أطردوا البحرين من الجامعة العربية

بقلم: علي الصالح

أخصص مقالي لهذا الأسبوع للدعوة الصريحة لطرد دولة البحرين، من عضوية جامعة الدول العربية، بعدما تجاوز وزير خارجيتها خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة كل الخطوط الحمر، ولم يترك مكانا له حتى في هذا التجمع العربي الرسمي شبه المشلول.
فقد فعلتها الجامعة العربية مرة وحرمت مندوب النظام السوري من المشاركة في اجتماعاتها، وهي قادرة الآن إن أرادت تبييض صورتها على تكرار هذه الخطوة مع البحرين.
فالنظام البحريني لم يخرج عن الإجماع العربي الرسمي المعلن، على الأقل، حول مركزية القضية الفلسطينية، ولا يسعى فقط إلى التطبيع مع دولة الاحتلال، كما يروج مليكه، ويلعن من يعارض التطبيع معها بشكل عام، بل يريد إسقاط القضية الفلسطينية من جدول القضايا العربية، ذات الاولوية. وهذا ما يروج إليه رئيس الدبلوماسية الذي قال في رسالة له على حسابه في التويتر وباللغة الإنكليزية، بالحرف الواحد "ليس من المفيد الدخول في معركة مع الولايات المتحدة بشأن قضايا جانبية، بينما نواجه معا خطرا واضحا وآنيا ممثلا بالجمهورية الثيوقراطية (الدينية) الفاشية الإسلامية".
ورغم انه لم يذكر القضية الفلسطينية بالاسم، لكن رسالته كانت واضحة وغير قابلة للتأويل وأن المقصود منها القضية الفلسطينية، خاصة أن الرسالة جاءت في العشرين من ديسمبر، اي قبل يوم واحد فقط من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يبطل اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، الذي كان قد اعلنه قبل أسبوعين من تصريح الوزير البحريني.
وبما أن النظام البحريني لا يتجرأ، على الأقل في الوقت الحاضر، التصويت ضد قرارات لصالح القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، خوفا من الفضيحة وغياب المبرر الحقيقي سوى العداء للشعب الفلسطيني ومن ورائه شعب البحرين والشعوب العربية الأخرى، فقد ارتأى الوزير، أمام عجزه هذا، أن يعبر عن تأييده لدولة الاحتلال برسالة واضحة وصريحة تحث الدول الاخرى على عدم الدخول في مشاكل مع امريكا من اجل قضية جانبية كالقضية الفلسطينية. وكان هذا الوزير يدرك جيدا حماوة المعركة التي كانت دائرة في اروقة الامم المتحدة بين فلسطين واصدقائها وهو بالتأكيد ليس منهم، من جهة، واسرائيل ولنقل امريكا من جهة أخرى.
وبرسالته هذه انما يتماهي الوزير البحريني مع رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ومع اشنطن وإسرائيل وضغوطهما على الدول الاعضاء لتغيير مواقفها وعدم التصويت لصالح القرار، والتهديد بعواقب وخيمة لكل من تسول له نفسه مخالفة الموقف الامريكي، هذا التهديد الذي ينم عن وقاحة وعجرفة وبلطجة، جاء على لسان نيكي هيلي مندوبة امريكا "واحة الديمقراطية وقائدة العالم الحر!".
والشيء بالشيء يذكر فإن نيكي هيلي ليس الاسم الحقيقي للمندوبة الامريكية الهندية الأصل. واسمها في جواز سفرها الهندي نيمراتا راندهاوا، الذي تحول الاسم الاول منه إلى نيكي، بينما حملت اسم عائلة زوجها مايكل هيلي الضابط في الحرس الوطني في ولاية ساوث كارولينا، التي كانت حاكمة لها ما بين2011 وحتى تعيينها في منصبها الحالي. وهي بمواقفها اليمينية المتشددة إنما تريد أن تثبت انها ملكية اكثر من الملك نفسه، ليس هذا فحسب، بل إنها جاهلة بالقضية الفلسطينية، حسب ما قاله الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي، الذي اتهمها بأنها أكثر تشددا من نتنياهو نفسه. وهذه سمة لا تقتصر على هيلي بل تشمل معظم اعضاء الكونغرس، بشقيه النواب والشيوخ، الذي كانت عضوا فيه.
نعود إلى موضوعنا الأساس بالدعوة لسحب عضوية البحرين من جامعة الدول العربية، قد يقول قائل إن الجامعة العربية نفسها مؤسسة عربية مندثرة وليست ذات صلة بقضايا العرب وتمثل أنظمة بالية، ووجودها لا يقدم ولا يؤخر، وهي نفسها تحتاج إلى هدم وإعادة بناء من جديد، ورغم أنني اتفق بالكامل مع هذا القول، ولكن المطالبة بطرد البحرين، هي فقط مسألة رمزية للتعبير عن الرفض المطلق شعبيا ورسميا لمواقفها الخيانية، التي تتناقض مع مبادئ الجامعة ومواقف القوى الحية في الشعب البحريني المعروف بأصالته وتمسكه بالقضية الفلسطينية، ورفضه لكل خطوات التقارب مع الكيان الصهيوني، التي تأتي تحت مظلة مواجهة الخطر الايراني، الذي أصبح الشماعة الكبيرة التي تعلق عليها هذه الأنظمة كل هذه الخطوات نحو الكيان الصهيوني ومحاولات التطبيع معه. ويا ليتهم يواجهون إيران ونخلص من هذا "البعبع" الذي اسمه ايران حتى "يذوب الثلج ويبان المرج".
