من الذي يحكم مقاطعة العار في رام الله

بقلم: زهير الشاعر

لا شك بأن الأحداث الأخيرة متسارعة ومتقاطعة ، والجميع بات يبحث عن مأمن في ظل المؤشرات الكبيرة التي تتحدث عن اقتراب نهاية منظومة محمود عباس التي باتت تعاني الوهن والعجز والصراع الداخلي، وانفضح أمرها المتواطئ بشكل لا يقبل التفسير أو التأويل ، كما أنه بات معروفاً لكل أطياف الشعب الفلسطيني بأنها هي المعطل الرئيسي لموضوع المصالحة وهي الأكثر حرصاً على استمرار الانقسام بين شطري الوطن، وذلك بهدف تمرير ما لم يكن يقبله الشعب الفلسطيني من قبل، مما يخلق تساؤلات مهمة عن جهات الاستفادة من ذلك ولماذا؟، وما هي أبعاد ذلك؟.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الفرنسي مؤخراً في باريس ، أعاد تكرار الأسطوانة المشروخة التي باتت تمثل الورقة الأخيرة الرابحة في يديه، وهي بأنه سيعمل على تنفيذ المصالحة الفلسطينية ولا يتوقف عند الصغائر، منوهاً ضمنياً بأنه سيتنازل عن شروطه التعجيزية التي كان يختلقها كل مرة أمام نجاح هذه المصالحة بهدف تعطيلها وإشغال الرأي العام فيها بعيداً عن ما يتم تمريره، وكان أخر ذلك تمرير مصيبة ضياع القدس.
يقول سفرائه اليوم بأنه صادق بالفعل بهذا التوجه، ولكن عندما تحدثنا معهم إليهم بلغة أكثر وضوحاً وواقعية وسألناهم عن ما الذي يمنعه من تنفيذ ذلك فوراً من خلال اتخاذه إجراءات عملية وواقعية إن كان بالفعل صادقاً كما تدعون ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، تحديد موعد للذهاب إلى قطاع غزة فوراً يُلجم من خلالها من استولوا على حكم غزة ، وإصدار مراسيم رئاسية ملزمة بتحديد موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية والبرلمانية بالتوازي مع تشكيل حكومة وحدة وطنية مصغرة لتسيير الأعمال لفترة لا تتجاوز ستة أشهر ، والبدء الفوري بإعادة الحقوق لأصحابها كاملة وغير منقوصة ، وإلغاء سياسة الإقصاء بشكل جذري وكامل ، وفتح ملفات الفاسدين الذين تاجروا بالوطن وأهدروا مقدراته طوال المرحلة الماضية وفتح ملفات الصندوق القومي ووزارة الخارجية بالتحديد وما يشوبهما من شبهات أساءت للكل الفلسطيني وتركت حفنة من المرتزقة واللصوص يعبثون به وبمقدراته وبمستقبل أبنائه، لا بل البحث في أسباب العمل على تجويعهم وإذلال الشرفاء منهم بهدف تركعيهم وتسهيل إسقاطهم.
وإن أراد الترشح مرة أخرى للرئاسة فليكن ذلك، أما أن يحتكر عقول الناس ويستغبي تفكيرهم ويحتقر تطلعاتهم ويتدخل بسلوكياته في صغائر الأمور، وينتقل بهم كل مرةٍ من حفرة لحفرة أخرى جديدة وكأنه يمتلك رفاهية اللعب بمستقبلهم، للتغطية على فشل سياساته، من خلال إيقاعهم فيها حتى يشغلهم بهمومها ويصرفهم عن محاسبة منظومته، فهذا عبث بحد ذاته، لأنه ومنظومته منتهي الولاية ولم يعد يتمتع بأي شرعية، وهو الآن بحكم مغتصب السلطة، بل هو بات يحتمي فقط بعباءة الاحتلال للحفاظ على بقاء سلطته ومنظومته، وبالتالي هذا يعني أنه متواطئ بالفعل، ويعمل على تدمير القضية الفلسطينية بكاملها.
حينها ينهي هؤلاء السفراء الحديث ولكن حال ألسنتهم تقول نعرف ذلك ولكننا عاجزين عن قول هذه الحقيقة.
إذا هذا يجعلنا نبحث في أسباب ذلك حتى نعرف لماذا تغيرت مكانة المقاطعة في عقل المواطن الفلسطيني في ظل حكم محمود عباس من مكانتها الرمزية النضالية التي اتخذتها في عهد الراحل ياسر عرفات إلى مكانة مشبوهة تحمل العار والقمع والترهيب والتجويع، حيث يُحاك فيها المؤامرة ضد أبناء الشعب الفلسطيني ويتم فيها إهدار مقوماته من خلال السيطرة الكاملة على كل مفاصل القوة والنفوذ في السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية.
فمثلاً وحسب المعلومات المتوفرة من الذين يزورون هذه المقاطعة، بأن هناك أقطاب السطوة الذين يتحكمون بكل شاردة وواردة في هذه المقاطعة ومنهم أسماء معروفة وظيفتها ممارسة الإرهاب الفكري والإنساني وتجيير كل ما يمكن أن يخدم مصالحهم، وكأن هذا المكان أصبح شركة استثمارية بحتة تقوم بمتابعة استثماراتها الداخلية والخارجية من خلال زراعة أذرع مشبوهة لها في كل المؤسسات الوطنية الداخلية والخارجية بغض النظر عن مصلحة الوطن.
فكان من نتائج ذلك تسهيل بيع أراض في مدينة القدس والحصول على سمسرة بملايين الدولارات ، كما أن المالية العسكرية التي تتحكم بها مؤسسة مكتب الرئيس وما تملكه من أموال ضخمة يتم تجيير الاستفادة منها لأذرع هذه المنظومة التي بات يغلب عليها طابع الحكم العائلي بدلاً من الحكم المؤسساتي، وذلك بعيداً عن الرقابة والمحاسبة، كما أن مالية فتح خارج الوطن يسيطر عليها رجل بعيد عن الأضواء وهي بعيدة بطبيعة الحال عن الرقابة والمحاسبة أيضاً ، حيث يتم تجييرها في خدمة الاستثمارات الفردية ضمن حالات متقاطعة المصالح.
أيضاً هناك أسماء تتمتع بالسلطة والنفوذ في هذه المنظومة وتعمل ما تشاء ووقتما تشاء وكيفما تشاء بدون حسيب ولا رقيب ، أسماء تجدها في التعاطي الفردي صاحبة أخلاق وذوق رفيع، ولكنها في الواقع شديدة القسوة والسطوة والنفوذ في التعاطي مع الشأن الداخلي، وتعمل كل ما في وسعها للتحريض على بقاء الوضع كما هو بدون تحريكه قيد أنملة، حتى لا يفقدوا ما يتمتعون به من مزايا وسلطة ونفوذ وما يترتب على ذلك من حصول على المال بدون حساب، لتضخيم ثرواتهم على حساب آلام وأوجاع أبناء شعبهم، ويحاربون كل من هو من خارج سطوتهم بكل همجية وقسوة وبدون أي وازع ضمير، إلى جانب إدراكهم بأن بقائهم في الوطن وقتي ويتلازم مع بقاء منظومة محمود عباس ، وحساباتهم في البنوك خارج الوطن متضخمة ، ولكن أغرب هؤلاء هي السيدة صاحبة القبضة الحديدة ، والتي عليها ما عليها وأنصحها في هذا المقام أن تلم نفسها وتبعد عما لا يعنيها ، بدلاً من أن نضطر لفتح ملفها على مصراعيه بما يزعجها ويزعجها جداً!.
لذلك أستطيع القول بأن محمود عباس بات رئيس فخري يعشق الطائرة ويعشق الاستقبالات البروتوكولية ولا يملك من قراره شئ ، وهناك من يقود مؤسسته ويحركها ويضمن له بقائها بشكلها القمعي البشع القائم، بالرغم من فشلها وبالرغم من إهدار مقومات الوطن في عهده، وبالرغم من ضياع القدس مدينة السلام ودرة التاج بالنسبة للشعب الفلسطيني، وذلك في أخر مطاف سلوكيات منظومته المتواطئة والقمعية والهمجية !.
