جاء اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها كضربة قاضية لعملية السلام والتي كانت مستمرة منذ حوالي ثلاثون عاما، وأثار موجة من الرفض الشعبي والرسمي في شتى أنحاء العالم وادخل كل منطقة الشرق الأوسط في حالة تيه سياسي لم تشهده المنطقة من قبل وقضى على حلم حل الدولتين. ذلك الإعلان الذي وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه يمثل انسحاباً من عملية السلام ومخالف لجميع قرارات الشرعية الدولية والقوانين والتفاهمات المعروفة التي تعترف بكون القدس مدينة فلسطينية محتلة وقع عليها الاحتلال خلال عدوان عام 1967.
إن تغير الموقف الأمريكي يستوجب على القيادة الفلسطينية أيضا تغيير قواعد اللعبة السياسية والبحث عن خيارات أخرى لتحقيق الحلم الفلسطيني وسأحاول في هذه المقالة مناقشة بعض الخيارات المتاحة الممكنة:
الخيار الأول: الاستمرار في عملية السلام.
وهذا الخيار مازال موجودا في عقلية القيادة الفلسطينية والدليل على ذلك ما قاله وزير خارجية فلسطيني رياض المالكي في مؤتمر صحفي في القاهرة ردا على اعلان الرئيس الأمريكي ترامب بأنه "لا نية للانسحاب من عملية السلام"، مضيفا "سنبحث عن راع جديد ومرجعية دولية جديدة بديلا عن واشنطن". الا ان هذا الخيار يصطدم بالعقلية الإسرائيلية الرافضة للسلام حيث أعلن نفتالي بينيت رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني ووزير التربية والتعليم الإسرائيلي وهو الذي يقرر في الحكومة الإسرائيلية لأنه يمثل المستوطنين بأنه لن يدفع ثمن اعلان ترامب بل الثمن هو انه مقابل ان يسكت العرب ان لا يشن حروب عليهم. وبذلك يكون خيار عملية السلام لا جدوى من في ظل حكومة يمين المستوطنين في إسرائيل ويجب على الخطاب الفلسطيني ان يتغير للرد على حكومة المستوطنين لا ان يبقى خطابنا أسير لما يسمى بعملية السلام والمسؤول العربي او الفلسطيني الذي يتحدث عن استمرار عملية السلام عليه ان يثبت للجماهير الغاضبة انه بقي من عملية سلام شيء يذكر.
الخيار الثاني: صفقة العصر
حتى الان لم تكشف القيادات الفلسطينية والعربية عن طبيعة ما تم عرضه عليهم في هذه الصفقة الا ان كل التسريبات تؤكد بأن هذه الصفقة هي عبارة عن التطبيع العربي مع إسرائيل دون دفع الثمن بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967م، ولا دولة فلسطينية ولا قدس ولا حدود ولا حق عودة ولا تفكيك مستوطنات، هذه هي الصفقة ولا يستطيع كائن من كان من الفلسطينيين او العرب ان يقبل بها لان الشعوب العربية لن ترحمه وستهدم عرشه. ولا يجب الخوف من هرولة بعض الزعماء العرب نحو إسرائيل للتطبيع معها لأنه لن يجرء أي زعيم عربي بالتطبيع مع إسرائيل طالما ان حركة الشارع العربي معادية لإسرائيل كما رأيناها تتحرك منذ اعلان ترامب وهذه الحركة الشعبية العربية كانت متقدمة على قياداتها وحتى متقدمة عن الفلسطينيين انفسهم. وان من مصلحة الشعوب العربية ومصلحة الحكومات العربية أيضاً، إخراج الولايات المتحدة الامريكية من بيننا كما أخرجتها أمريكا اللاتينية بالكامل وحتى أوروبا الان تخرج من العباءة الامريكية.
الخيار الثالث: العودة الى خيار الانتفاضة الشعبية
أقرت حركة فتح في مؤتمرها السابع خيار تعزيز المقاومة الشعبية السلمية وتطويرها في المجالات كافة والمضي قدما في العمل عبر المؤسسات والمنظمات والهيئات الدولية لترسيخ دولة فلسطين وحماية حقوقها ومحاسبة إسرائيل على جرائمها. وهذا الخيار عليه اجماع من معظم الفصائل الفلسطينية وخاصة حركتي فتح وحماس الامر الذي سيجعله قابل للتطبيق في حال البدء في تنفيذه ولكن تبقى عقبة لم الشمل الفلسطيني عن طريق المصالحة التي بدأت تخطو خطواتها الأولى عن طريق تمكين حكومة الوفاق في قطاع غزة.
وأصبح هذا الخيار صالحا للتطبيق بعد أن أقدمت أمريكا على فعلتها بالانحياز الكامل لإسرائيل ولم تعد وسيطاً نزيهاً في عملية السلام مما يعفي القيادة الفلسطينية من الالتزام بما يسمى بصفقة القرن والتي كانت ستكون دمارا على القضية الفلسطينية في حال قبولها. بل أزعم بأن الرئيس الأمريكي أعطى فرصة تاريخية للقيادة الفلسطينية كي تتخلص من الوصاية الامريكية وليست الرعاية الامريكية كما كان يشاع، فهي لم تكن راعية للسلام.
وبالرغم من أن هذا الخيار يحتاج الى مشاركة كل الجماهير الفلسطينية بكافة اطيافها وألوانها السياسية والاجتماعية إلا ان هذه الجماهير مازالت تنظر بعين الريبة والخوف وعدم الثقة في القيادة الفلسطينية من انها ستعود ثانية الى ما كان يسمى عملية السلام وتخذل المجهود الشعبي والرسمي في الانتفاضة الشعبية، لذلك يجب على القيادات ان تثبت للجماهير أنها تتبنى خيارهم بأمانة وتقدم كل الدعم اللازم لهم في انتفاضتهم الشعبية حتى دحر الاحتلال وان لا تخذلهم بالعودة ثانية الى استخدام نفس الأدوات السابقة وما اعلنه وزير خارجية فلسطين في القاهرة بعيد اعلان ترامب بأن السلطة الفلسطينية لم تخرج من إطار عملية السلام هو مدعاة للتفكر ويزيد من الشك والريبة لدى الجماهير الفلسطينية عن من سيملى الفراغ ويكون بديلا لامريكا كوسيط للسلام.
ان حركة الشارع هو الرافعة التي يعول عليها لإنقاذ القضية الفلسطينية من الضياع المطلوب من منظمة التحرير هو أن تتحرر من أثار المرحلة السابقة وترفض ما يسمى بصفقة العصر وان ترفض استقبال مبعوثي ترامب وحينها سيتغير كل المشهد وستندلع انتفاضة فلسطينية تقلب كل الموازيين وحينها سيستجدى الإسرائيليين ان يتم تطبيق حل الدولتين.
ويجب الحذر كل الحذر من استخدام السلاح لأنه عند انطلاق اول رصاصة سوف تنسحب الجماهير من الشوارع وحينها سيكون الرد الإسرائيلي مدمرا كما حدث في عام 2002م بما عرف بعملية السور الواقي.
في اعتقادي بأنه مع بدايات العام القادم سيكون قد وصلنا نقطة اللاعودة للخيارات القديمة وسنكون في بداية طريق جديدة وشاقة والتي لن تنتهي في أقل من ثلاث سنوات قادمة لكي نتخلص من الإرث القديم ونبدأ ببناء نظام سياسي جديد يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها ويعيد للشعوب العربية كرامتها التي تم اهدارها في السنوات العجاف السابقة.
بقلم/ د. جهاد ملكه
باحث سياسي ومختص بالشأن الفلسطيني والاسرائيلي