يوميات نصراوي: اول درس في الكرامة

بقلم: نبيل عودة

عندما كنت في الصف السادس طلب أستاذ اللغة العربية من صفنا ان نكتب موضوع إنشاء بمناسبة "10 سنوات على استقلال إسرائيل" وشرح لنا المعلم عن "التطوير والرفاهية وتحسُّن حال العرب، وتقدمهم وتمتعهم بالحرية في دولة إسرائيل .." وغيره من هذا الكلام المقيت والمذلّ.

لكنه "مكره أخاك لا بطل". اذا لم يفعل ذلك قد يفصل من التعليم، كما فصل عشرات المعلمين، ولن يجد عملا ..

كتبت حول الموضوع، لكني كتبت حول اللاجئين الذين شردتهم اسرائيل، عن البلدات التي هُدِّمت، الأراضي التي صودرت وعن الحكم العسكري الارهابي المفروض على العرب.

بعد يومين طلبني المدير .. كان دفتر الإنشاء بيده... يلوّح به ويصفني بأبشع الأوصاف المهينة.

أعترف ان صراخه وتهديده ببطش السلطة أرعبني ..

نشف ريقي وأنا أواجه أمواج غضبه وتهديداته.

وقفت صامتا لا أعرف ما هي جريمتي .. كنت ببداية تفتح وعيي السياسي والوطني... قارئ ومطّلع بحدود إدراكي لواقع نكبة شعبنا .. ظننتُ ان عيناه ستنفجران من الغضب، خاصة عندما اضطرني ان أقول متلعثما والخوف يعصف بي، ما معناه أني مقتنع حتى النخاع باني كتبت الحقيقة.

قلت كما أذكر ما معناه ان ما كتبته ليس من خيالي بل من مواد تنشرها الصحف الشيوعية، فطالت الشيوعيين شتيمة قذرة.  عندها تجرّأت وأصرّرت بصوت لم يتخلّص من الخوف .. ان ما كتبته هو الحقيقة ..  فطالتها المسكينة بنت الكلب أيضا شتائم المدير.

طردني لأسبوع، وطلب ان لا أعود للمدرسة إلا مع والدي "ليعرف كيف ينظف رأسي من الوسخ". أخبرت والدي، ببعض الخوف .. بما حدث وأنا أسيطر على دموعي ان لا تفضح خوفي وشكوكي بصحة ما كتبته. الا ان ردة فعل والدي أعادت لي روحي، أول جملة قالها فورا بعد ان شرحت له جريمتي: "هذا واحد كلب ابن كلب" ثم شتم المدير والدولة التي تشغل عملاء مخابرات، وأغلق منجرته وتوجه للمدرسة وأنا متخوّف ان يقلب المدير غضبه ضدي. كان يرتجف كل الوقت غضبا من كلاب السلطة، مما مدّني بالشجاعة بأني أنا على حقّ وهم خونة .. لكن بقي شيء من الخوف بأن يتأثّر من موقف المدير؟

دخل غرفة المدير غاضبا، وانا محتمٍ وراءه، لوهلة ظن المدير انه غاضب من ابنه العاق. لكنه سرعان ما استوعب ان الأب من صفّ ابنه. لم تساعد كلمات المدير عن "ضياع مستقبل الولد". أجابه "طز في مستقبله إذا كان سيعيش بدون كرامة". فصرخ المدير بوجهي: "نبيل ارجع للصف"!!

فيما بعد فهمت ان المدير كان زلمة سلطة .. وداير قفاه لصبيانها!!

 

نبيل عودة

[email protected]