واضح اننا أمام مرحلة أمريكية - اسرائيلية جديدة،مرحلة نوعية من حيث العدوان على شعبنا عامة وقدسنا خاصة،مرحلة البلطجة ومنطق فرض الحلول بالقوة،وتدمير حل الدولتين،وكل ما يسمى بالعملية التفاوضية والسلمية،حيث جاءت القرارات والتشريعات الإسرائيلية إمتداداً لقرار الرئيس الأمريكي المتطرف ترامب بإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال،فاللجنة المركزية لحزب لليكود الصهيوني صادقت على قرار فرض السيادة والقوانين الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية،والذي يلزم عند طرحه كقانون على الكنيست الإسرائيلي أعضاء الليكود في الحكومة والبرلمان،بما فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو،بالتصويت لصالح هذا القرار،والذي أصبح المستشار القضائي الإسرائيلي من الان،يبحث في كيفية تطبيقه على سكان مستوطنات الضفة الغربية،وكذلك جرى إقرار قانون "القدس الموحدة" بالقراءتين الثانية والثالثة في الكنيست،وهو القانون الذي يلزم الكنيست الإسرائيلي،بعدم تقديم أية تنازلات عن اجزاء من القدس إلا بموافقة 80 عضو كنيست من أصل 120 عضو،وكذلك هذا القانون يفتح الطريق لفصل الأحياء والضواحي الفلسطينية عن مدينة القدس،والأمور لن تقف عند هذا الحد فحدود الطغيان والتغول الأمريكي- الإسرائيلي على شعبنا،لن تتوقف عند هذا الحد،بل يجري التحضير لقرار وقانون ما يسمى بالقدس الكبرى،لكي تصبح مساحتها 10% من مساحة الضفة الغربية،ويتم ضم الكتل الإستيطانية الكبرى لها،وبالتوازي امريكا تقوم بخطوات عقابية وضغوط كبيرة ضد وعلى القيادة والشعب الفلسطيني،من خلال تصفية وكالة الغوث واللاجئين" الأونروا"،بعدم دفع الأموال لهذه المنظمة.
وفي الواقع المقدسي المعاش،نلمس حجم الهجمة والحرب على اهلنا وشعبنا في القدس،فمن يشاهد بوابة دمشق،بوابة الشهداء،يشعر بانها ثكنة عسكرية،جنود وقوات خاصة وشرطه وحرس حدود مدججين بالأسلحة،أيديهم على الزناد،محصنين في داخل منصات حديدية،تحيط بالبوابة من كل الإتجاهات،ناهيك عن تقسيم الساحة وفصلها عبر حواجز حديدية،تجعل حتى حركة الناس فيها دخولاً وخروجاً من والى البلدة القديمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر،فهذه البوابة سقط فيها العديد من الشهداء،لمجرد ان الواحد منهم وضع يده في جيبه او اخرجها بطريقة أثارت ريبة وشكوك جنود الإحتلال،الذين رغم تحصنهم وتسلحهم،تشعر ان الخوف والإرباك يسيطر عليهم،وجاهزين لإطلاق النار بغرض القتل،حتى لو كان من يرفع سكينة او مفكاً او أية آلة حادة اخرى طفلاً/ة،ولا يشكل أي خطر على جنود الإحتلال وشرطته،فهناك تعليمات واضحة بالقتل،لبث الرعب والخوف في قلوب المقدسيين وأبناء الشعب الفلسطيني،والإحتلال يعمل ليل نهار من اجل تشويه وتغيير الطابع التاريخي لبوابة دمشق والبلدة القديمة،فهناك ثلاثة أبراج تقام على مدخل بوابة دمشق،لكي يتحصن فيها جنود الإحتلال،وكذلك مركز للشرطة وحرس الحدود،وإضافة 40 كاميرا جديدة حديثة ومتطورة،والعمل على تتغير البنية التحتية والإضاءة والحركة،بما يمكن جيش الإحتلال وشرطته،من مراقبة كل حركة الفلسطينيين الداخلين الى والخارجين من البلدة القديمة.
