انقضى عام وأستقبل قادم جديد ، في مساحة ضيقة حصرت آمالنا وتطلعاتنا في فرح وسعادة وعيش رغيد ، يرمم ما مضى من تراجع مستمر طبعت فيه من الخيبات والفشل الحمل الكثير ، ومرارة فمشاكل لم تحل بعد ومعاناة لم تزل ، وانقسام موجود ، واتهامات ومناكفات طاغية بالمشهد الفلسطيني ، وفي الطرف الآخر من العالم تضاء الشوارع والميادين بمصابيح الزينة ، ويحتفل المواطنون بالعام الجديد كمناسبة اجتماعية ترفيهية تقرب البعيد وتلم الشمل.
في كل عام جديد نحلم كشعب فلسطيني بعالم بعيد عن الواقع ، لما حشرنا به الزمن في زاوية صعبة جعله وهم وبعيد عن الفهم والإدراك ، خاصة ما تشهده الساحة الداخلية من منعطفات يمارس فيها البعض اعمال تلحق بالوطن وشعبه افدح الخسائر ، وفي مواجهة أعوام مرت ، صفعتنا بقسوة بلغت خطورتها تدمير البشر والحجر والشجر والأموال والممتلكات.
في كل عام يحتفل العالم بتوديع عام واستقبال عام جديد ، وتعيش شعوب العالم حتى الصباح الباكر وهي تحتفل في الشوارع والمنتزهات والحدائق والمرافق السياحية الاخرى ، إلا نحن في الوطن الفلسطيني ، فالهموم والشجون والأحزان والويلات ترافق شعبنا المظلوم ، وما يمضي عام ويأتي عام جديد ، إلا وشعبنا يأمل بالفرج والخلاص والعيش بأمن واستقرار وأمان وتحقيق الرفاه الاجتماعي ، فالأمنيات والطموحات امر مشروع وأسلوب حضاري للتطور والتواصل ، وأما التشاؤم والنظرة السوداوية للأشياء تعرقل كل مشروع تطوري وتحضري ، لكن ألا يتحول الطموح الى جموح والآمال الى امنيات خيالية بعيدة عن مؤشرات الواقع ونبض الحقيقة ، وهذا العام يجب ان يختلف عن بقية اعوام فلسطين ، وسط تحديات محلية وإقليمية ودولية ورهانات خطيرة يمكن ان تترك اثارها على المستقبل الفلسطيني ، وتثبيت المعادلة السياسية الجديدة له.
عام 2018 ينبغي ان يكون مميزاً بكل الاعتبارات والحيثيات ، ولابد ان يكون عام الوحدة الوطنية والشراكة والحكم الرشيد والاعمار والاستقرار والازدهار والتنمية والاعتراف الدولي لقضيتنا وثوابتنا ووطننا ، خاصة ان مؤتمر الامم المتحده الاخير قد حشد العديد من دول العالم لتثبيت حقوق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وفتح الآفاق والتفاهمات الاقليمية والدولية والعربية والإسلامية مع دولة فلسطين ، وعمل تجذير وتجسير للعلاقات مع المحيط العالمي والأوروبي والأسيوي والإفريقي والأمريكي والعربي والإسلامي.
وهنا لا نريد التفريط بالتفاؤل والأمل لهذا العام ، ولكننا لا نريد كذلك التقليل من هذه الامال وتكريس التشاؤم والمخاوف من القادم السياسي والدبلوماسي في دولة فلسطين ، فشعبنا يعي مسؤوليته في الحفاظ على المعادلة السياسية والوطنية ، ومن مخاطر محتملة يسعى اليها الجانبين الاسرائيلي والأمريكي لضرب وإجهاض مشروعنا الوطني الفلسطيني ، وان نسعى للمشاركة الفاعلة في تحقيق امتنيات شعبنا بالحرية والاستقلال.
لقد جاء العام الجديد بما حمله من إنجازات وطنية تكللت بنهايته بعدم مشروعيه قرار ترامب باعلان القدس عاصمة لاسرائيل وعدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي على الاراضي الفلسطينية من قبل مجلس الامن الدولي والاعتراف من العديد من الدول باستقلالية دولة فلسطين ، بما يفتح الآفاق لنسج علاقات دولية وفتح صفحة جديدة مع العديد من دول العالم وخاصة مع روسيا والصين وتركيا وبأيدي وأفكار فلسطينية بحته ، بعيدا عن تدخلات بعض القوى الخارجية.