وفي هذه المناسبة نبشر المطبعين والمتأسرلين بأن الكيان الصهيوني لن يحرك ساكنا دفاعا عن هذه الانظمة، ولن يضحي باظفر جندي اسرائيلي واحد من اجل عيون السعودية، أو من اجل عيون البحرين أو غيرهما من الدول الخليجية اللاهثة وراء التطبيع معه والخروج بالعلاقة إلى العلن.
ولنا مثال بما قاله مردخاي كيدار الخبير الإسرائيلي اليميني المتطرف، الذي دعا خلال هبة القدس الشعبية قبل أكثر من عامين، إلى اغتصاب أخوات وأمهات منفذي العمليات الفلسطينية، معتبرا ذلك الرادع الحقيقي الذي يمنع الفلسطينيين من القيام بعملياتهم. فقد وضع هذا الخبير المتطرف رؤيته للسلام مع السعودية، وهي لن تكون بعيدة عن رؤية نتنياهو وحكومته اليمينية العنصرية المتطرفة. ولم يتطرق بأي شكل إلى الخطر الإيراني وإمكانية مواجهته نيابة عن هذه الدول الخليجية التي تطمح إلى ذلك.
وحدد كيدار في دراسة نشرها معهد "بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية"،10 شروط اسرائيلية من وجهة نظره لأي سلام محتمل مع الرياض، ومن ورائها حلفاؤها الخليجيون، مؤكدا على أن إسرائيل لن تقدم مقابلا لهذا السلام، سوى السلام مقابل السلام والاعتراف بالاعتراف، والعلاقات الطبيعية للعلاقات الطبيعية.
ومن بين هذه الشروط العشرة يدعو في حال إصرار السعوديين على معالجة القضية الفلسطينية، أن يكون رد إسرائيل: "إذا أردتم حقًا مساعدة الفلسطينيين، ابنوا لهم مدنًا وقرىً في السعودية. ومنها ايضا أن اعتراف إسرائيل بنظام آل سعود في مكة والمدينة، رغم أن أصولهم نجدية وليس حجازية، مرهون باعتراف السعودية بحق إسرائيل بالقدس عاصمةً أبدية لها، وستعترف بالسعودية كدولة إسلامية مقابل اعترافها بإسرائيل دولة يهودية، كما ستعترف إسرائيل بحق آل سعود بالعيش في أي مكان في المملكة مقابل الاعتراف السعودي بحق اليهود غير القابل للصرف بالعيش في إسرائيل، من البحر إلى النهر… (نص الدراسة بالعربية نشرتها قدس الإخبارية)".
وفي مقابل المواقف المخزية بل الخيانية الصادرة عن دولة البحرين، هناك مواقف مشرفة وتعبر عن المشاعر الحقيقية لشعب البحرين الشقيق. فقد أجمعت 25 منظمة سياسية ومدنية وشخصيات سياسية وفكرية وقوى حية بحرينية، على إدانة زيارة العار لدولة الاحتلال التي قام بها الوفد البحريني، الذي وصفوه بالمشبوه، عشية اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. ودعت هذه المنظمات والشخصيات في بيان مشترك نقلته وكالة "قدس بريس" إلى محاكمة اعضاء هذا الوفد، الذين خرجوا عن الإجماع الوطني البحريني الرافض للتطبيع مع دولة الاحتلال. وقالوا في بيانهم "إن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، وإن القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية". وأضاف البيان "أن الاحتلال قمعي لا بد من مقاومته. والولايات المتحدة تقف إلى جانب الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، ولم تعد وسيطا نزيها في عملية السلام". وأكدت هذه المنظمات رفضها لجميع أشكال تطبيع العلاقات مع اسرائيل"، داعية كل الدول العربية "لوقف جميع أشكال العلاقات مع إسرائيل".
صحيح أن انظمة عربية أبرمت معاهدات صلح مع اسرائيل، ولكن رغم ذلك لم يدع أي من زعمائها إلى التصويت لصالح أي قرار ضد القضية الفلسطينية، بل لم يتجرأ أي منهم كما فعل ملك البحرين، على دعوة مواطنيه لزيارة إسرائيل والتطبيع معها.
واختتم بالقول إنه وبناء على مسلسل المواقف والتحركات المخزية للنظام البحريني، فإن الأسباب قائمة لطرد هذا النظام حتى من مؤسسة عربية مثل جامعة الدول العربية.

علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"