وهذه العسكرة لبوابة دمشق،بوابة الشهداء،لها عدة اهداف،فالإحتلال لا يريد ان تتحول ساحة باب العامود،الى رمزية انتصار آخر،كما حدث في هبة باب الإسباط،ولذلك نرى انه على درجة عالية من "التغول" و"التوحش" في قمع المعتصمين والمحتجين،ولا يسمح لهم حتى بالجلوس في تلك الساحة،وهي تعتبر شريان اقتصادي- اجتماعي لسكان القدس ولتجار البلدة القديمة على وجه التحديد،ناهيك عن انها شريان ديني نحو المقدسات الإسلامية والمسيحية( الأقصى والقيامة)،والإحتلال يركز على دمجها مع القدس الغربية،لكي تكون المدخل للمستوطنين والجماعات التلمودية والتوراتية القادمة الى حائط البراق" حائط المبكى" المنتزع قسراً من مساحة المسجد الأقصى،كمكان مقدس للمسلمين فقط،وقدسيته من قدسية كل شبر من الأقصى.
الإحتلال يعتقد انه بعسكرة بوابة دمشق،بوابة الشهداء،سيتمكن من كسر إرادة المقدسيين،عبر ترهيبهم وتخويفهم،ومنعهم من الدخول الى القدس،وكذلك فهو يستهدف شل الحركة التجارية والإقتصادية داخل البلدة القديمة،فعدم دخول الناس او دخولهم باعداد قليلة،سيضر بالسياحة والإقتصاد،وكذلك هذا سيجعل الأقصى مكشوفا أمام الجمعيات التلمودية والتوراتية،التي تعمل على اقتحامه بشكل مستمر ومتواصل،وهناك تزايد غير مسبوق في اعداد المستوطنين والمتطرفين الذين يقتحمون الأقصى،والذي بلغ في عام 2017 حوالي 26000 الف اقتحام،والذين يستهدفونه بالتقسيم المكاني كمقدمة لهدم المسجد القبلي وإقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم مكانه.
مخططات التهويد للمدينة،وبالذات لبوابتها الشهيرة،بوابة دمشق وبلدتها القديمة،بعد قرار المتطرف ترامب بإعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال،تسير بوتائر متسارعة جداً،فالمحتل يشعر أنه تحرر من قيود قرارات الشرعية الدولية،ولذلك نسمع عن "تسونامي" إستيطاني في القدس،300 ألف وحده استيطانية،ستطال كل بقعة في القدس،والتي ستتوسع مساحتها،لكي تصبح 10% من مساحة الضفة الغربية،بعد ضم الكتل الإستيطانية الكبيرة اليها،من مجمع "غوش عتصيون" في جنوبها الغربي الى مجمع مستوطنات" معاليه ادوميم" في شرقها،وهذا الضم يعني استدخال وضخ أكثر من 150 ألف مستوطن لمدينة القدس،ويترافق ذلك مع خطط ومشاريع للإنفصال عن القرى والبلدات الفلسطينية في شرق القدس،مقدمتها خطة ما يسمى بوزير القدس وشؤون البيئة الليكودي "زئيف اليكن" بإخراج سكان القدس الفلسطينيين،الواقعين خلف جدار الفصل العنصري،من تعداد سكان القدس،بحيث يكون لهم مجالس محلية مرتبطة بطريقة ما ببلدية "القدس"،دون تلقى خدمات البلدية او المشاركة في انتخاباتها ،وهذا يعني إخراج سكان كفر عقب ومخيم شعفاط وأجزاء من أراضي السواحرة الشرقية المصنفة كقدس وتابعة لبلدية الاحتلال،أي ما مجموعه 100 ألف فلسطيني مقدسي،وهذا سيقلب الموازين الديمغرافية للمدينة لصالح المستوطنين،وسيدفع بإتجاه تهجير المزيد من المقدسيون العرب منها،وخصوصاً ان هناك خطة ل "عنات باركو"،عضو الكنيست عن الليكود،بإخراج 95% من سكان مدينة القدس العرب من حدود بلديتها.
خطر التهويد ليس فقط من خلال الطرد والتهجير وإغلاق كل الدوائر بالمستوطنات والكتل الإستيطانية حول القدس،وفصلها كلياً عن محيطها الديمغرافي والجغرافي الفلسطيني،بل نحن نشهد الان عبرنة للمكان والشوارع،فشارع السلطان سليمان،سيصبح اسمه شارع ما يسمى بالبطلات" تخليداً لمجندات سقطن في المكان او بالقرب منه نتيجة عمليات قام بها شبان فلسطينيون،وشارع صلاح الدين الشهير،والذي له دلالة ورمزية كبيرة،فهو تخليداً لذكرى القائد صلاح الدين الذي حقق نصراً على الفرنجة وحررها من نير إحتلالهم،واليوم يعلن وزير ما يسمى بالمواصلات الإسرائيلي كاتس،عن مصادقته على إطلاق اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على شارع صلاح الدين،ومشروع القطار الأرضي والهوائي الإستيطاني بالقرب من حائط البراق،في تقدير لدوره التاريخي و" الشجاع" بالإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال،ونحن نشهد عبرنة للشوارع بشكل كبير في بلدة سلوان،والتي أسموها ب "عير ديفيد"بلدة داود.
الإستهداف للقدس وبوابتها الشهيرة بوابة دمشق،بوابة الشهداء متواصلة،وعلى درجة عالية من الخطورة،حيث يقوم الاحتلال بتعزيز تواجده الشرطي والأمني في المدينة،لتعزيز سيطرته عليها،وجلب الأمن والأمان لجنوده ومستوطنيه ومواطنيه،من خلال إقامة ستة عشر مركز شرطي جديد في أحياء المدينة،ناهيك عن تخصيص 250 ملين شيكل للقيام بحفريات حول واسفل المسجد الأقصى،للبحث عن ما يسمى بالأثار اليهودية،والتي ثبت بالدليل القاطع رغم كل الحفريات التي جرت،لم يتم العثور على أية آثار يهودية،بل كلها اثار رومانية وبيزنطية وعثمانية وعربية وإسلامية.
الصراع والإشتباك مع المحتل سيتواصل،فالمحتل لا يرى في القدس سوى عاصمة موحدة له،غير قابلة للقسمة وبأغلبية يهودية كبيرة،ويتعامل مع وجودنا وحقوقنا في هذه المدينة،بمنطق الإقصاء وعدم الإعتراف،والمقدسي الذي لا يخضع بالقوة يخضع بالمزيد منها،ولذلك لا بد من رسم استراتيجية ووضع خطط وبرامج تحمي وجودنا وثوابتنا وبقاءنا في قدسنا وفوق أرضنا،بعيدا عن لغة الشعار والتنظير،فخطوة عملية خير من دستة برامج،فالطفل الصغير قبل الشيخ الكبير يعرف ما هي احتياجات القدس،وبعد العدوان والطغيان الأمريكي- الإسرائيلي على قدسنا وشعبنا،وما أعقب قرار المتطرف ترامب من قرارات وقوانين وتشريعات اسرائيلية قانون" القدس الموحدة" وقرار فرض السيادة الإسرائيلية وقوانينها على مستوطنات الضفة الغربية،يستدعي رد فلسطيني نوعي يخرج عن إطار ترديد الكليشهات المكررة والإنشاء واللغو والكلمات النارية والعنتريات،فنحن بحاجة الى قرارات ترتقي الى حجم الجرائم المرتكبة،ولذلك مطلوب من المجلس المركزي سحب الإعتراف بدولة الإحتلال،وإلغاء إتفاقية اوسلو وما ترتب عليها،وإلغاء كل الإتفاقيات والعلاقات الأمنية والإقتصادية والسياسية مع دولة الإحتلال،والعمل على إنهاء الإنقسام بشكل سريع وجدي وإستعادة الوحدة الوطنية،ورسم رؤيا واستراتيجية موحدتين تقومان على الصمود والمقاومة،والذهاب الى كل المؤسسات الدولية والإنضمام إليها،وتكثيف الحركة السياسية والدبلوماسية والقانونية،لجلب قادة الإحتلال ومستوطنيه الى محكمة الجنايات الدولية،ولكن أساس الحركة والحسم يتجلى في الميدان وليس في السياسة،ولذلك الحركة تبدأ في الميدان وتنتهي في السياسة،فالحسم للميدان بالتنسيق والتكامل مع السياسة والدبلوماسية،وكذلك لا بد من إعادة تغيير دور ووظيفة والتزامات السلطة،بحيث تصبح خادمة للشعب الفلسطيني والمنظمة،تلك المنظمة التي يجب العمل على إعادة بنائها على أسس ديمقراطية تشاركية،وبما يجعلها بيت الكل الفلسطيني.
بقلم/ راسم عبيدات