لا مجال لمشروعين ....ولا مجال لبرنامجين ....ولا مجال لنظامين ...ولا مجال لوطنيين ....ولكن المجال مفتوحا ومسموحا به .... للاجتهاد والتباين بوجهات النظر ....حول مصالح الوطن العليا .... وبما يتم التوافق عليه ...وإقراره داخل مؤسسات الشرعية الفلسطينية .
المصالحة وطئ صفحة الانقسام الأسود .... خطوة على طريق طويل .... لمعالجة أزماتنا وكوارثنا وتعقيدات المشهد الداخلي الذي نعيش به ....ونأكل من ألامه ...ونشرب من مرارة ...ونتنفس من تلوثه ...وما بداخلنا من حسرة وعذابات يومية .... من خلال مشاهدات مؤلمة وما نستمع اليه من تصريحات .... لم نعد نأخذ بها ولا نبني عليها .... ولا نحدد منهجية فكرنا على أساسها .... لاعتبارات عديدة لها علاقة بعدم ثباتها .... وتعدد منطلقاتها .... وليس أخرا تعدد أهدافها .
المصالحة كما نفهمها ...تعتبر مشروعا واحدا ...ونهجا موحدا .... ومنطلقا واحدا ... لأجل وطن واحد لا وطنيين..... ولأجل برنامج واحد لا برنامجيين ....ولأجل مشروع واحد لا مشروعين
....ولأجل الفلسطينيين وليس غيرهم ..... ولأجل مؤسساتهم وشرعيتهم وليس لغيرها .
الانقسام الأسود وقد حدث ...وعمره قصر الله عمره 11 عام .... لم ينتج عنه أي فائدة تذكر .... ولا يستطيع أحد أن يكتب بمذكراته الشخصية أي انجاز يمكن أن يفخر به ....أو يتفاخر به ....أو يتحدث به مع أبنائه وحتى زوجته وأقاربه وجيرانه ..... وبالتأكيد لا يستطيع الحديث مع أبناء شعبه .... فعلى ماذا سيتحدث ؟!.
اعوام مضت .... فيها من الأوجاع والالام ....كما فيها من المناكفات والتجاذبات ....كما فيها من العذاب والفقر والجوع وبرد الشتاء ...وحرارة الصيف.... سنوات عجاف ..... يعلم الله كم هي قاسية ومريرة ...وكيف عاش الناس فيها مأزقهم وكوارثهم ...بكل الوحل والمستنقع المسمي انقسام ...... والذي فتت البشر ....والحجر .....حتى أنه فتت الانسان عن نفسه .... بحالة انفصام وانفصال ....وتساؤلات تزداد عن حدها ..... لتصل بمراراتها الي حد السؤال ..... ولكن وللأسف الشديد .... فالشكوي لغير الله مذلة .
والسؤال يجب أن يكون لمن يمتلك الحل ؟..... ولمن يمتلك ارادة التغيير .... ولمن يمتلك درجة الاحساس بمعاناة الناس .
المصالحة كلمة أصبح فيها من المرار ....كما فيها من الالام ...كما فيها من اليأس والاحباط .... ما يجعلنا نكفر يهذه المصالحة ....وبهذه المواقف .... التي لم تعبر عن روح المسئولية ...كما لا تعبر عن الاحساس بآلام الناس ومدي حاجتهم ومصاعب واقعهم وكوارثهم التي يعيشون فيها .
كلما نجدد الأمال ...وكلما نقترب من تعزيز الثقة ...وكلما نجد بارقة أمل .... يخرجون علينا بما ليس منا ...وليس فينا..... من تصريحات تشعرنا بأننا عبيد بوطننا ..... وأن الأسياد يريدون المصالحة وفق مقاساتهم وتطلعاتهم ....ومشروعهم ...وبرنامجهم ....أي كل طرف يريد المصالحة بما يتلاءم مع مصالحة وسياساته وأهدافه ..... ولم يوضع الشعب الفلسطيني .... بأي ميزان أو مشروع يمكن أن يشكل منطلقا ....أو دافعا .....أو حافزا .... لكي يتنازل أصحاب المشاريع والبرامج ..... لأجل طفل يجوع ..... ولأجل أم لا تجد غطاء لطفلها .... ولأجل زوج يسير بالشارع مع زوجته وأبنائه وقد طردهم صاحب المنزل لعدم قدرتهم على دفع ايجار المنزل .....هل وصل بنا الحال أن تكون الأسر تبحث عن ماوئ بالشارع ؟؟....وهل وصل بنا الحال لنبش المخلفات للبحث عن الغذاء ؟؟...هل وصل بنا الحال للتسول وانتظار الكابونة ومن يدق علينا الباب اذا ما كان هناك باب بالأساس..... لكي يقدم لنا زاد وطعام .
