كل يوم أعزم على إعادة نشر هذه المقالة ولكن بعض الضغوط في الفترة الأخيرة شغلتني!
دعوني أصراحكم من البداية: أن مصيبتنا ليست في زيدان ومن قبله كمال صليبي وموفق الربيعي وغيرهم؛ ولكن مصيبتنا أننا اُبتلينا بقادة فصائل فلسطينية جهلة وإعلاميين في وسائل إعلامهم أجهل! لا تغضب أيها القارئ وأهدأ قليلاً! وأصل هذه المقالة كانت صدمتي بمقالة في موقع صديق كنت أنشر في موقع تابع له مقالاتي، وفي يوم عام 2009 تقريباً استرعى انتباهي عنوان مقالة عن فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، فتحتها وما أن قرأت أول سطرين حتى أغلقتها وتواصلت بصديقي وسألته: عن توجه كاتب تلك المقالة؟ فصدمني رده أكثر؛ فكاتبها من تنظيم إسلامي فلسطيني يدعي الطليعية والوعي! فناقشته حول مضمونها دون أن أتم قراءتها وأن تلك الآراء تدمر القضية وتقدم خدمة مجانية للعدو الصهيوني للتوسع في مناطق أخرى من وطننا بعد أن ثبت أقدامه في قلب الأمة والوطن، فلسطيننا، فما كان منه مشكوراً إلا أن رفعها مباشرة من الموقع!
وقبل شهور للأسف وأنا أقلب في القنوات الفضائية، استوقفني حديث في القناة الفضائية للتنظيم الذي ينتمي له ذلك الكاتب والحديث عن القدس والأقصى، علماً أني لا أشاهد فضائيات تلك التنظيمات لأن جهلهم أوقات يكون مستفز! وإذا مقدمة البرنامج مستضيفة مفكراً فلسطينياً وموضوع الحلقة دعاية لأفكار موفق الربيعي التي سبق أيضاً أن رددت عليها وأضفت الرد إلى المقالة السابقة، وأن موطن اليهود واليهودية اليمن وأن القدس ليست في فلسطين و...!!! وقلت أنشر الرد عليها مرة أخرى وأسمي تلك الفضائية باسمها ولكني تجاهلتهم لأني أعلم حقيقة ذلك التنظيم والقائمين عليه أكثر من أي إنسان آخر!
فإن كان هناك إسلاميين جهلة يروجون لتلك الآراء المدمرة الداعمة للتوسه الصهيوني في وطننا ولا أحد ينتقدهم أو يقول لهم كلمة حق: أنتم ...! لماذا يستنكر أنصارهم على يوسف زيدان وأمثاله عندما يثيرون تلك الآراء في مناسبات معينة كما فعل زيدان في حديثه إلى قناة (سي.بي.سي) المصرية حول أعلان الرئيس الأمريكي ترامب عزمه نقل السفارة الأمريكي من تل الربيع (تل أبيب) إلى مدينة القدس؟! حيث أعاد طرح آرائه الشاذة التي أعلن عنها عام 2009 حول القدس والمسجد الأقصى موجة من النقد من قِبل البعض، فقد زعم: أن المسجد الأقصى لا يوجد في القدس، وأن ما ورد في القرآن الكريم عن الإسراء والمعراج برسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم، لا يطابق الحقيقة التاريخية، وأن الصراع على المسجد الأقصى الفلسطيني يمثل، كما قال، لعبة سياسية صنعها عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، وأنه لا يوجد مبرر للصراع على المسجد الأقصى من الناحية العربية أو (الإسرائيلية) ...!
ليس رداً على زيدان أو صليبي والربيعي أعيد نشر هذه المقالة ولكن رداً على جهل بعض الإسلاميين بخطأ تلك الآراء وخطورتها أعيد نشرها، بالعنوان نفسه:
رد على نظريات صليبي والربيعي!
