أكتب هذه الكلمات بعد انقضاء يوم الجمعة8/12/2017 ، يوم الغضب ليس الفلسطيني بل العالمي تضامنا مع قدس الأقداس مدينة السلام ، والتي اعتبرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاصمة لإسرائيل مقررا نقل السفارة الأمريكية من تل لبيب إلى هذه المدينة المغتصبة في بيانه يوم الأربعاء الفائت ، ضاربا بعرض الحائط بكل الأبعاد التاريخية والسياسية بل والدينية لمدينة القدس ، لا نريد أن نتطرق إلى البعد التاريخي لمدينة القدس فالقدس مدينة عربية فلسطينية تضرب بعمرها آلاف من السنين التي مضت ، وستبقى فلسطينية عربية شاء من شاء وأبى من أبى ، أما واقع القدس فلها رب يحميها ، ثم شعب يضع حياته من اجلها ، وهكذا شعبنا هو شعب التضحيات المتواصلة وكأنه قدر لهذا الشعب أن يظل في الصفوف الأولى من المواجهة لحماية الأمة بأسرها .
سنحاول تناول البعد السياسي لمدينة القدس ، وباديء ذي بدء أود ذكر قول الله سبحانه في محكم آياته: " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " ، نعم أننا نشهد عملية انقلاب السحر على الساحر ، حيث لم يدر بخلد الرئيس دونالد ترامب ، وفريق مستشرية بان مثل هذا القرار سيعمل على تفجير بركانا من الغضب الفلسطيني والعربي والإسلامي لمكانه القدس عند المسلمين ، كيف لا وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، هذا الغضب رفع مكانة وموقع قضيتنا الفلسطينية إلى اعلي سلم الأولويات الدولية بعد أن تراجعت كثيرا أمام سيل الأحداث الكبرى التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط في السنين الأخيرة .
في خضم هذا الغضب أرى انه لا بد من التذكير بان الموقف الأمريكي الجديد من القدس لم يكن وليد اللحظة ، حيث أغمضت الإدارات الأمريكية أعينها طويلا وما زالت عن الممارسات والسياسات الإسرائيلية حيال القدس منذ احتلالها عام 1967 ، حيث استطاعت الحكومات الإسرائيلية المتتالية من إقامة سلسلة من المستوطنات حول القدس عرفت بغلاف القدس على حساب الأرض العربية الفلسطينية بعد اغتصابها من أصحابها من أبناء الشعب الفلسطيني ، وتضم هذه السلسلة ما يزيد عن أل 250 ألف مستوطن ، وتواصل الحكومات الإسرائيلية توسيعها للمستوطنات وجلب المزيد من المهاجرين اليهود إليها ، فبعد ساعات من قرار الرئيس الأمريكي ترامي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارا ببناء 14 إلف وحدة سكنية في المستوطنات الإسرائيلية حول وفي القدس،.
في العام 1995 صدر قرار الكونجرس الأمريكي بالاعتراف بمدينة القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، إلا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ ذلك الحين عملت على تأجيل نقل السفارة إلى القدس وذلك عبر صدور قرار يصدره الرئيس الأمريكي كل 6 شهور ، واستمر هذا الحال إلى أن أعلن دونالد ترامب ترشحه للرئاسة الأمريكية ، وكانت احد الأمور التي أكد عليها في حملته الانتخابية هي اعتزامه نقل سفارة أمريكا إلى القدس ، ليعلن يوم الأربعاء الماضي قراره المشئوم ، السؤال لماذا كان هذا القرار ؟ ، وما هي تداعياته المرتقبة ؟ ، أما عن السبب باختصار شديد أن صدور هذا القرار مرتبط ارتباطا وثيقا بجذور العلاقة الأمريكية بإسرائيل من جهة والقضية الفلسطينية من جهة أخرى ، علاقة غير متكافئة بالمطلق ، حيث يسيطر عليها الانحياز الكامل لكل السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين ، والدعم الكامل لإسرائيل اقتصاديا وسياسيا وعسكريا .