حياة يائسة وبائسة .....والقادة يعرفون ويدركون..... أن الشعب يموت ببطء.... بل أن الشعب قد دخل غرفة الانعاش .....ويموت موتا سريرا ....من قلة ما بيده ....ومن ازدياد احتياجاته .... شعب يتألم ويعيش أزماته ..... وقادة يصرحون ....وينظرون ويجتمعون ...ويسافرون .....من هنا الي هناك ولا يحسبون ولا يتحاسبون ..... ولكنهم سيحاسبون عند رب كريم .
المصالحة كما نفهمها ....وكما نعرفها .... وكما هي عليه .... بكل الدنيا ولكافة الشعوب التي عاشت خلافات واجتهادات وتباينات .... أنها تصل الي مرحلة السلطة الواحدة ....والحكومة الواحدة ...والقانون الواحد ....الذي يفرض سيادته على الجميع.... فلا أحد فوق القانون ....بل الجميع تحت طائلة القانون .....بما فيها الفصائل ....لأن الفصائل ليست قانون ....وليست فوق القانون .....لأن الأساس والأصل أن الفصائل تتشارك بالمؤسسات التي تصنع القانون.... وتشرف على تنفيذه ...وليست الفصائل التي يمكن أن تتعارض مع القانون وتتجاوز حدوده .
لا يمكن لأي شعب أن يعيش دون نظام ...ودون قانون ...ودون سلطة وحكومة .....لأن عكس ذلك فوضي .... تحرق الأخضر واليابس .... فهل نحن نريدها فوضي ..؟! .
الحديث عن المصالحة يجب أن يكون محدد بنقاط محددة ..... وبعناوين واضحة ومعلومة للجميع .
لأن المصالحة ليست قطار نحمل عليه كافة القضايا والمشاكل والخلافات التي تتواجد عبر عقود.... بعقول كل فصيل ....المصالحة لا تحتمل كافة مشاكلنا ....وأزماتنا ....وكوارثنا .... والا فاننا نريد أن نثقل عليها ....ونحملها بحمل زائد ....أي نريدها أن لا تتحرك ...وأن لا تتقدم ....وأن تبقي على حالها ومكانها .... فهل هذا هو المطلوب ؟! .
المصالحة ونتائجها .... أن ترجع الأمور الي نصابها..... التي كانت عليها ما قبل الانقسام الأسود ....أما اذا كان لدي كل منا مشروعا ....وبرنامجا .... وتطلعات يريد الاستفادة بتحقيقها .... من خلال واقع الانقسام واتمام المصالحة ....فهذا يعني أن نذهب الي بيوتنا وأن لا نعيد الحديث عن شي اسمه المصالحة ....فهل هذا ما نريد ؟! .
أعرف جيدا طبيعة البرامج ....ومنطلقاتها ... وعناوينها ...والياتها ...ووسائلها ....وأقول بكل صراحة ..... أنها لا تجتمع مع بعضها البعض ....بل أنها لا تتوافق مع بعضها البعض ...بل انها تتنافر وتتصارع مع بعضها البعض ...فهل هذا مقبول ..... نحن نعيش في وطن محتل ....ونتعرض لتهديدات مستمرة ....وعلينا من الأخطار التي لا تعد ولا تحصي ....وكل المشاريع والبرامج التي نتحدث عنها لا قيمة لها.... أمام الاخطار والمخاطر المحدقة بنا .....نحن نسير بعكس الطريق ...فاذا كان البعض منا يعتقد أن بامكانه أن يفرض أجندته وبرنامجه وأليته على الجميع ....يكون قد أخطأ .....وهذا لن يصل بنا الي شاطئ الأمان .
