من الواضح أن بلفور وترامب وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يملكان الجرأة التي تصل لحد الوقاحة، فهذا هو إعلان من لايملك لمن لايستحق.
هذه الإدارة الأمريكية المتطرفة هي الوجه الآخر لحكومة اليمين في إسرائيل، وكأنها تقدم القدس هدية مسلوبة للأخيرة. ليس هذا فقط بل أقرّ مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون ينص على تخفيض ملموس لمساعدات تقدمها الولايات المتحدة للسلطة الوطنية الفلسطينية قدرها 300مليون دولار، إذا لم توقف الأخيرة مساعداتها المالية لأسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين الذين قاموا بعمليات ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
يزهو الرئيس الأمريكي بإعلانه الأخير، متنكراً للتاريخ و للجغرافيا ولقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، صامّاً أذنيه عن النداءات التي أطلقها الحلفاء قبل الأعداء، للعدول عن هكذا خطوة استفزازية تصعيدية لا يحمد عقباها، تطلق رصاصة الرحمة على عملية السلام وحل الدولتين، وهو إعلان كما يصفه المراقبون والمحللون السياسيون يدل على غباء سياسي وانفصال عن الواقع، ويشعل جذوة حرب دينية في الشرق الأوسط قد لا تخمد، كونه سيغذي التطرف والإرهاب، فهاهو السيد ترامب يمهد الطريق ويعطي الأسباب لظهور التنظيمات المتشددة من جديد على الساحة.
أما الاتحاد الأوروبي فقد عارض قرار ترامب، في محاولة للنأي بالنفس عن تداعيات الخطيرة لهكذا قرار لامسؤول .
لكن ماذا عن موقف حلفاء الولايات المتحدة من العرب والمسلمين؟
وهل سيصمون أذانهم ويغلقون عيونهم ويتابعون علاقتهم مع إدارة ترامب كأن شيئاً لم يكن، وكأن القدس هي عاصمة لدولة من أمريكا الجنوبية؟
ترامب سيفي بعهده في القريب العاجل وسينقل السفارة خلال فترة زمنية قصيرة، وإصراره المتعنت سيحرج الكثير من حلفائه في الشرق الأوسط، ويضعهم في موقف لايحسدون عليه لخوفهم من تبعات هذا الإعلان، وردود الفعل الشعبية العارمة التي لا يمكن السيطرة عليها وكبح جماحها مما يضع الشعوب العربية وجهاً لوجه مع إسرائيل و أمريكا و ذيولهم.
إن هذا الإعلان المشؤوم سيضر بمصالح أمريكا قبل أي شيء، ولا يمكن التنبؤ بردة الفعل العربية والإسلامية، فالقدس هي لكل مسلم ولكل مسيحي و لكل عربي، وقد أصدر مسيحيو القدس بياناً يعارضون فيه بشدة ما سيقوم به ترامب.
ومن جهة أخرى تتجه أنظار الفلسطينيين نحو تسريع عملية المصالحة الفلسطينية، و أن يقفز الفرقاء الفلسطينيون فوق الحفر، ويتجاوزون خلافاتهم ويتحملون مسؤولياتهم اتجاه قضيتهم التي هي قضية كل عربي وكل مسلم وكل مسيحي وكل شريف على وجه البسيطة، ورب ضارة نافعة.
إن نقل السفارة إلى القدس يعني مسح لكل جهود السلام، وتكريس الاحتلال، ما هذا الذي تمارسه الدولة العظمى، والذي يجب أن تكون حامية للشرعية الدولية، وكذلك من المفترض في الدولة العظمى تطبيق الشرعية الدولية، وليس العكس.
بدأت الإضرابات في القدس، واندلعت المظاهرات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأراضي 48
وستتوجه القيادة الفلسطينية لمحكمة الجنايات الدولية لرفع الدعاوى ضد دولة الاحتلال الصهيوني
وأتت الدبلوماسية الفلسطينية أكلها .. بعد التصويت في الجمعية العامة
لكن حتماً ستؤتي ردة فعل الشعب الفلسطيني أكلها أيضاً، وترغم ترامب على سحب إعلانه كما أرغمت حليفه نتنياهو الغارق بملفات الفساد والبارع في تصدير الأزمات على إزالة البوابات الإلكترونية.
التحدي الوطني الآن، والواجب والوفاء للقدس والأقصى وكنيسة القيامة، يفترض من جميع الحريصين، خوض المعركة المتواصلة مع الاحتلال، بإفقٍ وطنيٍ كامل يشارك فيه الجميع، وهو مايحصل الساعة في القدس بأبهى صورة، حيث لم تتأخر جموع أهل فلسطين في كل مكان عن تلبية نداء القدس.
وفي الدرس السابق الذي لقنه جموع المسلمين والمسيحيين الفلسطينين للاحتلال في باب الأسباط، أكد على أن العمل الجماهيري الشعبي قادر على تحقيق إنجازات ملموسة.
وهذه النضالات القادمة التي ستأخذ شكل موجات انتفاضية مستمرة، يجب أن تتعزز، وأن تأخذ بعين الاعتبار بأن المعركة طويلة وممضة، ويجب أن تسير الحياة اليومية للناس في فلسطين جنباً إلى جنب مع الصراع ضد الاحتلال، بحيث تندلع موجة انتفاضية تلو أخرى، لإنهاء الإحتلال وإنجاز العودة والحرية والاستقلال والمساواة.
وقبل دلوك الشمس، كل يوم، يكون قد فرغ الشعب الفلسطيني من تشييع شهيد، أو شهيدة، فالشهداء هم الخبر اليومي عن فلسطين، والاحتلال سينهك ولن ينهك أهل فلسطين، والمستقبل لمن يدفع ثمنه بالدم القاني فدية لوطنه.
أوس أبوعطا شاعر وكاتب فلسطيني