف ما بين قواها السياسية ... حتى أن امريكا التي يترأسها ترامب أرادت من اليابان ان تكون مستعمرة لها ... وقاعدة انطلاق لقواتها ... لتجد امريكا نفسها بقوة اقل اقتصاديا وتجاريا من اليابان ... كما ان محاولتها لضرب الصين الشعبية واضعافها قد وجدت بالصين ماردا اقتصاديا اجتاح اقتصادها ... واخذ موقعا متقدما بميزان التجارة العالمي ... حتى ان امريكا ومخططها لتفكيك الاتحاد السوفيتي وجمهورياته ... لم تستطع ان تسقط موسكو عاصمة روسيا الاتحادية ... ولا ان تسقط قوتها العسكرية ... ونفوذها السياسي الذي وصل الى المياه الدافئة ... واصبح المتحكم بالملف السوري ... وبالعديد من الملفات ... ولاعبا سياسيا اساسيا بالعديد من النزاعات على مستوى العالم ... حتى ان امريكا قد فقدت الكثير من تحالفاتها .... وعلاقاتها وتباين مواقفها ازاء الشرق الاوسط مع دول الاتحاد الاوروبي والعديد من دول العالم بأغلبيته العظمى نتيجة ما صدر من قرار ... أكد فيه الجميع من العرب والمسلمين وحتى على مستوى الساحة الدولية ... أنه خطيئة سياسية وقرار ظالم ... لا يستند الى أدنى حق من الحقوق ... وهو خطوة استباقيه لا يجب ان تتم ... طالما الصراع قائم وملفاته السياسية لم تحسم على طاولة المفاوضات .
امريكا ومخططاتها حول الفوضى الخلاقه ومشروع الشرق الاوسط الصغير والكبير .. وما عملت عليه من تغذية الفتن المذهبية والطائفية ... لاجل تفكيك الدول واحداث الانهيار بجيوشها وانظمتها ... قد فشلت والى حد كبير ... حتى وان بقيت بعض الجيوب الارهابية التكفيرية المدعمه من الولايات المتحده .... كما المدعمه من بعض الاطراف الاقليمية ذات الصلة والعلاقة بالولايات المتحدة باعتبارهم أدوات تنفيذية ... وحتى الممولين لتلك الادوات .
امريكا التي عملت على تأسيس تنظيم القاعده والذي كان يتزعمه اسامة بن لادن لمحاربة الاتحاد السوفيتي في افغانستان انقلب عليها وعمل على ضرب ابراجها بأحداث 11 سبتمبر .
أي ان امريكا بقوتها العسكرية الضخمة ... وباقتصادها القوي الذي بدأ بالتصدع والانهيار ببعض جوانبه ... لم يسعف السياسة الامريكية المتناقضة مع نفسها ... كما المناهضة لحقوق الشعوب والتي اصبحت بموقف مغاير عن الموقف الدولي بأسره ... ليس ازاء القضية الفلسطينية فقط ... بل ازاء العديد من القضايا الدولية والتي جعلت من هيبة امريكا قد تأثرت بصورة مباشرة وغير مباشرة ... واهتز المارد الامريكي والمكانة الامريكية ازاء الدول والشعوب ... واصبحت امريكا بمرمى النقد والاحتجاج وعدم القبول بسياستها الخارجية ومواقفها اتجاه العديد من القضايا الدولية .
امريكا لم تتوقف عند هذا الحد بل اصبحت امريكا تتفكك من داخلها ... واصبح مجتمعها المفكك بالاصل ... والذي لا يستند الى جذور واحدة متعارضا مع نفسه ومع اولويات مصالحه ... حتى ان ترامب بنتائج انتخاباته الاخيرة ... والتي اصبح فيها رئيسا للولايات المتحده أحدث بالساحة الامريكية الكثير من اعمال العنف والغضب والرفض لنتائج انتخاباته ... والتي لا زالت تتفاعل بحكم مواقفه وقراراته التي تتناقض مع مصالح الولايات المتحده ومكانتها وسياستها الخارجية .
حتى جاء موعد القرار الاهوج والاسود ... والذي حاول من خلاله ترامب بان يبيع موقفا لا ثمن له ... للحركة الصهيونية ولليهودية العالمية ولدولة الكيان العنصري ... قرارا جاهلا ... ومتجاهلا للتاريخ والثقافة والقانون ... وللانسانية ولحضارة الشعوب وجذورها ... قرارا ورقيا سيحسب عليه وسيلعنه التاريخ ... كما يلعنه الواقع ... ولن يجد له طريقا الي التحقق والتحقيق ... لانه مخالف للشرعيه الدولية وقراراتها ... كما انه مخالف للحقوق الوطنية الفلسطينية .
قرار ترامب شهد نتائجه منذ لحظة توقيعه واعلانه من مدى الغضب ... والذي يشتد اليوم داخل الاراضي الفلسطينية وعلى مستوى العالم بأسره والمندد ... والمستنكر ... والغاضب من مثل هذا القرار ... الذي لا يحمل أدنى درجات السياسة والدبلوماسية ... ويعبر عن جهل محكم بالتاريخ والثقافة القانون والحضارة .