كافة شعوب العالم عاشت أزمات وتعقيدات وتشابكات وتدخلات ...... عاشت ظروف قاسية ومريرة ..... وتعاملت بصورة حضارية .... وبفكر مستنير ....وبرؤية شمولية ...تعاطت مع مشاكلها وأزماتها بهدوء تام ....وبأسلوب سياسي ودبلوماسي يعالج الأزمات ويفكفك العقد بصورة متتالية.... وليست بصورة واحدة ..... هذا نموذج .... والنموذج الأخر ان الشعوب التي تواجه مشاكل وتجاذبات وتباينات تتجه الي صناديق الاقتراع وتجري الانتخابات والأغلبية تحكم.... والأقلية تلتزم .... وهناك نموذج ثالث وغير محبذ ويستخدم لدي الشعوب المتخلفة.... وغير المثقفة وهي القتال ما بين القبائل والفصائل ولسنوات ....يموت من يموت ...ويحيا من يحيا ...ويجوع من يجوع ...ويمرض من يمرض ....لتكون الأرض مستباحة وفيها من العورات والثغرات والفقر والجوع .... ما يحتاج الي عقود لاتمام المعالجة ..... وحل الأزمات والكوارث وهذا مرفوض قطعا ونصا وروحا ....
اذا ما هو الطريق الذي يمكن من خلاله أن نفكفك العقد ....وأن نجعل من المشروعيين مشروعا واحدا ....وأن نجعل من البرنامجين برنامجا واحدا ....وأن نجعل من الوطنيين وطنا واحدا ....ومن الحكومتين حكومة واحدة .... ومن القوتين قوة واحدة.... لسلطة واحدة .....لحكومة واحدة ...لقانون واحد ....أليس بالانتخابات العامة..... ما يمكن أن يوفر لنا نتيجة ملزمة لمن يحكم .....ولمن يطرح مشروعه وبرنامجه ....ومن يحدد قيادته ورئاسته ....أليس في هذا حل ديمقراطي نحترم عليه ؟؟...ونخرج من أزمتنا ...كما نخرج من حالة اللف والدوران التي نحن عليها .
أشغلنا العالم معنا ...وخاصة الأشقاء ...كما أشغلنا مصر الشقيقة ...واستقبلتنا بحوارات عديدة ...ووقعنا على أرضها اتفاقيات متعددة ...ذهبنا وأتينا .....وما زلنا نذهب ونأتي من أجل الخروج من المأزق .....الذي نصنعه بأيدينا ....ولنخرج من الجدل الذي نتلذذ عليه .....ولنخرج من هذه الحالة البائسة التي وصلنا اليها .
حقيقة لا أحد يحق له سرقة حياتنا ....ومستقبل أجيالنا ....لا أحد يحق له أن يسرق بسمة أطفالنا التي غابت .....لا أحد يحق له أن يحكم علينا بالعيش في ظل الأمراض المتفشية والفقر الذي يزداد ..... والالام التي وصلت الي الحد الذي لم يعد يحتمل .
يبدو أن قياداتنا لا يصلها حال الناس ....ولا يصلها احساس الناس....ولا يصلها ما بداخل الأسر من ألام ومعاناة ....لا يصلها معاناة أجيال بكاملها ...وخريجين بعشرات الالاف ....وعاطلين بعشرات الالاف ....ومرضي بعشرات الالاف .
ماذا نقول أكثر من ذلك..... وفي القول الكثير مما لا يمكن كتابته ....ومما لا يمكن قوله لحساسيته ...وعدم قدرتنا على البوح به لأنه مؤلم ....ومخزي .... وعار علينا .
فالأمور لم تعد عبارة عن مشاريع وبرامج ومواقف ..... وأساليب ...ووسائل .... الأمر أكبر من ذلك بكثير ....الأمر ذات علاقة بشعب ...شعب يتألم بصمت .... ويصرخ بكبت .... ويريد اسماع صوته .... لمن يريدون الاستماع .... ولمن يريدون أن يشعروا باحساسه .... ولمن يريدون أن يشعروا باحتياجاته .
يا سادة ...يا قادة .....وحتى تكونوا قادة ...وحتى تكونوا سادة ....يجب أن تخدموا شعبكم ...وأن تقدموا له احتياجاته ...وإلا فأنتم لستم بقادة ....ولن تكونوا سادة .
الكاتب : وفيق زنداح