حسناً فعلت الحمراء المتصهينة في الإدارة الإمريكية المتصهينة بالكامل نيكي هايلي عندما قالت بأن أمريكا ستستخدم " الفيتو" ضد القرار المصري الناعم،القرار الذي يعتبر أية قرارات تخص مدينة القدس ووضعها باطلة وليس لها أي أثر قانوني ويجب ان تسحب،وهذا القرار الناعم،عكس حالة النظام الرسمي المتعفن والمتقيح الفمزوع والمرتجف،حيث لم يشر الى امريكا وترامب في القرار بالأسم،وكأن من اتخذ القرار وقام بالفعل كائنات فلكية غير معروفة.
وقاحة هذه الحمراء المتصهينة بلغت حداً غير معقول،فقالت بان امريكا عندما سمحت العام الماضي بتمرير القرار رقم 2334 الصادر عن مجلس الأمن الدولي،بإعتبار الإستيطان غير شرعي في القدس والضفة الغربية،سيشكل وسمة عار في جبين امريكا،وهي لن تكرر إرتكاب مثل هذه الأخطاء،وهي تقول بشكل علني وصوت جهوري،بأن القدس هي عاصمة لدولة الإحتلال منذ ألآلاف السنين ولا يوجد لهم عاصمة غيرها،وان امريكا مع الإستيطان ومواصلته،وقد سبقها لهذا الموقف المتصهين الأكبر،السفير الأمريكي في تل ابيب"ديفيد فريدمان" عندما قال بحق اليهود في الإستيطان في كل بقعة من فلسطين،وان اسرائيل لا تحتل الضفة الغربية،بل هذا إحتلال مزعوم يروج له الفلسطينيون والعرب.
نيكي هايلي بصقت بصقة كبيرة في وجه أصدقائها ممن يسمون انفسهم عرب الإعتدال "الإعتلال"،ولكن لا اعتقد بانهم سيكفون عن القول "حبيبتنا أمريكا" وسيستمرون بالقول "بصق الحبيب زبيب"،فهذا نظام رسمي عربي وصل حد التعفن والتقيح،ولا يمكن إنعاشه بأي طريقة من الطرق،وهو الان يعيش على الأجهزة الصناعية،ولذلك يتوجب على الجماهير ان ترفع هذه الأجهزة عن هذا الحي الميت.
"الفيتو" الأمريكي ليس بالمفاجىء ولا بالجديد،فهذا "الفيتو" رقمه ال 43 الذي تتخذه امريكا ضد شعبنا الفلسطيني وحقوقه الوطنيه،وأمريكا تعلمنا منذ طفولتنا بانها رأس الحية،وانها العدو الرئيسي لكل الشعوب المضطهدة والمظلومة ولكل حركات التحرر والأنظمة الوطنية والتقدمية المعادية للمصالح والأهداف الأمريكية الإستعمارية والإستغلالية في المنطقة والعالم،وهي تغير لون جلدها فقط،ولم تكن في يوم من الأيام منصفة او عادلة لأي قضية تتعارض مع مصالحها واهدافها،فهي ترتكب جرائم حرب وتقتل وتدمر وتنهب وتسرق،وتقف الى جانب انظمة قمعية وديكتاتورية،إذا كان ذلك يخدم مصالحها واهدافها،وهي مستعدة ل"تعهير" كل القوانين والمواثيق الدولية،وإستخدام المعايير المزدوجة والإنتقائية للتعامل فيها،وشعبنا الفلسطيني وقضيتنا وحقوقنا المشروعة ضحايا هذا التعامل والسلوك الأمريكي القائم على البلطجة والتنكر لحقوق لشعبنا وحقه في الحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس،وهي التي أراد ترامب بقراره ان يجعل منها عاصمة لدولة الإحتلال،في وعد جديد يشبه وعد بلفور المشؤوم الذي اعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق..
هذا "الفيتو" بقدر ما هو صفعة لمن يقفون الى جانب امريكا ويناصرونها في عدونها على امتنا وشعوبنا العربية،وفي مقدمتها شعبنا الفلسطيني،ويساهمون في تمويل عدوانها،ويغدقون عليها الأموال بمليارات الدولارات،ويواصلون صخبهم وضجيجهم عن انها وسيط نزيه،ويعبدون طريقهم وخرائط طرقهم نحو التطبيع العلني والشرعي لعلاقاتهم معها،ويعتبرونها ليست عدوة لأمتنا العربية،بل يحرفون الصراع عن أسسه وقواعده من صراع عربي- اسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية الى صراع اسلامي- اسلامي ( سني- شيعي)،بحيث تكون ايران ومن معها من محور المقاومة العربية،هي العدو الرئيسي للأمة العربية ولأمنها وإستقرارها،وهي من ترعى "الإرهاب"،وليست دولة الإحتلال الصهيوني،التي تقتل بدم بارد المقعدين وذوي الإحتياجات الخاصة،كما حصل مع الشهيد أبو ثريا،وتعتدي على الأطفال والنساء.
