انتفاضة سياسية

بقلم: صلاح صبحية

الجمعة الثامن من كانون الأول عام 2017 تمتد فلسطين بعاصمتها القدس على امتداد دول العالم وشعوبها، حيث انتفض العالم من أجل القدس، ليس إحياء للذكرى الثلاثين للانتفاضة الكبرى عام 1987 وحسب ، بل انتفض العالم من أجل فلسطينية القدس وعروبتها واسلاميتها ومسيحيتها، انتفاضة وحدت رسالة العالم الموجهة بشكل خاص إلى الإدارة الأمريكية وإلى الغزاة الصهاينة في فلسطين، تقول لهم أن المساس بالقدس وبالمسجد الأقصى خط أحمر لا نسمح لأحد أيا كان بتجاوزه، فالقدس عربية اسلامية مسيحية، لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تتصرف بها كأنها ملك لها، ولا يملك الرئيس الأمريكي ولا مجلس نوابه وشيوخه أي حق في القدس وفي فلسطين، وما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية بشخص رئيسها من إعلان القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني إلا غطرسة امريكية، وعدوان امريكي سياسي غاشم على فلسطين بعاصمتها القدس.

هذا العدوان السياسي الأمريكي تلقى الصفعة السياسية الكبرى من مجلس الأمن، حيث أجمع أعضاء مجلس الأمن باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار القرار الأمريكي بشأن القدس باطلا قانونيا، ولا يخدم عملية السلام في المنطقة، ويؤدي إلى توتيرها ويأخذها إلى شفا حفرة من النار.

لكن إصرار مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية على صحة القرار وحق اسرائيل بالتصرف بالقدس، وأن لا عملية سلام إلا برعاية وموافقة امريكية، إنما يؤكد هذا الإصرار على خروج الولايات المتحدة الأمريكية من عملية السلام كراعية له وكوسيط نزيه وطرف محايد، لتكون طرفا وشريكا في الصراع العربي الصهيوني، حيث يتأكد اليوم وبشكل جلي واضح بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن في يوم من الأيام طرفا محايدا ووسيطا نزيها في عملية السلام في المنطقة، حيث أصرت المندوبة الأمريكية هيلي على صحة القرار الأمريكي بأن القدس هي عاصمة دولة الكيان الصهيوني، ضاربة بعرض الحائط بكل قرارات مجلس الأمن التي تؤكد على أن القدس الشرقية هي جزء من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وأنه لا يجوز لقوات الاحتلال أن تغير من معالم وقانونية الأرض التي تحتلها.

والرسالة الأهم التي وجهتها المسيرات والمظاهرات اليوم الرافضة للقرار الأمريكي كانت إلى القيادة الفلسطينية، حيث أكدت شعوب العالم وحكوماته أن الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية هو رهان خاسر بكل المعايير، وأن الرهان على الشعوب هو الرهان الحقيقي في إطار مرحلة التحرر الوطني من الاحتلال، وعلى أساس هذا الرهان الذي تجسد اليوم تأييدا شعبيا عالميا للحق الفلسطيني، فإنه على القيادة الفلسطينية فتح جبهة المواجهة السياسية مع العدو الأمريكي الصهيوني على مصراعيها وذلك بالعمل على ما يلي:

أولا = المبادرة فورا على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية بجميع دوائرها، وخاصة الدائرة السياسية والإعلام والتنظيم الشعبي، وأن تتحول اللجنة التنفيذية إلى قيادة ميدانية، تقود العمل النضالي اليومي لشعبنا العربي الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، و ذلك وفق خطة استراتيجية متفق عليها فلسطينيا.

ثانيا= في ظل هذا التحرك الجماهيري الفلسطيني على امتداد الوطن الفلسطيني كله وفي مخيمات اللجوء والشتات، والمدعوم شعبيا من قبل الأمتين العربية والإسلامية، ومن قبل شعوب العالم المؤيدة لقضيتنا، فإن القيادة الفلسطينية تملك الفرصة التاريخية لامتلاك السلاح الأقوى في يدها، وهو سلاح الانتفاضة الشعبية الذي إذا أحسن استخدامه فإنه سيكون الفعل الأقوى لتحقيق أهداف نضال المرحلة القادمة.

ثالثا= التخلص من أعباء أوسلو في ظل الانتفاضة المتجددة وذلك بالانتقال من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة تحت الاحتلال تنفيذا لقرار المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 ، الذي أعلن قيام دولة فلسطين على أرضنا الفلسطينية، واستنادا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19 تاريخ 2012/11/29 الذي أصبحت بموجبه دولة فلسطين عضوا مراقبا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فنحن اليوم أمام انتفاضة سياسية نملك أدواتها ومفاتيحها الفلسطينية والعربية والدولية، فعلينا التقاط هذه الفرصة التاريخية، وذلك بتجسيد قرارنا الوطني الفلسطيني المستقل بعدم الرضوخ لكل الضغوطات العربية والدولية علينا، لأن الرهان الحقيقي هو على شعبنا الفلسطيني الذي هو أكبر من قيادته كما كان يقول عنه دائما الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات.

صلاح صبحية 2017/12/9