حق الإعتراض (فيتو) ودبلوماسية العيب ...؟!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

لم يكن مفاجئاً لنا وللكثيرين أن تقوم سفيرة الولايات المتحدة (نيكي هايلي) يوم 18/12/2017م بالتصويت ضد مشروع القرار العربي في مجلس الأمن والقاضي بإدانة كافة التغييرات التي قامت وتقوم بها سلطات الإحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس بإعتبارها أراضٍ فلسطينية محتلة، كما أكدت على ذلك العديد من القرارات الأممية منذ وقوع مدينة القدس الشرقية تحت الإحتلال الإسرائيلي في السابع من حزيران 1967م، كما يطالب الدول كافة بالإلتزام بعدم الإعتراف بضمها وإعتبارها عاصمة للكيان الإسرائيلي، وعدم نقل سفاراتها أو بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس، وكان مقصد القرار هو رفض الإعلان الأمريكي بهذا الشأن وتوقيع الرئيس ترامب لقرار نقل سفارة بلاده إليها يوم 06/12/2017م، دون نص أو ذكر لإسم الولايات المتحدة في صلب القرار، والذي صيغَ بلغة دبلوماسية راقية وذكية بهدف أن يضمن إجماعاً دولياً من جهة، وأن لا يشكل إحراجاً للولايات المتحدة، ويتيح لها فرصة للتراجع عن ذلك الإعلان والقرار المشؤومين، لكن العنت والصلف الذي تتصف به الدبلوماسية الأمريكية في عهد الرئيس ترامب ونائبه مايك بنس، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والدعم المطلق للكيان الصهيوني في كافة إجراءاته العدوانية وتحديه للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية حالَّ دون تمرير القرار، فقد جاوزت تبريرات السفيرة الأمريكية حدود المعقول في وصف القرار أنه إهانة للولايات المتحدة وتتلفظ بعبارات نابية خارجة عن كل لغة سياسية ودبلوماسية، وتتدنى إلى درجة الصفاقة والوقاحة لتطبق القول (القوي عايب)، ففعلاً باتت الولايات المتحدة تمارس دبلوماسية (الوقاحة والفجاجة والعيب) في شأن التغطية والتبرير للأفعال الإجرامية التي يقوم بها الكيان الصهيوني، والدفاع عنها بل تبنيها ودفعه إلى مزيد من هذه الإجراءات المدانة والمستنكرة من المجتمع الدولي لتعارضها وأبسط قواعد القانون الدولي والإنساني والتي ترتقي إلى درجة جرائم الحرب.

هذا الإعتراض (الفيتو) الأمريكي على مشروع القرار يحمل الرقم (ثلاثة وأربعين) الذي تمارس فيه الولايات المتحدة (حق النقض) الإعتراض منذ العام 1973م، بهدف تعطيل دور مجلس الأمن والأمم المتحدة في شأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتوفير الحماية القانونية للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني وحقوقه، وإدامة الصراع في المنطقة والحيلولة دون إنتقاله إلى منطق التسوية والحَلْ، وبالتالي يؤكد على إستمرار الولايات المتحدة في سياسة التبني الكامل للكيان الصهيوني وإعتداءاته على الشعب الفلسطيني وقضيته، وإسقاط أي أمل في أن تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط أو الراعي الموضوعي لأية جهود فعلية تستهدف إنهاء هذا الصراع المزمن في المنطقة، الذي ضاق به العالم ذرعاً شرقه وغربه.

إن هذا الموقف يضع الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في الصراع، كما يضعها في مواجهة القانون الدولي والشرعية الدولية والإجماع الدولي عندما يؤيد القرار أربعة عشر دولة من أصل خمسة عشر، ولا يصوت ضده سوى الولايات المتحدة منفردة، هذا يؤسس ويُشَرْعِنْ للفلسطينيين وللمجموعة العربية ولبقية دول العالم، أن تواجه هذه المواقف وهذه السياسة المنحازة بمواقف أكثر حزماً وشدة، وأكثر إستنكاراً وشجباً، وتفعيل كافة المفاعيل السياسية والدبلوماسية الدولية للضغط على الولايات المتحدة للتخلي عن هذه السياسات والمواقف والإذعان للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية هِيَّ والكيان الصهيوني على السواء، وذلك بدءاً من التوجه بشكوى مباشرة ضد الولايات المتحدة وضد سياساتها ومواقفها هاته، كما التوجه إلى الجمعية العامة بهذا الشأن للإنعقاد تحت (مبدأ الإتحاد من أجل السلام) لإستصدار القرارات الفاعلة والملزمة للولايات المتحدة للتوقف وللتراجع عن هذه المواقف الإنحيازية من جهة، وردع سياستها القائمة على تعطيل دور الأمم المتحدة وشلِّ فعاليتها في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وجوهره (الفلسطيني الإسرائيلي) من جهة أخرى.

لم تدرك بَعدْ الدبلوماسية الأمريكية المتهورة لغاية الآن خطورة الخطوة التي أقدم عليها الرئيس ترامب، حيث تعتقد أن رَدَّ الفعل الفلسطيني والعربي والدولي ما هو (إلا زوبعة في فنجان) وستعود الأمور إلى الهدوء، وسيقبل الجميع هذه الخطوة، وتصبح واقعاً قد تقتدي به بعض الدول التي تدور في فلك أمريكا، لكن الحقيقة غير ذلك على الإطلاق أولاً فلسطينياً وعربياً، وثانياً دولياً، حيث يتصلب الموقف الفلسطيني والعربي يوماً بعد يوم، وكذلك الموقف الدولي، الذي يشعر بخطورة هذه المواقف وهذه السياسات على الأمن والسلم الدوليين، وبالتالي ضرورة الإنتصار للشرعية والعدالة الدولية، ووقف كافة الإجراءات العدوانية التي يمارسها الكيان الصهيوني، وأساسها إنهاء إحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية على السواء، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، ولذا فإننا ننتظر في الأيام القادمة حراكاً فلسطينياً وعربياً ودولياً نشطاً وفاعلاً في محاصرة الموقف الأمريكي الصهيوني.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس