أَنَاملُكَ عِندمَا لامَست يَدي ..
أَحاطتْ بأصَابعِي عِطراً وَ شَوقاً
آنَستْ قَلبِي الحَزينَ التعبَ
الذي كَانَ كساحلٍ مُوحشٍ
حَولتْ دَمِي إلى فُقاعَاتٍ عِشقِية
مَلأَتنِي ارتِباكاً وَ خَوفاً ..
حَولتْ رَتابتِي المُقلقةَِ
وَ صَمتِي العَنيف
وَ لحظاتِي المَسروقةِ
وَ أُنوثتي الهَاربةِ
إلى قدرٍ حَتمي ..
مِنْ لمْسَتكَ البِكرِ ..
فَتحتَ أَبوابي المُوصدةِ ..
مَفَاتيحِي التي رَمَيتها فِي البَحر الميْت
عَثرَ عَليها الصَيادُ الماهرُ
مَسَحتَ بأصابعِكَ السَاحرةِ
غُبارَ السنواتِ الهَارِبة ..
وَ أَثرتَ الحُلمَ الشَقِي ..
فَتراشقتْ الروحُ بالأمنياتِ
بَعدَ أن كانتْ مُتعبةً مِن مزالقِ الحَياة
أَناملُكَ غَريبةٌ ..لمْ تكنْ عَادِيةً
هِي القَاراتِ الخَمسُ
هِي الفصولُ الأربعةُ ..
البَراري وَ المُحيطاتِ ..
هِي الشِتاءُ المبللُ بالمطرِ
هِي الصَيفُ عَلى سُنبلةٍ في حقلِ رَمادِ
منْها غابَ صَوتُ أَنينُ القَلقِ
وَ رَتَابةُ الأملِ ..
عَادَ الزمنُ بعدَ أَنْ كانَ مُجوفاً كمغَارةٍ
بارتجَافاتِها الخَفيةِ ..
صَنعت الحُبَ المَسروقِ
وَ دَفعتْ الحياةَ إلى حافةِ الوجودِ
رَممتْ كلَ الجروحِ النائمةِ كالبراكينِ
أَعادتنِي مِن المَنفى ..
وَ منحتْ الدمَ لونهُ الحَقِيقي
وَ البَشرةَ نضارتَها وَ عِطرَها ..
أنَاملُكَ المُرتعشةِ
دَارتْ بي الكونَ وَ المَجراتِ
جَالتْ السُهولَ وَ الوديانَ
بِلا تَوقف ..بِلا تَوقف …..
عندما يتسرب الجمال والبهاء وقيم الجمال الكوني من بين بعض النصوص الشعرية ، وتكون عامرة وحبلى ببديع الصور والايحاءات ورشيق الكلمات وجميل العبارات وصدق الاحساس والبوح ، يجد القارىء نفسه مشدودة لارتشاف رحيق الجمال الكامن في خباياها ، وقد عشت هذا الشعور وذقت حلاوة النص وجمالياته وأنا أتجول في حديقة الشاعرة الرقيقة ثناء احمد الغناء ، عاشقة الكلمة الحالمة المسكونة بحب الجمال وعشق الحياة ، التي تنتمي الى النبض الجمالي ، وتمسك بزمام البوح الشعري ، وتعطي لنصها الابداعي كي يتفجر جمالاً وروعة واثارة .
عرفنا ثناء احمد شاعرة رومانسية ووجدانية مرهفة رحبة الخيال ، بارعة ورائعة التعبير والتصوير ، في شعرها رقة وعذوبة وشفافية وتدفق انسيابي ، ومن جميل قصائدها التي لفتت نظري ، وعشت مع كل حرف من حروفها وكل كلمة من كلماتها النابضة بالحب والوجدان والرهافة : " سألته ما بك " و" وصلتني رسالته " و" لم عدت " ، وقصيدتها " أناملك .. حكاية " التي تحملنا بكلماتها الشجية الرقراقة الموحية ، واسلوبها التعبيري المؤثر ، الى عالمها الذاتي الوجداني ، فتهز مشاعرنا وأحاسيسنا الداخلية برعشات مشجية .
وهذه القصيدة تجسد وتعكس اختلاجات شاعرتنا العاطفية والنفسية ، وتتميز بالفاظها الانسيابية المتدافعة التي تتخللها نفحات الروح والحلاوة والطلاوة النابعة من أعماق الوجدان الشفاف باعتبارها ترجمة للنفس الحالمة المحتدمة بتعابيرها واحساسها الجمالي وصدقها العاطغي الوجداني .
ثناء احمد تحلق في سماء الابداع ، وتأتينا بعطر مخيلتها وهمس قصائدها ، وتبث فينا انفاساً جديدة ، كي نستنشق كميات هائلة من هواء الروعة والانبهار ، حيث تأسرنا بتعابيرها وأناقة حروفها وريشتها الآخاذة ، ونصاعة نصها وروحها ، ورشاقة الألفاظ والمعاني والسلاسة والجمال بقالبها وايقاعها الموسيقي الخلاب ، ولغتها بكل حالاتها الوجدانية العميقة .
ثريا احمد تقدم لنا وجبات شهية لذيذة الطعم والنكهة على مائدة الالهام والخلق الشعري ، في نصوص ابداعية تمتاز بالايجاز والتكثيف وهندسة المعاني والتراكيب ، وبساطة الألفاظ واللغة المكثفة الجميلة ، وقدرتها على التعبير ورسم ما يختلج في وجدانها من عواطف جياشة ومشاعر لاهبة دافنة وأشواق عاصفة .
ثريا احمد شاعرة تتعبد في محراب الشعر واللغة ، وقصيدتها التي أمامنا تفيض بالشعرية الحقة ، ومضمخة بالكثير من الاحساس والوجع والألم والفرح الانساني والعشق الوجداني الحسي ، والروح الولهانة التي تنطق بأعذب الكلام وأجمل الايحاءات والايماءات ، من خلال نبرة هادئة راقية تتسلل في ثنايا قصيدتها التي تحفل بالعذوبة الناعمة والحنين المتألم .
ثناء احمد شاعرة تستحق أن تقرأ مما تختزنه هذه التجربة من عمق وتجليات وتوهج روحي وموهبة تحلق في فضاء القصيدة . فلها مني أجمل وأصدق التحيات العابقة بزعتر فلسطين ، وبرتقال يافا الحزين ، ومزيداً من العطاء والابداع المتجدد .
بقلم : شاكر فريد حسن
( كاتب وناقد فلسطيني )