الرئيس الامريكي ترامب لا يعرف عن فلسطين ... ولا يعرف عن القدس ... ولا يعرف عن اهل بيت المقدس ... ويجهل المسجد الاقصى ... ويجهل أزقة القدس وأبوابها ... كما يجهل أن القدس مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .. وان ارضنا مولد سيدنا المسيح عليه السلام ... كما يجهل أن جذورنا التاريخية لها الاف السنين والتي لا تشطب ... ولا يحدث عليها أي تغيرات بفعل قرار على ورق ... امريكا التي اخذت دورها الراعي بعمليه التسوية السياسية ... والتي تم التوقيع عليها في باحة البيت الابيض اتفاقيه سلام ما بين دولة الكيان برئاسة اسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية الرئيس ياسر عرفات وبحضور الرئيس الامريكي الاسبق كلينتون ... أي اننا وثقنا بأمريكا ... واعتبرنا انها وسيطا وراعيا يمكن ان يتقدم بنا صوب سلام عادل ودائم وشامل ... لكنها منذ اللحظة الاولى ... وتجربة واي ريفر وطابا وكامب ديفيد وجولات كولن باول أثناء زيارة الرئيس الشهيد أبو عمار بالمقاطعه وهو محاصر ... وما تم ممارسته من سياسة امريكية .. اثبت لنا بالملموس أن امريكا غير منصفة ... وانها منحازة ... وانها ليست شريكة بعملية التسوية ... حتى اصبحت اليوم دولة معادية لانها تسلب حقا لنا ... وتريد ان تقدمه هدية لدولة محتلة ... ليس هذا فقط بل ان امريكا اصبحت منحازة ومعادية منذ تاريخ طويل كنا نتغاضى عنه ... ونحاول نسيانه ... ونحاول القفز عن بعض المحطات والمواقف ... لعل وعسى أن تأخذ امريكا من المواقف الاكثر اعتدالا وليست المؤيدة لنا ... ولكن على الاقل المتوازنة والمنصفة والتي لا تبرز تحيزا وعداءا سافرا لنا ولحقوقنا كما لكافة حقوقنا العربية .
وأنا اكتب عن امريكا ... وعن القدس ... والقرار الذي صدر بحقها والذي لن يغير من معالمها ... ولن ينقل جبالها ... كما لن يحدث تغيرا بأقصاها ... كما لن يستطيع تهجير أهلها... كما لن يستطيع ترامب وبكل قوة امريكا وغطرستها وعنصريتها ان يغير من التاريخ ... ولا حتى ان يغير من ذاكرتي .. قرار امريكي لن يستطيع أن يغير الهوية الفلسطينية العربية الاسلامية المسيحية .
قرار امريكي لن يستطيع ان يغير بذاكرتي وأنا طفل صغير ... ووالدي يمسك بيدي ... ما بين ازقة وابواب القدس لكي يجعلني اشاهد اين كان يسكن ... واين كان يتعلم .. واين كان يصلي ... اخذني من يدي بحنان الاب ... وبعشقه الكبير للقدس التي عاش بها 25 عاما ... ليجعلني اشاهد مدرسة الايتام الاسلامية بالقدس التي عاش بها يتيما محروما من حنان والده ... ومن حنان امه ليصبح شابا ... وليجد زوجته والدتي السورية والزواج منها بالقدس ... والدي كان يحدثني مطولا عن القدس وازقتها وابوابها ... وعن باب العامود الذي كان يعمل بجواره وعن اهل القدس وطيبتهم وكرمهم وحسن خلقهم ومحبتهم للجميع ... كما كان يحدثني عن العصابات الصهيونية التي كانت تفجر براميل البارود ضد أهل القدس من الفلسطينيين ... كان يحدثني عن بطولاته وفدائيته والمعروف عنه بالفدائي الصغير... عندما كان ينقل الاسلحة والقنابل الى الفدائيين بالجبال ... كان يحدثني الكثير عن قادة فلسطين وعلى رأسهم الشيخ أمين الحسيني ... وعبد القادر الحسيني ... كان يحدثني الكثير عن تاريخ عمره الذي قضاه بالقدس ... وكيف تناقلنا وتوارثنا هذه الذكريات ما بين اجيالنا ومن كان من قبلنا ...ومن جاءوا بعدنا .
هذه القدس التي نعشقها ونعشق ترابها واقصاها ليس نحن الفلسطينيين فقط ... بل كل العرب والفلسطينين والمسيحيين لن يستطيع ان يغير فيها هذا الذي اسمه ترامب بقرار ارعن ... اهوج ... لا يستند الى تاريخ ... ولا يستند الى قانون ... لكنه بالتأكيد يستند الى فكر منحرف لجماعات عنصرية ... لا تمت بصلة لا بالقدس ولا بفلسطين ... ولا بحديث وذكريات والدي رحمه الله .

الكاتب : وفيق زنداح