مصطفى إنشاصي
قرأت اليوم مقالة للكاتب أ. د/ عبدالله بن أحمد الفيفي، عنوانها: "العابثون بالتاريخ، شَرُّ التاريخ ما يُضحِك!"، (المصدر: صحيفة "الرأي" الكويتية، الثلاثاء 24 فبراير 2015، ص41)، ينتقد فيها نظرية (كمال صليبي) التي أطلقها في كتابه "جغرافية التوراة" عام 1984! وقبل حوالي سنتين وصلني من أحد المنتديات رسالة على بريدي الالكتروني بعنوان "مقالة تستحق القراءة" فتحتها وإذا بها حديث عن نظرية الكاتب العراقي (موفق الربيعي) التي سبق أن طرحها منذ سنوات ويزعم فيها ما سبق أن زعمه (كمال صليبي) في نظريته، ولكنه وسع هذه المرة المساحة الجغرافية لمسرح أحداث خرافات وأساطير التوراة من عسير لتشمل اليمن، إضافة إلى كتاب اللبناني (فرج الله صالح ديب) بعنوان "اليمن وأنبياء التوراة"، وكلها نظريات لو عُدنا إلى أصولها سنجد أن واضعي لبناتها الأولى إما يهودي أو مستشرق متهود، وكلها تؤكد على أن اليهود واليهودية والرسالات السماوية الثلاثة وكل معتقداتنا الدينية وعباداتنا ومعلوماتنا التاريخية عن فلسطين والقدس ومهبط الرسالات السماوية غير صحيحة لأن مكانها لم يكن فلسطين ولا المواقع الأخرى المرتبطة بها في بلاد الشام والهلال الخصيب ولكن الجزيرة العربية واليمن تحديداً!
وكلهم يعتمدون المنهج الاستشراقي اليهودي – الغربي وأدواته ووسائله في التأصيل والتوثيق لتلك النظريات المزعومة، الذي يتخذ من التوراة وما ورد فيها من قصص وأسماء مواقع جغرافية وقبائل وأدلة لغوية وجغرافية لمناطق وأسماء في الجزيرة العربية لإثبات أن جغرافية تلك الأحداث كان مسرحها الجزيرة العربية وليس فلسطين وبلاد الهلال الخصيب! ذلك المنهج الذي بدأ العمل في وطننا منذ قرون مسترشداً بخرافات وأساطير التوراة وتزييف وتزوير كثير من الحقائق التاريخية التي كشفتها الحفريات الآثارية لجعلها تتطابق كذباً مع تلك الخرافات التوراتية، وبذلك شوهوا تاريخنا خدمة للمشروع اليهودي – الغربي ضد الأمة والوطن! ومن المعلوم أن مثل هذه الدراسات الموجهة التي تحدد غاياتها ونتائجها قبل البدء في البحث وجمع الأدلة لا تتوفر فيها شروط العلمية والموضوعية والحيادية ولا البراءة، خاصة وأن مصدرها الوحيد أو الرئيس كتاب التوراة المُحرفة الذي يستحيل اعتباره بمعايير البحث العلمي مصدر تاريخي موثوق يمكن الاعتماد عليه في دراسات بحجم وخطورة تلك الدراسات!.
وقد سبق لي قبل سنوات بعد إطلاعي على مقالة تروج لنظرية كمال صليبي أن كتبت رداً بسيطاً على تلك النظريات الاستشراقية الهدامة، التي يزعم أصحابها وأنصارهم أنها تشكل خطورة على الأهداف الصهيونية، بإثبات أن وعود الرب لليهود التي وردت في التوراة ليست في فلسطين ومحيطها الجغرافي ولكن في عسير واليمن وغرب الجزيرة العربية وهي في الحقيقة تشكل خطورة علينا نحن كأمة وتخدم الأهداف الصهيونية! فاليهود قد تمكنوا من فلسطين والهلال الخصيب وأصحاب تلك النظريات بزعمهم أن مواطن نشأة اليهود واليهودية ووقوع الأحداث الخرافية التوراتية كانت في غرب الجزيرة العربية وليس في فلسطين ومحيطها الجغرافي يقدموا للصهاينة الدليل والمبرر العلمي والتاريخي بحسب زعمهم ليطالبوا بتلك الحقوق التي منذ عقود طويلة وهم يؤكدون عليها في عسير واليمن وغيرها، ولن يتركوا فلسطين لنا كما يحاول إيهامنا أصحاب تلك النظريات!
