الشعب الفلسطيني ... سكان قطاع غزة بصورة خاصة ومتميزة عن غيرهم ... يحاولون تبسيط مطالبهم ... والى الحد والمستوى الذي يمكن فهمه وتنفيذه دون كلفة عالية ... ودون جهد كبير .
ان تطوى صفحة الانقسام الأسود ... الذي ولد لديهم أزمات وكوارث متفاقمة تزداد بحدتها وضراوتها على مدار اللحظة .
سكان القطاع وحتى تكون رسالتهم واضحة ومعلومة ومحددة بنقاط ومطالب ... يمكن اختصارها بالتالي :-
اولا:- ان يعيش الشعب بحرية وكرامة وبقدرة بحدها الادنى لتلبية احتياجاته من خلال دخل محدود ... ومقدرة كل شخص على الحياة الكريمه .
ثانيا :- ان نساعد الناس على انهاء حالة البطالة المتزايده وانعكاساتها السلبية واثارها المدمرة من خلال مشروعات وشركات او وظائف عمومية او أي مخرج يمكن ان يكون متاحا لتشغيل عشرات الالاف من الخريجين اللذين يجلسون بمنازلهم في ظل ضيق احوالهم ومصاعب اسرهم .
ثالثا :- الرعاية الاجتماعيه والصحية والنفسية وان يكون هناك فعل مخطط لايجاد بارقة أمل لاجيال متتابعه وصل بها الحال الى حد المرض وهم في ريعان شبابهم .
رابعا :- أن تتم مساعدة من يعملون بأعمال حرة وتجارة خاصة وصناعة يدوية ومهن متعددة ... وان تفتح الافاق امامهم للعمل والرزق وتلبية الاحتياجات الخاصة والاسرية ... في ظل ازمات مالية وخسائر متتالية اوصلت الكثير منهم الى مشاكل قانونية واحكام لا يستطيعون ان يوفروا الحل الادنى لامكانية حل مشاكلهم .
خامسا :- ان تتعزز الامال وتزداد الثقة ... وان يزول الاحباط واليأس وان يشعر المواطن ان هناك من يخاف عليه ... ومن يتحمل مسئوليته ... ومن يسهر على راحته وان يشعر المواطن بأنه ليس وحده في عالم مظلم .
سادسا :- ان تتوفر للمواطن الحريات العامة والخاصة بما فيها حرية الرأي والحركة وان لا يشعر بالقيد داخل سجن كبير .
سابعا :- ان يشعر المواطن انه في ظل نظام وقانون يسري على الجميع .
ثامنا :- ان يتأكد المواطن من عدم استغلال المناصب وانهاء مظاهر الفساد والابتزاز واي شكل من اشكال الفلتان الامني والاخلاقي حتى يعيش الجميع باستقرار وامان واطمئنان .
تاسعا :- ان تستكمل المصالحة المجتمعيه بكافة تفاصيلها والتزاماتها .
عاشرا :- ان يطبق القانون واحكامه باعتباره منظما لكافة العلاقات الخاصة والعامة وان لا يسمح باختراقه من خلال سطوة القوة والنفوذ .
يعني الناس لا تحتاج الى الكثير ... وهناك من التفاصيل التي لا تريد الناس الاستماع اليها ... ولا تريد معرفتها ولا تريد الخوض فيها ... وعلى الاطراف المتحاورة ان تأخذ وقتها وبالطريقة التي تراها ... وبالمدة الزمنية التي تتمناها حتى يصلوا الى توافقهم ... او وحدتهم ... او مصالحتهم ... بحسب مصالحهم ... او برامج كلا منهم .. وان يتقاسموا ما سوف يتبقى لهم .
لا اعتقد ان المتحاورين يصعب عليهم مطالب الناس ... بل المؤكد ان الصعوبة تكمن بمطالب كل منهم .. وهذا شأنهم وما يخصهم ... وليس للناس أي علاقة بمصالح تنظيمية .... وبرامج استيراتيجية ... واساليب كفاحية .