هذا القرار أقول سيكون بمثابة الخير الذي يأتي من باطن الشر،بالنسبة للمنتفضين من أبناء شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية والإسلامية وكل المعذبين والمضطهدين في الأرض والمكتوين بنار البلطجة والزعرنة الأمريكية،فهذا "الفيتو" من شانه ان يؤجج مشاعر الغضب والصحوة في كل بلادننا العربية والإسلامية،ويجعلها تراجع حساباتها ومواقفها وشكل تحالفاتها وعلاقاتها،فالجماهير العربية والإسلامية المنتفضة،والتي خرجت بعشرات ألآلاف والملايين،تعبر عن مدى التصاقها بقضية القدس،فالقدس ليست مجرد مدينة كأي مدينة اخرى،فهي جوهر القضية الفلسطينية وأحد المرتكزات الرئيسية للبرنامج الوطني الفلسطيني،وهي اليها كان مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومنها كان معراجه،وكذلك فيها قيامة سيدنا عيسى عليه السلام،ولها رمزيتها الدينية والتاريخية والحضارية والتراثية والإنسانية،لكل أمتنا العربية والإسلامية،فلا عرب ولا عروبة بدون القدس،وضياع القدس مقدمة لضياع المدينة المنورة ومكة المكرمة،فمن يدعون بان لهم تاريخ وحضارة في القدس عمرها ثلاثة ألآف عام،يقولون لنا في خيبرلها تاريخ عمره 1500 عام.
نحن لا نجادل بأن هذا القرار يكشف عن مدى وحجم الحقد لهذه الإدارة الأمريكية اليمنية المتطرفة على شعبنا وامتنا العربية والإسلامية،ولكن بعد هذا "الفيتو" الأمريكي ال 43،يجب التخلي عن "الجعجعات" والعنتريات والخطابات والشعارات والبيانات النارية،والقول بان امريكا الشيطان الأكبر او الأصغر،بل لا بد من خطوات عملية وجدية،ترتقي الى مستوى وحجم الجريمة التي ارتكبتها وتواصل أمريكا إرتكابها،في عدوانها المباشر على قدسنا وأقصانا،فبدون ان تدفع امريكا ثمن بلطجتها في المنطقة،لن ترتدع وتتراجع عن قرارها،ولذلك أصبح من العيب جداً ان يستمر الإنقسام يفعل فعله في الجسد الفلسطيني،ولا ينتهي وتستعاد وحدتنا الوطنية ضمن رؤيا واستراتيجية موحدتين،وكذلك يجب ان تحدث القيادة الفلسطينية حالة قطع مع المرحلة السابقة،بعيداً عن التوظيفات التكتيكية،بحيث يجري العمل على الإلغاء التدريجي لأوسلو الكارثة والمترتبات عليه،وبما يشمل مراجعة جدية في العلاقات الأمنية والإقتصادية والسياسية...وتغير دور ووظيفة والتزامات السلطة لكي تكون خادمة للمنظمة والمشروع الوطني،وبما يدفع نحو "إستشهاد" السلطة،كما حدث مع القائد الشهيد ابا عمار وليس حلها.
وكذلك لابد من استمرار وتواصل وتصاعد الفعل الشعبي والجماهيري المؤطر والمنظم فلسطينيا وعربياً وإسلامياً وعلى مستوى الحلفاء والأصدقاء في العالم،من اجل خلق حالة ضاغطة على الأنظمة،لكي ترفع سقف تحديها ومواجهتها للإدارة الأمريكية.
أما على الصعيد العربي والإسلامي،فلا مناص من عقد قمة عربية خاصة بالقدس،تتخذ خطوات عملية ذات بعد استراتيجي،تعيد تجليس الهرم على قاعدته وليس على رأسه،أي بمعنى تحقيق مصالحات عربية – عربية وعربية – إسلامية،والعمل على اغلاق السفارات الأمريكية في الأقطار العربية والإسلامية،سفارة مقابل سفارة،والدول العربية والإسلامية التي لها علاقات مع اسرائيل تقطع علاقاتها وتغلق سفاراتها وتراجع الإتفاقيات مع دولة الإحتلال،وكذلك فرض مقاطعة اقتصادية وتجارية على امريكا،وسحب الودائع والإستثمارات للعديد من الدول العربية والإسلامية من بنوكها ومؤسساتها المصرفية،والإستعاضة في التعاملات التجارية عن الدولار بعملات اخرى.
هنا نستطيع القول بأن الخير سيأتي من باطن الشر،فأمريكا الان مواقفها عارية،كما ظهرت عارية بالأمس في مجلس الأمن،وعلينا ان نزيد عريها وفضحها،لا ستر هذا العري من خلال قيادات مهزومة تبيعنا اوهام،بأن امريكي ما زالت وسيطاً نزيهاً في المفاوضات وما يسمى بالعملية السلمية،فهؤلاء اخطر على امتنا من امريكا نفسها.
بقلم/ راسم عبيدات