وما يدحض مزاعمهم بأن دراساتهم تلك تكشف زيف الدعاوى الصهيونية واليهودية في فلسطين والقدس، ويصبح كل ما يقوم به العدو الصهيوني من اغتصاب للأرض وتهويد للقدس وحفريات تحت المسجد الأقصى لهدمه غير مبرر، لأن القدس التوراتية والمسجد الأقصى ليسا في فلسطين ولكنهما في اليمن! ما يدحض زعمهم ذاك؛ أن الحفريات الاستشراقية اليهودية – الغربية التي بدأت منذ عام 1838 في القدس وفلسطين وكلفت عشرات المليارات من الدولارات لم تعثر على دليل واحد يثبت صحة حرف واحد من خرافات وأساطير توراتهم، وأن علماء الآثار الصهاينة أنفسهم الذين بدءوا حفرياتهم تحت المسجد الأقصى منذ احتلال العدو الصهيوني لشرق القدس عام 1967 بدءوا منذ عام 1990 الإعلان من حين لآخر عن فشل جهودهم في العثور على دليل أثري واحد يثبت أن داود أو سليمان كانا في القدس أو أن هناك ما يشير إلى صحة خرافة توراتهم عن هيكل سليمان. وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف سياسات التهويد والحفريات في القدس وتحت المسجد الأقصى بل على العكس فقد كثف العدو الصهيوني تلك السياسات أكثر مما كانت عليه قبل عام 1990!.
وقبل عرض مقالتي التي كتبتها منذ سنوات ونقحتها في بحث مطول وموثق أنقد فيه نظرية أصل الأجناس في التوراتية وما شاع بناء عليها من مصطلحات وحقائق تخدم كلها الأطماع الصهيونية في وطننا، سأرد على أهم ما تضمنته نظرية (موفق الربيعي) حول القدس تحديداً، وأبدأ بالتذكير بحقيقة تاريخية مهمة هنا في الرد على تلك الدراسات المزعوم أنها علمية، وفي الحقيقة هي إساءة لعقيدتنا وعباداتنا طوال ما يزيد على ألف وأربعمائة عام وتشكك في صحتها:
أن القبائل العربية التي هاجرت قديماً من الجزيرة العربية (اليمن وحضرموت وعُمان وغيرها من المناطق) تبين في كثير من الدراسات الحديثة ومنها رسالة دكتوراه لأحد الطلبة المصريين اطلعت عليها في ثمانينات القرن الماضي، ونفس الأمر لاحظته بنفسي في كثير من الأقطار العربية التي عشت فيها بدءً من فلسطين مروراً بمصر والأردن وسوريا والعراق ولبنان والجزائر وليبيا والسودان واليمن وغيرها أن هناك نفس اسماء البلدان والأماكن تتكرر فيها جميعاً، فقد تتبع فيها صاحبها أصول أسماء القرى والبلدات والمدن التي تحمل نفس الاسم على مساحة الوطن من ساحل الخليج العربي إلى ساحل المحيط الأطلسي؛ وقد تبين له أن القبيلة العربية أثناء هجرتها وقبل أن تصل إلى موطنها الجديد الأخير كانت تنزل منها بطون أثناء سيرها وتستقر في مناطق على طول طريق هجرتها، وكان من عادة العرب بل كل شعوب العالم القديم أن يطلقوا على مواطنهم الجديدة نفس أسماء مواطنهم القديمة أو أسماء جدهم الأعلى، لذلك نجد اسم مدينة أو قرية أو بلدة ما يتكرر في أكثر من قطر، وفلسطين ليست استثناء عندما نجد كثير أو معظم أسماء مناطقها أصولها من اليمن أو عُمان أو غيرها.
ولكن موفق الربيعي في نظريته يجعل (يبوس) قديماً – أول اسم أطلق على مدينة القدس الحالية – (بيت بوس) أحد ضواحي مدينة صنعاء في اليمن. وقَدس (بفتح القاف وليس ضمها كما في قُدس فلسطين) وجبلها الذي يقع في تعز التي تبعد عن صنعاء لجهة الجنوب ما يزيد عن 200 كم، القدس الحقيقية! وبناء على ذلك يصبح لدينا إضافة إلى قدس فلسطين قُدسين في اليمن، قدس بيت بوس (يبوس) بضواحي صنعاء وقدس تعز (قَدس)!
