على مدى ساعات طويلة، استغرقت ليلة كاملة، كانت عبئا ثقيلا على وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في رحاب الجامعة العربية، اجتماعا طارئا للنظر في القرار الأمريكي الذي اعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، هذا الاجتماع الذي أكد فيه وزراء الخارجية العرب أنهم أمام حدث غير عادي يجب أن يواجه بقرارات غير عادية، ولكن مع الصباح خرج علينا الوزراء العرب ببيان قديم جديد في صياغته وتوجهاته.
لقد أكد البيان على إدانته للقرار الأمريكي، ومطالبته الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء قرارها بشأن القدس، مؤكدا تمسكه بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقدس وخصوصا القرارات 2334/478/476/465،ومجددا أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية، وأن القرار الأمريكي هو انتهاك لقوانين الشرعية الدولية، وأن هذا القرار تطور خطير في السياسة الأمريكية، كما قرر مجلس الجامعة العربية إبقاء اجتماعاته في حالة انعقاد دائم لتقييم الوضع في موعد أقصاه شهر.
من ذلك نجد أنفسنا أمام فصل مكرر من فصول مسرحية الاجتماعات العربية، حيث لم يكن بيان وزراء الخارجية العرب على مستوى ما رددوه في جلستهم العلنية وكلماتهم على مشهد من العالم كله، والتي ظن البعض أنهم سيواجهون القرار الأمريكي بقرار عربي جريء، كان يمكن أن يكون أقل كلفة ومسؤولية، قرار بتشكيل وفد عربي للقاء السفير الأمريكي في القاهرة وإبلاغه الرفض العربي الشعبي والرسمي للقرار الأمريكي بشأن القدس، وهذا أضعف الإيمان، ولكن الوزراء العرب نأوا بأنفسهم عن شر المواجهة مع واشنطن، وآثروا الموافقة الضمنية على القرار الأمريكي بلغة مهذبة لا تسيء للولايات المتحدة الأمريكية، وتحفظ بعض ماء وجههم، فالإدانة والرفض والمطالبة بإلغاء القرار هو موقف الضعفاء، الذين لا يملكون إرادة مواجهة العدوان السياسي الأمريكي، لأنهم كانوا وما زالوا يضعون كل أوراقهم في السلة الأمريكية، ولأنهم لم يفكروا يوما أن يكونوا أحرارا في تقرير مصيرهم العربي، وقد اعتادوا أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة القرار الفعلي في كل شؤون حياتهم السياسية والاقتصادية والمالية والإعلامية وحتى الاجتماعية.
بيان عربي نقرأ بين سطوره موافقة عربية على القرار الأمريكي وليس رفضا حقيقيا له، لأن الرفض العربي الحقيقي للقرار الأمريكي يكون بتجسيد هذا الرفض على الأرض قولا وفعلا وعملا وممارسة، وبكل ما هو متاح وممكن من خلال ما يلي:
1= أن تقوم الدول العربية بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني، وسحب سفرائها فورا من داخل الكيان الصهيوني، والتراجع عن كل خطوات التطبيع معه.
2= أن تقوم كل دولة عربية باستدعاء السفير الأمريكي لديها وإبلاغه رفضها للقرار الأمريكي، ومطالبته بالتراجع عنه.
3= أن تقوم الدول العربية باستدعاء سفرائها لدى الولايات المتحدة الأمريكية للتشاور، وعدم إعادة هؤلاء السفراء إلى واشنطن إلا بعد تراجع الإدارة الأمريكية عن قرارها العدواني.
4= قيام الدول العربية بتخفيض ثمتيلها الدبلوماسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
5= أن تقوم القنوات الفضائية العربية بالتوقف عن منح الصهاينة مساحة اعلامية على شاشاتها لتسويق الموقف الصهيوني.
فهل يرقى العرب إلى مستوى المسؤولية السياسية والأخلاقية والتاريخية في مواجهة العدوان السياسي الأمريكي، ويبادرون إلى موقف حقيقي نصرة للقدس وللقضية الفلسطينية، أم أنهم لا يستطيعون الخروج من الدائرة الأمريكية، ليبقى موقفهم موقفا عربيا هزيلا.
صلاح صبحية 2017/12/10