الناس ببساطة حالها ... وصعوبات وتعقيدات حياتها تحتاج الى اختصار مطالبها واختزالها بأمور اجتماعيه اقتصادية قانونية ذات علاقة خاصة بالانسان بحد ذاته واسرته وعائلته ... دخله ومستوى اطمئنانه ... ثقته واماله .... أي انها بمجملها امور انسانية تحتاج الى نظام وقانون يستطيع ان يلبي للناس احتياجاتها ويوفر لكل مواطن نسبة مرضيه من الامان الاجتماعي والاقتصادي والصحي وحرية معقولة ومقبولة للسفر والتحرك .
ان يشعر المواطن ان هناك من يسأل عنه .. ومن يخاف عليه ومن يتابع شؤونه ... وان يعالج مشاكله ومصاعب حياته .
يعني كلها امور وقضايا لا خلاف عليها بين حركتي فتح وحماس وباقي الشهود والمشاهدين من الفصائل .
طالما كانت الامور بهذه السهولة ... وباعتبارها متاحة وممكنة من خلال مساعدات من هنا او هناك ...ودعم اقتصادي من هنا او هناك ... وان احتياجات الناس يمكن ان تتوفر من عمل ومأوى ومسكن ومأكل ... أي انها بمجملها في اطار حقوق الانسان المعمول بها بكافة الدول والمجتمعات ... وهي ليست محل خلاف .
الناس بطبيعتهم لا يسألون عما تتحدث به الفصائل حول برامجها وحول قضايا كل فصيل وما يطالب به ... وما يسعى لتحقيقه ... فالناس لا تحتاج الى مصاعب اضافيه ... ولا تحتمل الاستماع الى مطالب اضافيه ... لكنها تكتفي ببساطتها وعفويتها للمطالبة باحتياجاتها ... و ضرورات حياتها .. هذا لا يعني بالمطلق ان الناس تعيش لتأكل وتنام وتعمل ... وانها دون مشروع ... ودون مستقبل منشود ... ودون دولة يسعون الى تحقيقها .
الناس بطبيعتهم لديهم مخزون وطني يفوق كل تصور... لكنهم اقحموا ... وادخلوا في خلاط كبير ...وفي تعقيدات لا حدود لها ... وفي ظروف حياتيه يصعب تحملها ... وفي احتياجات ملحة لا توجد حلول لها ... وفي بطالة لابناءهم بعد سنوات عمرهم وما تم تكلفتهم من اموالهم لتعليمهم وحصولهم على درجات علمية لاجل بناء مستقبلهم وتوفير مستلزمات حياتهم ... الا ان هذا لم يحصل للنسبة الاكبر الذين يجلسون على مقاعدهم وداخل منازلهم ... ويتحدثون مع انفسهم ... او عبر التكنولوجيا المتاحة التي تفتح لهم افاق الحديث ... لكنها بذات الوقت تعكر عليهم حياتهم ... وتزيد من همومهم ... لانهم لا يجدون بارقة أمل يمكن ان يتحركوا من خلالها لتنفيذ ما يتمنون .... وما يطمحون لتحقيقه ... وما يأمله الاهل منهم ... في ظل انسداد افق حياتهم وعدم توفر فرص العمل وحتى الابداع والابتكار في ظل مجتمع مجمد بكافة تفاصيله ومكوناته ... مجتمع يفتقد للكهرباء .. وللماء الصالح للشرب ... وحتى للرقابة والاشراف على الكثير من التفاصيل الحياتية ؟
اذا اين المشكلة في المصالحة ؟! طالما ان مطالب الناس انسانية اقتصادية اجتماعيه صحية ... أي انها تختصر بحقوق الانسان .
فهل الانقسام قد حدث لاجل حقوق الانسان ؟! ام حدث لاجل مصالح تنظيميه وبرامجيه وتدخلات خارجية ... واحتهادات عقائدية وغيرها من الاسباب التي لا علاقة للمواطن بها ... بل تبقى بدائرة اختصاص هذا التنظيم او ذاك .
