نميمة البلد: الرئيس أبو مازن وعرقلة التغييب

بقلم: جهاد حرب

الانباء المتواترة في وسائل الاعلام الإسرائيلية المتعلقة بفرض أو الدعوة الى انتاج قيادةٍ جديدةٍ أو شابةٍ بطلب أمريكي أو برغبة من بعض الاطراف. قد تكون صحيحة أو قريبة من ذلك بعد الموقف الذي اتخذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مواجهة القرار الأمريكي الخاص بمدينة القدس، والذي اعتبره "البعض الخارجي" غير متوقع أو انه مفاجئ في ظل جميع محاولات دول المنطقة التقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سنة الأولى للحكم سواء كان ذلك تزلفا أو محاولة لاجتناب الشرور القادمة منه.

في ظني أن أي زعيم فلسطيني لن يستطع أو ممكن له أو قادر على استيعاب أو تمرير قرارا من هذا النوع أو بهذا حجم لتأثيراته السياسية من جهة، ورمزية المدينة الدينية والسياسية من جهة ثانية. وبغض النظر عن عظيم سوء هذا القرار لكن الرئيس الأمريكي دون أن يدري أثار ثلاثة أمور هامة؛ الأول: أنه أعاد القضية الفلسطينية الى صدارة جدول اعمال المجتمع الدولي بعد غياب بسبب الصراعات والحروب الاهلية في المنطقة ومسألة الإرهاب والأزمات الإقليمية الأخرى كأزمة العلاقات الخليجية أو بناء تحالف دولي لمواجهة إيران "وأدواتها" كما يرغب الرئيس الأمريكي قوله. والثاني: أعاد للرئيس الفلسطيني "أبو مازن" شعبيته أو قوته الجماهيرية بعد خطاب التحدي في إسطنبول، في الوقت الذي كان في أسوء حالته الشعبية وفقا لاستطلاعات الرأي العام، كزعيم وطني يدافع عن المقدسات ورموز السيادة والدولة "القدس".

أما الامر الثالث: فقد "خربط" ترامب بقراره هذا أحلامه بالتحالف ضد إيران أو إقامة حرب في المنطقة لتكسير القوة العسكرية للقوى الإقليمية المتبقية "السعودية وإيران" بالإضافة الى خسارة دول الخليج لرفاهيتها ومدخراتها ومستقبل ثرواتها، وهي خسارة بكل تأكيد للقضية الفلسطينية لو حصلت هكذا حرب، في المقابل انتصار لعدو العرب الإيرانيين معا "إسرائيل".   

وعودة على بدء، الأخبار المتواترة حول تغيير القيادة، هذه النبرة أو طبيعة الاخبار تأتي عندما تجد إسرائيل والولايات المتحدة انهما غير قادرتين على تمرير سياستها وأهدافها أو إخضاع الشعب الفلسطيني وقيادته سواء عن طريق الابتزاز أو القوة، ففي المرة الفارطة ظهرت في زمن جورج بوش الابن وخطة خارطة الطريق ورحلة البحث عن قيادة جديدة. وتأتي هذه المرة لنفس الأسباب. وفي ظني أن الإدارة الامريكية الحالية تؤمن كما يرى اليمين الإسرائيلي كذلك أن "الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت" في تمشي فاشي ونظرة استعمارية استعلائية.

تُوقِعُ أوهام أدوات الحكم الخارجي الإدارة الأمريكية واليمين الإسرائيلي الحاكم ومن يعتقد بإمكانية خلط الاوراق الفلسطينية في مشكلتين رئيسيتين تتعلقان بـ ؛ الأولى: في فهم آليات اختيار الزعيم الفلسطيني. والثانية: في الثقافة السياسية للفلسطينيين ومؤسساتهم الحاكمة في أوقات الأزمة أو التحدي.

في الامر الثاني، تفيد التجربة الاولى لعملية الانتقال للسلطة بعد الرئيس ياسر عرفات عام 2004، أن المؤسسات الدستورية الفلسطينية الضعيفة استطاعت أن تتحمل هزة كبيرة من هذا النوع بالاحتكام للقانون الأساسي وإعلاء سيادة القانون والخضوع لمبدأ الانتخاب لإنتاج القيادة كخيار وحيد. وهي بهذه، أنها أسست لمعايير غير قابلة للتراجع على الاقل لدى النخب السياسية الفلسطينية. ناهك عن الثقافة الشعبية المناهضة للحكومة الأمريكية ليست المنحازة فقط للاحتلال الاسرائيلي بل الشريكة معه الامر الذي يعزز قوة الرئيس اليوم في أوساط شعبه بغض النظر عن الوضع الحالي الأكثر تعقيدا الناجم عن الانقسام الداخلي.

أما الامر الأول "المتعلق بآليات انتاج القيادة فهي محكومة بآليات محددة. وفي ظني أن المؤسسة قادرة على تجنب الفوضى الداخلية أو إمكانية الخضوع لإملاءات خارجية. هذا الامر لا يعني استلاما للقدر "عنجهية الامبريالية الامريكية" بقدر ما يحتاج الى تقوية الوضع الفلسطيني بإعادة النظر في آليات الحكم وتوسيع المشاركة الشعبية واحترام الحقوق ودفع الحريات قدما بالتراجع عن جميع القرارات أو الإجراءات القاضمة للحرية في البلاد، وهي وحدها "الشعوب الحرة" قادرة على عرقلة التغييب أو محاولة التغييب.   

جهاد حرب