تحركات أردوغان وفزاعة الأمن القومي العربي !

بقلم: جبريل عودة

تركيا تهدد الأمن القومي العربي , يأتي هذا الإتهام كعنوان رئيسي في الصحافة العربية , وذلك بعد الجولة الأفريقية الناجحة للرئيس الطيب أردوغان , إتفاقيات إقتصادية وتنموية وبرتوكلات عسكرية ومواثيق تعاون مشترك , تم عقدها في السودان وتشاد وتونس , كان أبرزها إعادة ترميم وبناء جزيرة سواكن السودانية , والتي كانت تشكل قاعدة عسكرية للخلافة العثمانية في أفريقيا .
لا يخفى على أحد أن النظام العربي الرسمي ,لا يملك رؤية للتخطيط الإستراتيجي السياسي أو الأمني أو الإقتصادي, وفاقد الشئ لا يعطيه , حتى أن المؤسسات الجامعة للأنظمة العربية الرسمية , لا تملك سياسات موحدة في قضايا مشتركة أو مركزية في أهميتها للأمة العربية , فلكل دولة رؤية مستقلة وقراءة خاصة , لكافة الأحداث والتطورات السياسية الجارية , وأغلب هذه المواقف لا تخرج عن إطار التبعية للإدارة الأمريكية وسياساتها المرسومة للمنطقة , فلا عجب أن ترى الأنظمة الرسمية تعترف بشرعية الإحتلال وفقاً للمبادرة العربية للسلام , دون النظر لحقيقة الكيان الصهيوني باعتباره خنجراً في خاصرة الأمة العربية , بل ويضرب في صميم منظومة الأمن والإستقرار العربية منذ نشأته في فلسطين , أليس للتأثير الأمريكي الدور البارز في هذا الإمعان نحو التفريط والهوان العربي الرسمي؟!, رغم علنية المخططات الصهيونية والأمريكية , التي تستهدف أنظمة قائمة وكيانات عربية راسخة , تعمل إلى تفتيتها وتجزئتها كما يحصل في العراق وسوريا , وتسعى لإقامة دويلات طائفية وعرقية , في داخل جسد الأمة , حتى تسُهل عملية التدجين والسيطرة على الأمة لقرون من الزمن , وصولاً لحالة من موت العرب كأمة يجمعها هدف واحد ومصير مشترك .
حديث البعض عن تهديدات تركية تواجه الأمن القومي العربي , يجعلنا نطرح التساؤلات التالية, ألم يكن إستهداف العراق وتدميره وتفتيته على أسس طائفية , تهديداً خطيراً للأمن القومي العربي ؟, ألم يكن ضياع الصومال لسنوات طويلة في دوامة العنف والمجاعة , تهديداً للأمن القومي العربي ؟ , أليس حصار السودان لسنوات طويلة وإفشال تطوره وإبطاء نهضته , تهديداً للأمن القومي العربي , ألم يكن قمع الشعوب وتجويعها ومحاربة العقول الشابة والمتميزة في المجتمعات العربية , تهديداً للأمن القومي العربي ؟, ألم تكن الهرولة للتسوية مع الكيان الصهيوني, والتسليم بإحتلاله وإضفاء الشرعية عليه تهديداً للأمن القومي العربي؟, ألم يكن ترك مقاومة الشعب الفلسطيني بدون سند ولا عون ولا دعم في مواجهة العدوان الصهيوني تهديداً للأمن القومي العربي ؟.
فزاعة وجود مخطط تركي يستهدف الدول العربية خاصة مصر والسعودية , كلام من قبيل البروباغاندا الإعلامية ,يحركها الحقد الأيدلوجي من بعض المكونات السياسية العربية الحاكمة, والعداء لنموذج الحكم ذو المرجعية الإسلامية حتى لو كان معتدلاً ومنفتحاً متقبلاً للأخر, كما هو نموذج أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الحكم, والذي حقق تطوراً إقتصادياً وتنموياً في كافة المجالات الحياتية في تركيا , لينتشل تركيا من دولة مديونة إلى دولة دائنة , ويضعها عبر سياسات علمية حكيمة في مصاف الدول المتطورة , وفي المقابل تعيش الدول العربية حالة من التردي والتراجع في كافة مجالات الحياة , فلا نهضة ولا إعمار ولا سيادة حقيقية على الموارد والثروات , وبالتالي من لا يستطيع النهوض بذاته , لا يستطيع أن يرسم سياساته المستقلة , ويبقى خاضعاً لرغيف الخبز القادم له كمعونة من الخارج .
عالماً جديداً يتشكل حولنا , وتحالفات دولية تظهر للعلن , والقطبية الواحدة إنتهت في أواخر عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما , وأمريكا لم تعد اللاعب الأوحد في العالم , وبعد قرار الرئيس الأمريكي الحالي ترامب حول القدس المحتلة , فإن أمريكيا تضع نفسها في عزلة دولية كانت ملامحها واضحة , خلال التصويت بالجمعية العمومية للأمم المتحدة على رفض قرار ترامب , فالقوى الصاعدة – روسيا , الصين , تركيا, إيران - تحركها مصالحها الإستراتيجية ونصيبها من مساحة النفوذ العالمي وخاصة منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الإستراتيجية , وللأسف فأن زعماء الأنظمة العربية قد أقسموا ألا يتقدموا خطوة واحدة للخلاص من التبعية والإنعتاق من القيد الأمريكي , فلا عجب في ذلك أن كان الهدف الإستراتيجي للأنظمة العربية هو الحفاظ على كرسي الحكم وتوارثه .
الأمن القومي العربي والإسلامي ,لا ينفصلان عن بعضهما ويتكاملان لحاجات وضروريات متعددة , فليس من المنطق العداء العربي الرسمي لتركيا ذات التاريخ المشترك مع العرب , تركيا دولة صاعدة فاعلة مؤثرة في المنطقة , وبالإمكان الذهاب مع تركيا نحو تشكيل حلف عربي إسلامي قوي مستقل , يسعى نحو أهداف عربية إسلامية خالصة , تكون أولوياته إزالة الظلم في فلسطين وتحرير المقدسات الإسلامية , ورفع الضيم والقهر والجوع عن الشعوب العربية , عبر سياسات إقتصادية وتنموية واعدة , والعمل على إقرار التوزيع العادل للثروات بين الشعوب على قاعدة الإخوة الجامعة , مع تبادل الخبرات في مجالات الصحة والتعليم والزراعة والتكنولوجيا والأبحاث العلمية , ورفع القيود عن التنقل والسفر بين الأقطار العربية والإسلامية , وبذلك يتحقق التحصين الوافي لشعوب هذا الحلف العربي الإسلامي , لتمضي في طريقها نحو النهوض والإرتقاء والريادة في موكب الحضارة الإنساني , ليس ذلك بالحُلم بل هو الواقع مستقبلاً لو وجدت الإرادة الحرة وعُقدت النية الصادقة .

بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
29-12-2017م