أخيراً، هذا للأسف هو حال هذه المقاطعة التي كانت تمثل يوماً ما رمزاً لصمود شعب وقائده لتصبح اليوم مزاراً لرجال أعمال يعلمون على إتمام صفقات استثمارية مستقبلية بينهم وبين حكامها الفعليين الذين باتوا يستغلون كل دقيقة من تواجدهم فيها من أجل مصالحهم لتصبح مقاطعة العار بدلاً من مركز وطني للقرار!.
تنويه على الهامش : أخي وصديقي اللواء جبريل الرجوب وأنا لا زلت اراكم كبيراً ، واعرف أنكم لا تقبلون السقوط في مستنقع الصغائر، حيث أنه من المعيب تكرار مقولة أنكم كسلطة ، كنتم ولا زلتم تعملون طوال 11 عاماً كصرافٍ آلي لغزة ، لأن غزة كما تعلمون ويعلم الجميع هي شريكة في المشروع الوطني شئتم أم أبيتم، وليس متسولة أو لقيطة أو أنكم تمنون عليها وعلى أبنائها، كما تريدون أن تصورونها ، بالرغم من أن منظومة الرئيس محمود عباس هي جزء من ظلمها وظلم أبنائها وعملت على تجويع أطفالها وهدر مستقبل شبابها، كما أن غزة تمثل القلب الوطني النابض الذي يجعل الدول المانحة تدفع مستحقاتها لتذهب لخزينة السلطة لإقامة المشاريع باسمها وفي غير مكانها.
وبالتالي إن كنتم تجدون بأنكم اصبحتم تلعبون دور صرافٍ آلي بعد حالة الشبع التي وصلتم إليها، ومصرين على ذلك ، ففي تقديري بأنه بات على غزة أن تقوم بالجواب فوراً ، وتسحب البساط من تحت أرجلكم وترفض مصالحتكم وتعلن الانسحاب من مشروعكم ، وتترككم تغرقون لوحدكم في وحل صراعاتكم ومشاكلكم، والبدء الفوري بتشكيل حكومة تدير شؤون قطاع غزة من شخصيات مستقلة تتمتع بعلاقات دولية وتعلن تحديد موعد الانتخابات العامة ، حتى تعيشون أزمة وطنية حقيقية وتعرفون حينها أنتم وغيركم من هي غزة ومن أنتم بدونها ولذلك تلتحقون بالمشروع الوطني كاملاً وبشراكةٍ كاملة لا تقبل مبدأ التبعية بين أيٍ من شقي الوطن!.
ولذلك بات الاعتذار منكم واجباً لغزة ولأهلها ، والتعهد عن عدم تكرار مثل هذه الأقوال الرخيصة والكف عنها فوراً ، والبحث عوضاً عن ذلك عن المتورطين بإهدار مقدرات الوطن، والفشلة الذين أضاعوه وتفردوا بمنظمة التحرير الفلسطينية ولا زالوا يعملون بصمت ليل نهار على ذلك بعيداً عن المحاسبة والرقابة القانونية ، وفرغوا مؤسساتها من أبناء قطاع غزة بطريقة عنصرية بغيضة ووضيعة بهدف ضمان إستمرار السيطرة على مقدراتها مستقبلاً وتجييرها لأفراد تتقاطع مصالحهم، وليس لمؤسسات وطنية، لا بل عقد الصفقات على حساب هموم وأوجاع المواطن الفلسطيني بعيداً عن أعين الرقابة ، وليس ببعيد عن ذلك ما يحصل هذه الأيام في مستشفى فلسطين في القاهرة!...... غزة تحتاج اليوم لمواقف رجال وطنيين لإعادة البسمة لأبنائها ونسائها وإنقاذ أطفالها من الضياع، ومرضاها من الموت ، بدلاً من الاستمرار في النظرة الفوقية اتجاهها وتحقير آلامها وأوجاعها من خلال مخاطبتها بلغة مشوشة لا تليق بصمود وتضحيات وصبر أهلها!.

م . زهير الشاعر