وأصحاب تلك النظريات وأنصارها لم يفطنوا إلى أن يبوس أو أورو سالم أو يورو شالم قديماً وبيت المقدس وغلبة اسم القدس عليها بعد الفتح الإسلامي في إشارة إلى قداستها ومكانتها وطهارتها في عقيدتنا الإسلامية لم يكن ضمن أسماء المدينة قبل الإسلام! وعليه هم أخطئوا عندما حاولوا لي عنق الحقيقة التاريخية وتجاهلوا أن الاسم حديث وليس قديم وهناك فارق كبير بين قُدس بمعنى التقديس والتشريف وبين قَدس كاسم مكان!
أما من ناحية تاريخ التأسيس والنشأة لمدينة يبوس في فلسطين التي هي القدس الحالية؛ أصحاب تلك النظرية اعتبروا أن بيت بوس اليمن هي يبوس التي ذكرتها التوراة اليهودية المحرفة وأنها الموطن الأصلي لليهود واليهودية، وأحد أدلتهم على ذلك أنها يسكن فيها بعض يهود اليمن الآن! ومن يعرف اليمن يعلم أن أكثرية اليهود قبل هجرتهم إلى كيان العدو الصهيوني لم يكن بيت بوس ولكن كان في ريدا وهي بعيدة مئات الكيلو مترات عن يبيت بوس التي هي إحدى ضواحي صنعاء!
كما أنه عندما تأسست مدينة يبوس (القدس الحالية) لم يكن في ذلك الوقت شيء اسمه يهود أو ديانة تُعرف باليهودية، فمدينة يبوس بنيت على أوسط التقديرات عام 3100 قبل الميلاد أي قبل أن يولد إبراهيم عليه السلام الجد الأول لبني إسرائيل بأكثر من ألف عام، كما أن اسم اليهود لم يُعرف إلا في وقت متأخر جداً عن تلك العهود البعيدة، والديانة اليهودية لم تُعرف وتأخذ شكلها الحالي إلا من عهد قريب.
ولو كلف أولئك البُحاثة وأصحاب تلك النظريات خاطرهم ورجعوا إلى القرآن الكريم الذي هو أصدق الكتب السماوية وأوثقها لدراساتهم فسيجدون أن مصدر كلمة يهود جاء على لسان موسى عليه السلام في قوله تعالى: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـَذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ إِنّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ) الأعراف: 156، أي تبنا إليك، وموسى عليه السلام ولد بعد بناء يبوس (القدس الحالية) بما يقارب ألفي عام!
كما أن التوراة نفسها تعترف أن اليهود كانوا يشعرون أنهم غرباء عن مدينة (يبوس) القدس الحالية، وقد ثبت ذلك في مواضع كثيرة أشهرها قصة الرجل اللاوي وامرأته وخادمه التي حدثت نحو عام 1150ق.م، وهو عائد من بيت لحم إلى جبل أفرايم، فقد ورد في (سِفر القضاة، الإصحاح 19): "9ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ لِلذَّهَابِ هُوَ وَسُرِّيَّتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَقَالَ لَهُ حَمُوهُ أَبُو الْفَتَاةِ: «إِنَّ النَّهَارَ قَدْ مَالَ إِلَى الْغُرُوبِ. بِيتُوا الآنَ. هُوَذَا آخِرُ النَّهَارِ. بِتْ هُنَا وَلْيَطِبْ قَلْبُكَ، وَغَدًا تُبَكِّرُونَ فِي طَرِيقِكُمْ وَتَذْهَبُ إِلَى خَيْمَتِكَ». 10فَلَمْ يُرِدِ الرَّجُلُ أَنْ يَبِيتَ، بَلْ قَامَ وَذَهَبَ وَجَاءَ إِلَى مُقَابِلِ يَبُوسَ، هِيَ أُورُشَلِيمُ، وَمَعَهُ حِمَارَانِ مَشْدُودَانِ وَسُرِّيَّتُهُ مَعَهُ. 11وَفِيمَا هُمْ عِنْدَ يَبُوسَ وَالنَّهَارُ قَدِ انْحَدَرَ جِدًّا، قَالَ الْغُلاَمُ لِسَيِّدِهِ: «تَعَالَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةِ الْيَبُوسِيِّينَ هذِهِ وَنَبِيتُ فِيهَا». 12فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: «لاَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ حَيْثُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا. نَعْبُرُ إِلَى جِبْعَةَ».