وان كان من فرصة لاستغلال مناسبة هذا العام ، فلابد من حوار وطني شامل ، حول كافة الملفات ، والإنجازات الوطنية التي تكللت بوقوف كل الدول إلى جانب الحق الفلسطيني في التحول نحو السيادة والاستقلال والشعور بالمسؤولية الوطنية الكبيرة ، والعمل كذلك بنضوج وتحول نحو القيادة الوطنية الموحدة الخالصة وتصفية الخلافات ، وتوزيع الأدوار الوطنية والعمل من داخل قبة المجلس التشريعي لتقويم كل المراحل السابقة واللاحقة ، بعيدا عن الخلاف والاختلاف الظاهر للجميع ، والاستجابة لتطلعات شعبنا والمطالبة بتوفير الأجواء الايجابية المناسبة بالعيش الكريم والأمن والبناء والإعمار وإزالة المشاكل المتعلقة بملف الخدمات.
في هذا العام نأمل أن تدفعنا بلا تفكير للدخول الى طاولة حوار المجلس المركزي الفلسطيني الذي دعا إليه رئيس المجلس الاخ ابو الاديب لكافة قوانا وفصائلنا وأحزابنا الوطنية والإسلامية والسياسية من المشاركة في جلسات المجلس قريبا ، بصفاء ونقاء ينزع عنا كل ما علق من آثار المرحلة التي انتهت بنهاية الأعوام الماضية.
في هذا العام نأمل أن ندخل جميعا فصائل وقوى وأحزاب وجبهات وكتل برلمانية وشخصيات وطنية واسلامية وسياسية من كافة الأطياف والشرائح والاتجاهات ، بروح القيادة والإرادة السياسية الجادة في إنهاء الخلاف والدافع الوطني الذي يؤسس لحكومة الشراكة والوحدة الوطنية والتفاهم والحكم الرشيد القادرة على النهوض بكافة الملفات امام التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الوطن الفلسطيني في مرحلته الجديدة وعامه الجديد ، بلا شروط أو أحاديث استباقية تتنبأ للحوار دون أدنى سبب الفشل او العراقيل ، ولنترك الخلافات جانبا ولنشعر بالمسؤولية والوقوف جنبا الى جنب ويد بيد من اجل فلسطين كل فلسطين ، ولنعمل سويا لبناء الوطن الفلسطيني الجديد والنظر الى الامام وترك الماضي لنجعل من عام 2018 عام بناء وخير وسعادة.
في هذا العام نأمل ان يكون عام العمل والنوايا الصادقة بإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة ونهاية الالام وبداية الامال للوطن الفلسطيني الجديد ، عله يكون بلسماً ناعماً لجراحات شعبنا ، التي تكبدها طوال السنين العشر الماضية ، ولسان حال أي مواطن يقول بقدوم هذا العام ، اللهم سهل صعوبته ، وأحسن لنا في أيامه ، وأجعله عام خير على دولة فلسطين وشعبها ، وخلصنا من حزننا وألمنا ، وما يزعجنا في هذا العام ، يا ربِ وارنا الخير والمودة بين مكونات شعبنا ، وقرب البعيد وأرجع المغترب واللاجئ وأرحم الفقراء والمساكين والجرحى والمعاقين والعمال والفلاحين والخريجين والنازحين ، وكل من عانى لأنه فلسطيني ، اللهم ولا تفرق بين حبيب وصديق وأخ ورفيق وكفاح درب ونضال ، وأبعد عن جميع المواطنين السوء وأصحاب السوء والمصالح الفئوية الضيقة ، الّلهم حقّق النصر المؤزّر لفلسطين على يد أحرارنا وشرفائنا وأبطالنا وثوارنا ، وانزل شآبيب رحمتك على الوطن الفلسطيني وعلى شعبه العظيم ، وسهّل عودة الأسرى الى ديارهم ، وارحم شهداءنا الابرار ومن على جرحانا البواسل ومرضانا الاعزاء بالشفاء وبالصحة والعافية ، آمّين يا رب العالمين. وكل عام وفلسطين بخير وكل عام والشعب الفلسطيني بخير.
آخر الكلام:
نتمنى أن يكون عام 2018 عام الدولة الفلسطينية وعام الأمن والسلام والوئام والازدهار والتنمية والنماء لشعبنا ووطننا بمستقبل مشرق ومزهر.
بقلم/ رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي