إسرائيل كيان قام ويقوم على قوة السلاح؛ ولهذا حرصت إسرائيل دوما على تطوير قدراتها العسكرية،والانفراد بالتفوق العسكري في المنطقة وسعت بكل الوسائل المعلنة والمخفية إلى إضعاف ومنع المحيطين بها من امتلاك سلاح يشكل تهديدا فعليا على وجودها...وهذه القوة العسكرية مسنودة بأجهزة مخابرات لها أذرع وعملاء وصلوا حتى الاختراق والتجسس على الصديق والحليف والداعم الأمريكي(جوناثان بولارد مثلا)، فكيف بالعرب والمسلمين؟!
ولكن إسرائيل قامت برعاية الكولونيالية الغربية، التي أمدتها بأسباب القوة المختلفة،وعملت على إضعاف خصومها وأعدائها إن وجدوا أو من يحتمل أن يكونوا خصوما، ولم تركن إلى قوة إسرائيل جيشها ومخابراتها فقط.
ومن الناحية الدبلوماسية والصراع في المحافل الدولية فإن إسرائيل ظلت تتكئ على الفيتو الأمريكي الجاهز في مجلس الأمن، وعلى تجاهل قرارات المؤسسات الدولية الأخرى كالجمعية العمومية، وعلى العلاقات التي تقيمها مع مختلف دول العالم والتي تشمل التعاون الاقتصادي و العلمي والتقني وبالتأكيد الأمني، بحيث يكون أي نـقد لإسرائيل وسياساتها مجرد فرقعات إعلامية لا تؤثر فعليا على أرض الواقع، فعلى أرض الواقع زادت إسرائيل من قبضتها على فلسطين بالاستيطان والتهويد.
وكما أن إسرائيل تفاخر وتلوح بسيفها الحاد (القوة العسكرية) فإنه لم يغب عن بالها أن تقول للعالم بأنها تمثل واحة الديموقراطية في قلب صحراء من الديكتاتورية والفساد والتخلف، وأن لديها نظاماً سياسياً قائماً على تداول السلطة؛ وأنه لو جئنا بإسرائيلي في الأربعين من عمره مثلا،لرأينا كم تعاقبت عليه الحكومات وقادتها ووزراؤها، فيما نظيره العربي الليبي مثلا لم يعرف إلا معمر القذافي والسوري لم يعرف إلا الأسد الأب والابن والعراقي لم يعرف إلا صدام حسين، وما تلا هؤلاء من تغيرات جعلت هذه الدول في حالة تعود إلى ما يشبه القبائل المتنازعة ومرحلة ما قبل الدولة في التاريخ الإنساني.
ومما راهنت عليه إسرائيل لتدعيم عوامل القوة والقدرة هو تغير الموقف منها مع مرور الزمن بفعل مراكمة عناصر القوة والسيطرة وتغير الأوضاع دولياً وإقليمياً؛ فمن التهديد بشطبها وشعار(تجوّع يا سمك) إلى القبول بوجودها واستيلائها على ثلثي مساحة فلسطين والاكتفاء بانسحابها من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران/نيونيو 1967 وصولا إلى ما كان همسا ثم صار مؤخرا صوتاً مرتفعاً من بعض النخب العربية السياسية والإعلامية يجاهر بفكرة تطبيع العلاقات قبل بل دون أي انسحاب إسرائيلي من أي أراضي محتلة، بل اعتبار القدس قضية ثانوية!
وهذا الرهان على الزمن نراه قائماً فيما يتعلق بقرار ترمب باعتبار القدس عاصمة للكيان العبري؛ فإسرائيل تراهن على أن موجة السخط والغضب وحتى الإدانة من الأمم المتحدة، هي حالة ستنتهي ويطويها النسيان بمرور الوقت، وحتى حين ينقل الأمريكان سفارتهم إلى القدس فإن موجات الغضب والاستنكار ستتراجع تدريجيا وستحذو دول أخرى حذو الولايات المتحدة.
وفي ظل موجة الهوس والاستنفار لما يسمى الحرب على الإرهاب صار للكيان حظوة في المجال الأمني حتى لدى دول لا تقيم معه علاقات علنية مباشرة.
ورعاية الدول العظمى والكبرى لهذا المشروع الصهيوني تمده بأسباب البقاء ناهيك عن القوة والقدرة؛ فإسرائيل ولدت ونمت وتعيش برعاية هذه الدول التي ما تزال تراها مصلحة حيوية؛ فحتى لو أن دولة عظمى أو كبرى، عارضت أو امتعضت من سياسة إسرائيلية معينة، أو رفضت إجراء إسرائيليا على الأرض، فإن هذه المعارضة أو النقد أو الامتعاض لا تمس جوهر قناعة الدول العظمى والكبرى بضرورة بقاء إسرائيل وضمان تفوقها على العرب والمسلمين، ويمكن أن نشبه غضب بعض الدول الكبرى من إسرائيل بموقف أب لا يعجبه تصرف أحد من أولاده، فلربما يؤنبه أو يحذره، ولكنه يظل يرعاه ويحميه...وهنا يجب أن نكون على قناعة أنه ليس ثمة فرق جوهري بين الولايات المتحدة من جهة وفرنسا وروسيا من جهة أخرى؛ فالفرق ليس مبدئيا من إسرائيل بقدر ما هو خلاف حول بعض التكتيكات.
وموضوع الدول الكبرى يقودنا إلى مسألة اللوبي اليهودي الصهيوني في تلك الدول؛ فهذا اللوبي تأثيره لا يخفى على القاضي والداني في مسار العملية الانتخابية، عبر المال اليهودي، وهو المال الذي يملك صحفا كبيرة ومحطات إذاعة وتلفزة لها تأثيرها في تكوين الرأي، بل هناك امبراطوريات إعلامية ضخمة يمتلكها رجال أعمال يهود، وهذا يضاف إلى عوامل القوة الصهيونية العابرة للقارات، ولكن يجب ألا ننساق وراء النظرية التي تروجها بعض الكتب ومواقع الإنترنت بأن العالم محكوم من بضعة أفراد أو عائلات يهودية تتحكم بسياساته واقتصاده وإعلامه وأمنه وتسيّره أنّى شاءت؛ فاللوبيات في النهاية هي مجموعات ضاغطة مهما كبر حجم هذا الضغط.
هذا إجمالا استعراض عام سريع لعوامل القوة والقدرة التي بحوزة المشروع الصهيوني، وهو يتقن استخدامها وتوظيفها لأغراضه وأهدافه ومخططاته، فليس المهم فقط امتلاك عوامل وعناصر القوة ولكن كيفية تجميعها وتوظيفها واستخدامها بما يصب في مصلحة الأهداف المرحلية والاستراتيجية.
ومع ذلك هناك عوامل ضعف لدى هذا المشروع، تقابلها عوامل قوة لدى أعدائه يمكن أن تضعفه ثم لاحقا تهزمه إذا أحسن توظيفها وتوجيهها...وهذا بحاجة إلى مقال آخر بمشيئة الله.
بقلم/ سري سمّور