وللعلم أن أكثر تسمية لمدينة القدس الحالية في التوراة هو (يبوس)، ونظريات أولئك الحاذقين الذين يريدون إبطال مبررات العدو الصهيوني في الحفر تحت المسجد الأقصى وتهويد القدس تحاول أن تثبت أن موقع القدس التوراتي ليس في فلسطين ولكنه جبل قَدس قرب تعز، وأن أصل اليهود من اليمن ودليلهم وجود عدد من اليهود في منطقة بيت يوس قرب صنعاء، وأن مسرح احداث الخرافات التوراتية اليمن وليس مصر وفلسطين وبلاد الهلال الخصيب، فإن كانت التوراة نفسها تعتبر يبوس مدينة غير يهودية فكيف أصبح أصل اليهود من بيت بوس اليمن؟!
إن خطأهم نفس خطأ المؤرخين المسلمين الذي اعتمدوا كثير من الإسرائيليات في كتبهم وفي تفسيرهم للقرآن الكريم وغفلوا عن خطورة ذلك وتعارضه مع مصلحة الإسلام والأمة وأصبحت كثير من الخرافات التوراتية التي بين أيدينا، التي يعتبرها (موفق الربيعي) أنها ليست مُحرفة ولا مزورة وأنها صحيحة بدهيات ومسلمات لدى كثير من المسلمين، وهذه مصيبة أكبر تُفقد أبحاثه وأبحاث غيره وكل تلك النظريات الجديدة علميتها المزعومة ومصداقيتها وموضوعيتها، بل تنسفها من أصلها خاصة وأن العلم الحديث بكل مجالاته أثبت أن قصص التوراة ما هي إلا خرافات الشعوب القديمة وأساطيرها وأنها مُحرفة مثلها مثل الأناجيل وليست كتب منزلة من عند الله تعالى ولا وحي فيها، وإن كنا نعتبر أن فيها شيء من الوحي ولكنه تشوه مع كثرة التحريف والتزوير وأصبحت كتب بشرية وأديان بشرية!
وإليكم نص المقالة التي سبق نشرها:
فرعون موسى كان عربياً!!
وتُعتبر هذه النظرية من أغرب ما قيل عن فرعون موسى عليه السلام، حيث تذهب إلى أنه لم يكن مصرياً من الأصل، بل إنه كان ملكاً من ملوك العرب الذين كانوا يسكنون أرض "الجزيرة العربية". ويعتقد صاحب هذا الرأي أن بني إسرائيل لم يكونوا يقطنون أرض مصر، بل في "شبة الجزيرة العربية"، وهناك حدثت أحداث الخروج. ويقول صاحب هذا الرأي الغريب: "إن الفراعنة كانوا من (العماليق) أو عرب الجزيرة، وقصة النبي موسى عليه السلام لم تحدث في الدلتا أو الصعيد، وإنما حدثت في منطقة شبه الجزيرة العربية التي كانت منذ القدم جزءً لا يتجزأ من مصر .. وأياً كانت أحداث تلك القصة سواء حدثت في غرب الجزيرة العربية أو في جنوبها ففي النهاية سنرى أنها حدثت في الجزيرة العربية!.
بتقديري أن صاحب تلك النظرية هو الدكتور (كمال صليبي) في كتابه "جغرافية التوراة"! تلك النظرية التي بدأت تجد لها أنصار من المؤرخين العرب للأسف الشديد، وملخصها أن كل ما كُتب عن التاريخ القديم وخاصة بني إسرائيل وعلاقتهم بفلسطين والقدس، وخروجهم من مصر ...إلخ، كله حدث في الجزيرة العربية ولم يحدث في بلاد الشام أو فلسطين وبلاد الهلال الخصيب. وأخطر ما في تلك النظرية ما ذهب إليه صاحبها بأن القدس المختلف والمتنازع عليها بين المسلمين واليهود ليست هي القدس المعروفة حالياً في فلسطين، ولكنها كنظريته الغريبة والشاذة عن فرعون الخروج وأحداث الصراع بين موسى وبني إسرائيل معه، بأنها كلها حدثت في الجزيرة العربية وليس مصر الحالية وشبه جزيرة سينا؟!.