وهذا ليس محاولة للفصل ما بين الفصيل والناس ... لكنها محاولة جادة للنظر لهموم وقضايا الناس في ظل ان هذا الفصيل او ذاك قادرين على حل وتوفير متطلباتهم ... لكن الناس لا يتوفر لها ما يتوفر للفصائل .
الناس تعيش همومها ومتطلباتها بصمت ... وبصوت خافت ... وبالام بداخلهم تزداد عليهم ... في ظل مصاعب وتحديات لا زالت تضغط على ظروفهم وخصوصياتهم ... فأين الفصائل من كل هذا الكلام ؟! .
شماعة المصالحة ... تحمل بكل ما سبق سرده .. ولا نعرف مدى تحملها ومدى امكانية ان توفر حلولا جذرية لكل ما تم طرحه .
ما يعقد المشهد السياسي الداخلي جملة التصريحات ... كلا يصرح بما يراه ملائما ومناسبا بحسب وجهة نظره ... ولسنا على قلب رجل واحد .... والكل يريد الحديث عن المصالحة بحسب مفهومه واهدافه ... ليبقى السؤال ملحا ... هل حقا الجميع يريد تحقيق المصالحة ؟! وهل حقا الجميع يريد دولة ؟! وهل الجميع حقا يريد قانون ونظام والتزام ؟!
علينا بالبحث والتدقيق حول تعبئة تنظيمية تختلف بمنطلقاتها وبنتائجها ... عما يطالب به عامة الناس .
الناس بطبيعتهم وعفويتهم وطيبتهم ومحبتهم وانتمائهم لوطنهم .. يذهبون بأرجلهم وبصدورهم العارية دون خوف من الموت .. برغم احتياجاتهم المتزايده ... وظروفهم القاسية ... وامكانياتهم الضعيفة ... لكن ما يحركهم اقوى بكثير مما في جيوبهم ... ومما يأكلون ويشربون بقليله .. لانهم بطبيعتهم يشعرون بوطنهم بصورة تلقائية ... وبصورة طبيعيه ... ولا يحتاجون الى من يحركهم او من يقول لهم .
الناس في هذا القطاع والذي يبلغ تعدادهم 2 مليون فلسطيني لا يحاولون التنظير وفلسفة الامور ... واطلاق الشعارات ... وابراز البطولات ... انهم يقدمون مقترحاتهم الانسانية بكل بساطتها وعفويتها ... لمن يمتلكون قرار الحل .
فالتشخيص للحالة ربما يسهل الحديث فيه ... بل يستطيع كلا منا ان يتحدث بطريقته وبأسلوبه .... وبمفرداته التي يجد فيها تعبيرا عما بداخله ... لكن الاهم من كل ذلك ... من يمتلك قرار انقاذ الناس ... وتلبية احتياجاتهم وتخفيف الاعباء عنهم .
عندما نطرح هذا السؤال ... الجميع يتراجع ... لكن الاغلبية العظمى تمتلك قدرة الكلام على تحميل المسؤولية ... دون ان يقدم أي متحدث حلا عمليا ... او خطوة ملموسة ... يمكن ان تحل مشكلة صغيرة لفرد او اسرة او لمريض ... او لحالة انسانية تصعبت عليها الحياة .
نتحدث بالقشور وبظواهر الامور... ونبتعد عن مضمون الحديث والحلول .
السنا بحاجة الي صحوة وضمير ... وارادة يمكن ان تدفعنا الي حيث المصالحة الحقيقية ... وان نترك وندير الظهر لعواصم المصالح التي تخطط وتدبر لتحقيق اهدافها من خلالنا .. وعلى حسابنا؟! .
علينا بالتوجه الى عنوان واحد ووحيد .. القاهرة عنواننا .... وقبلة مصالحتنا ... والحريصة علينا .. والتي يجب الالتزام معها ومن خلالها ... حتى نخرج من النفق الاسود ... والواقع المظلم ... وما يتهددنا من مخاطر واخطار قائمة ... والقادم منها اكثر ... هل وصلت الرسالة ؟
بقلم/ وفيق زنداح