أما تداعيات هذا القرار فيمكن استشعارها من خلال حصيلة الأيام القليلة التي تلت صدور القرار ونذكر بعضا منها :
- رفض واستنكار العديد من قادة الدول العربية والنخب السياسية والفكرية لهذا القرار ، واعتبار انه سيعمل على تقويض وهدم العملية السلمية في المنطقة ، بل وذهب البعض منهم باعتباره حربا تشن على الشعب الفلسطيني .
- اعتبار العديد من دول العالم من بينها بريطانيا وتركيا والفاتيكان على اعتبار هذا القرار قرار خاطئ ويهدد الاستقرار في المنطقة .
- اعتبار العديد من الشخصيات الأمريكية بعدم صوابية هذا القرار والطلب بالتراجع عنه .
- ردود أفعال شعبية غاضبة على امتداد الوطن العربي والإسلامي عبر مظاهرات غاضبة نظمت اليوم الجمعة 8/12/2017 ،.
- انطلاق المواجهات بين الشباب الفلسطيني وجنود الاحتلال الإسرائيلي عند نقاط التماس في الضفة الغربية ، وبالقرب من السياج الحدودي في قطاع غزة ، ما أدى إلى سقوط المئات من الجرحى برصاص قوات الاحتلال .ما ينذر بانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة .
إن هذه الحصيلة في اعتقادي ستعيد وضع القضية الفلسطينة على قمة الأولويات العالمية بعد أن تراجعت وكادت تصل إلى التلاشي في ظل الأوضاع العربية والفلسطينية الراهنة .
في ظل هذه الظروف نرى أن مسئولية حماية القدس ، ومسئولية الإمساك بزمام المبادرة لإعطاء قضيتنا المصيرية زخمها القوي هي مسئولية الفلسطينيين ، صحيح أن القدس ليست مقدسة للفلسطينيين فحسب بل هي مقدسة لجميع المسلمين على سطح الأرض ، إلا أن الفلسطيني هو صاحب الأرض وعليه يلقى عبء التصدي للعدو الغاصب والأعداء من كل مكان ، ومع إيماننا بان مثل هذا القرار لن يكون له أية قيمة أمام إرادة وصمود وتضحيات شعبنا ، فالقدس عربية فلسطينية قبل الرئيس ترامب وسوف تظل بعدة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها ، ولكن القدس في أمس الحاجة إلى الرجال المخلصين من ابنائها شيبا وشبابا ، رجالا ونساء ، وهنا تحين الفرصة المواتية لوحدة الكلمة أولا ، ووحدة الشعب ، بإنهاء اكبر مصيبة تعرض لها شعبنا خلال العشر سنوات الماضية ألا وهي الانقسام ، علينا إنهاء هذه المشكلة بأقصى ما يمكن لان قضاياها أصبحت تافهة أمام ما يواجهه شعبنا الآن ، إننا نرى آن من واجب القيادة الفلسطينية اتخاذ قرارات قوية لا تردد فيها أبدا ، مثل وقف كل أشكال الاتصال مع إسرائيل وأمريكا فيما يتعلق بمشاريع ومبادرات التسوية ، وضرورة إعلان قيام الدولة الفلسطينية بناء على قرار الأمم المتحدة 67/19 الصادر في نوفمبر 2012 ، وبهذا الإعلان تكون اتفاقية اوسلوا بكل بنودها وشروطها قد انتهت رسميا ، وسحب اعتراف دولة فلسطين بإسرائيل طالما أن الأخيرة لا تعترف بالدولة الفلسطينية ، وعلي جميع الفصائل الفلسطينية أن تدعم مثل هذه القرارات والوقوف صفا واحدا لمواجهة تداعياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية ، معتمدين بعد الله على إرادة شعبنا وتصميمه على العيش بكرامة في دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
9/12/2017