عباداتنا الدينية منذ 1400 عام باطلة؟!
نظرية (كمال صليبي) وأمثاله نظريات عبثية وأجزم أنه لن يثبت صحتها نهائياً في المستقبل، وأن الهدف منها توسيع دائرة الأطماع اليهودية الصهيونية في وطننا، وإضفاء الشرعية الدينية والتاريخية على تلك الأطماع التي تمتد مساحتها في ضوء النظرية لتشمل الجزيرة العربية كلها! وإثبات عدم صحة تلك النظريات لا يحتاج كبير جهد وردنا بسيط جداً:
إن المسلمون عندما فرض الله تعالى عليهم الصلاة ليلة الإسراء والمعراج، توجهوا في صلاتهم إلى بيت المقدس الحالية المعروفة من قبل تاريخ فرض الصلاة، حيث المسجد الأقصى الذي أسري بالرسول صلَ الله عليه وعلى آله وسلم من المسجد الحرام في مكة إليه، ومنه عُرج به إلى السماوات العلا، وفيه صلى أماماً بجميع الأنبياء والرُسُل عليهم الصلاة والسلام، والذي وصفه الرسول صلَ الله عليه وعلى آله وسلم لكفار قريش الذين شككوا في صدق رحلة الإسراء والمعراج، وقد صَدَّق وصفه حقيقته التي كان يعرفها تجار قريش من خلال مرورهم به أثناء رحلاتهم إلى الشام.
قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ {الإسراء:1). ولم نعلم طوال تاريخنا الإسلامي للأمة مسجداً أقصى غير المسجد الأقصى القائم عليه الصراع اليوم في فلسطين ومهدد بالهدم والإزالة بين لحظة وأخرى! وكأن كمال صليبي وغيره يقول لنا دعوه لليهود ليهدموه ويقيموا (هيكلهم المزعوم) عليه، لأنه هذه القدس ليست هي تلك القدس التي حدثت عليها تلك الأحداث التي تملئ كتب التاريخ، وأن المسجد الأقصى القائم حالياً ليس هو المسجد الأقصى الذي ذكره الله في القرآن الكريم! وعلينا أن نبدأ رحلة البحث من الصفر في مجاهل تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها الحالية، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها على غربها، عن القدس الحقيقية التي كانت في فترة ما من فترات التاريخ، وفي مكان جغرافي ما في الجزيرة العربية.
وإذا قال متذاكي من أنصار تلك النظرية: أنه لا يقصد بذلك قدس المسلمين التي هي في فلسطين؛ ولكنه يقصد تلك القدس التي يتحدث عنها اليهود، وتلك القصص التاريخية التي حدثت لأجدادهم على أرضها، وأنها ليست هي القدس الحالية الموجودة في فلسطين وهي مدار الصراع الحالي! نقول: هذا كلام مضلل وبلا معنى! لأن قصة الإسراء والمعراج وما أعقبها من حديث عن الإفساد الإسرائيلي في الأرض (المباركة والمقدسة) مرتين، في قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً﴾ {الإسراء:4-5}. ذلك يشير إلى أن كل ذلك حدث وسيحدث على الأرض التي يوجد فيها بيت المقدس. فالحدثان مرتبطان ووثيقا الصلة ببعض!
فإن كان بيت المقدس هو الذي في فلسطين؛ فالصراع بين أتباع الملل الثلاثة (اليهودية والنصرانية والإسلامية) في مكانه الصحيح. وإن لم يكن هو القدس التي يجب أن تكون أرض الصراع بين أتباع الملل الثلاثة، فإننا بعد أن نبحث عن تلك القدس التي يحدثنا عنها (كمال صليبي) وأنصار تلك النظريات ونجدها ونحدد موقعها ونعيد لها قداستها وأهميتها ومكانتها الدينية؛ سيأتي اليهود والنصارى ومَنْ خلفهم ليزعموا أنها ملكهم، ونعيد ما حدث في فلسطيننا وقدسنا من أحداث الصراع، ونكون نحن مَنْ مهد الطريق وأوجد المبررات والحجج الدينية لأعداء الأمة كي يطالبوننا بقدسنا الجديدة؟!.
وفي كلتا الحالتين: إن أنصار تلك النظريات الجدلية الافتراضية الخيالية لا يخدمون مصلحة الأمة، ولكنهم يعطون لليهود مزيد من المبررات والحجج الدينية كي يوسعوا دائرة المساحة الجغرافية لأطماعهم الدينية والتاريخية والواقعية في وطننا، في الوقت الذي لا يتخلون فيه عن أطماعهم في فلسطيننا، وفي بيت المقدس، والمسجد الأقصى، على حساب وجودنا التاريخي في الأرض المباركة والمقدسة، وعلى حساب إلغاء هويتنا الدينية والتاريخية فيها!.
كما أن ما يؤكد عدم صحة تلك النظريات، وعدم براءتها، وما يجعلنا نفترض بل نؤكد على سوء النية والقصد من ورائها، قصة صلاة المسلمين حوالي سبعة عشرة شهراً إلى بيت المقدس الحالية، التي كانت قبلة يهود في الجزيرة العربية في صلاتهم، ومازالت قبلة كل يهود العالم اليوم! قال تعالى: ﴿َقدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ {البقرة:145-144}.
قال ابن عباس: كان أول ما نُسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلَ الله عليه وسلّم، لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلَ الله عليه وسلّم بضعة عشر شهراً، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء فأنزل الله ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ﴾ إلى قوله: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ فارتابت من ذلك اليهود وقالوا: ﴿مَا وَلَّـٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُوا عَلَيْهَا. قُل لِّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ﴾ وقال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾ وقال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِڑ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ﴾. وروى عن ابن عباس قال: كان النبي صلَ الله عليه وسلّم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء، فأنزل الله ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَـٰهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ﴾ إلى الكعبة إلى الميزاب يؤم به جبرائيل عليه السلام.
تُرى أكان رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم ومن قبله يهود وهم يعيشون في الجزيرة العربية؛ كلاهما يجهل موقع بيت المقدس الذي صلَ إليه حوالي سبعة عشر شهراً جغرافياً؟! ولنفترض جدلاً أن الرسول الكريم صلَ الله عليه وعلى آله وسلم أخطأ في الجغرافيا حاشاه من ذلك! فلماذا لم يرسل الله تعالى إليه جبريل عليه السلام ليصحح له ذلك الخطأ الجغرافي، ويُصوب له اتجاه قبلته في الصلاة التي هي أول ما يحاسب عليها المسلم بعد مماته، فإن صلحت صلح سائر العمل وإن فسدت فسد العمل كله، وكما نعلم أن من شروط صحة الصلاة أن يستقبل المسلم القبلة في صلاته، بدل أن يتوجه المسلمون في صلاتهم لمدة سبعة عشر شهراً إلى قبله خطأ؟!
أم أن الرسول الكريم صلَ الله عليه وعلى آله وسلم واليهود لم يخطئوا في توجههم للقبلة تلك الفترة وكانوا يصلون إلى بيت المقدس الذي كان في الجنوب الذي يتحدث عنه (كمال صليبي) وأنصار تلك النظريات؛ ولكن الأمر التبس على صحابته والمسلمون من بعده وعلى اليهود أيضاً واختلطت عليهم جغرافية الوطن فلم يعودوا يعرفون شمالها من جنوبها، فاتجهوا صوب بيت المقدس الحالي وهكذا تزور تاريخنا وتحرفت عقيدتنا طوال أربعة عشر قرناً من الزمن، وجاءنا (كمال صليبي) وأنصار تلك النظريات الآن ليصحح لنا ذلك الانحراف في عقيدتنا، والخطأ الذي عاشت عليه أجيال الأمة طوال تلك القرون، وخاضت الحروب وسُفكت الدماء لأجله بالملايين في تلك الحروب؟!.
إن الرد على ذلك الزعم وتلك النظريات الخطأ يطول، وليس اجتهاداً عقلياً ولا جدلاً بيزنطياً ولكن من خلال القرآن الكريم، وأحداث السيرة النبوية، وتحركات الرسول صلَ الله عليه وعلى آله وسلم العسكرية العملية على الأرض، في خطواته لفتح بيت المقدس فتحاً مادياً بعد أن فُتح ليلة الإسراء والمعراج فتحاً إيمانيا تبشيرياً ومعنوياً، تلك التحركات التي لم تكن وجهتها إلى الجنوب كما تزعم تلك النظريات الهراء التي ليس لها من العلم والتجرد العلمي أو الموضوعية نصيب، ولكنها كانت كلها تتجه إلى الشمال، إلى (أدنى الأرض) ـ بيت المقدس ـ بدء من مؤتة مروراً بتبوك انتهاء بجيش أسامة بن حارثة، ذلك في حياته صلَ الله عليه وعلى آله وسلم، وما أكمله الصحابة من بعده إلى أن أتم الله تعالى نعمته عليهم بفتح بيت المقدس، الذي اشترط بطريقه آنذاك (صفرنيوس) ألا يُسليم مفاتيحها إلا لمن صفته عندهم في التوراة والأناجيل على تحريفها، تلك الصفة التي لم تنطبق على أحد من الصحابة (قادة الجند) الذين حاولوا أن يمثلوا دور خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وانطبقت على خليفتهم الراشد الذي لولا ورعه وتقواه ورفضه تغيير مظهره وارتداء جبة أنيقة جميلة تليق بخليفة المسلمين أمام أعدائهم، وأصر على أن يبقَ مرتدياً ملابسه المرقعة، ورفضه نزول مولاه وخادمه عن الدابة، التي كانا يتعاقبا على ركوبها ليركب هو بدل أن يراه أعداء المسلمين يقود الدابة وماشياً على قدميه وخادمه راكب، لولا ذلك ما انطبقت عليه صفات الفاتح الموجودة في كتبهم!!.
نبوءة زكريا لعمر بن الخطاب بفتح بيت المقدس
إن كان (سِفر إشعيا:26/1-2) تنبأ بفتح بيت المقدس على يد "الأُمة البارة" التي هي أمة المسلمين ودخولهم لها: "1فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهذِهِ الأُغْنِيَّةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمَتْرَسَةً. 2اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَة"َ. فإن (سِفر زكريا:9/9) قد تنبأ بشخصية من سيتسلم مفاتيح بيت المقدس، وأنه الخليفة العادل عمر بن الخطاب، الذي يأتيها راكباً على حمار: "9اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. 10وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ".
وتلك الصفات التي ذكرتها نبوءة سِفر زكريا هي صفات الأُمة البارة، التي انتصرت وحررت فلسطين وبيت المقدس، وجعلت بيت المقدس بيت عبادة لجميع الأُمم، وفتحت أقاصي الأرض، ونشرت السلام والعدل بين جميع شعوب الأرض. وخليفتها المنتصر عمر بن الخطاب الذي أُشتهر بالخليفة العادل، هو الذي طلب بطريرك بيت المقدس (صفرنيوس) حضوره ليتسلم مفاتيحها بنفسه، وعندما رآه يدخل المدينة وبيده زمام حماره "أَتَان" ويركب عليه خادمه، تأكد من صفته التي جاءت في نبوءة زكريا.
كما أن زكريا يتنبأ في سِفره أيضاً (2/11)؛ أنه بفتح بيت المقدس ستتصل أمم كثيرة بـ(الرب)، فيقول: "10تَرَنَّمِي وَافْرَحِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ، لأَنِّي هأَنَذَا آتِي وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 11فَيَتَّصِلُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ بِالرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا". وهل هناك دين أو حكم غير الإسلام مَنْ حقق تلك النبوءة؟! وسيأتي الحديث عن تحقق تلك النبوءات في نهاية هذا الفصل.
والحديث يطول عن ذلك التزييف والتحريف للعقيدة والتاريخ، اعتقاداً من البعض حسن النية أنه بذلك يخدم قضية الأمة المركزية، من خلال اتهام اليهود أنهم يستغلون الدين، ويستحضرون النصوص فقط لخدمة مشاريع لا علاقة لها بالدين، في الوقت الذي لا يخدمون فيه إلا اليهود بتبرئتهم من الدين، وتجريد الصراع من بعده العقائدي الذي هو الأصل في القرآن الكريم، والواقع، خوفاً من أن يتهم السياسي أو الكاتب بالتطرف و(الإرهاب)، وبالجملة (العداء للسامية)؟!.
بقلم/ مصطفى إنشاصي