مع تحديد موعد انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية يوم 14 يناير الجاري، وذلك بعد أن قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي يوم 6 ديسمبر 2017، وما لحق ذلك من قرار لحزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم أراضي منطقة "سي" من الضفة الغربية لإسرائيل، ومن ثم مصادقة الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) فجر الثلاثاء 2 يناير بالقرآئتين الثانية، والثالثة على قانون "القدس الموحدة" الذي يمنع أي حكومة إسرائيلية من التفاوض على أي جزء من القدس إلا بعد موافقة غالبية نيابية استثنائية لا تقل عن ثمانين عضواً من أصل 120 (أي ثلثي أعضاء الكنيست الإسرائيلي)، فلابد من التعرف على بعض حقائق الوضع الراهن ،وكيف يتم تسيير هذه المركب للوصول إلى هذه النتائج الصادمة الواحدة تلو الأخرى وكيفية تواطؤ القيادة الفلسطينية ممثلة في الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتسهيل تمرير ذلك.
هنا لابد من التنويه إلى أنه في ظل تسارع وتيرة حالة التخبط القائمة في الساحة الفلسطينية، برزت عدة تطورات متلاحقة سخرتها الأطراف المتصارعة كل حسب مصلحته، فأصبحت بوابة الصراع مفتوحة بلا أخلاق، وفي طريقها لأن تصل لمرحلة متقدمة، ولربما تصل لأوجهاً قريباً بعد إتمام مهمة الرئيس محمود عباس، وذلك في عقد المجلس المركزي، وما سيتم تمريره من خلال هذا الإجتماع بعد أن عجز عن عقد إجتماع موسع للمجلس الوطني لتمريرالمطلوب منه، حيث وصلت الخصومة القذرة لمرحلة كسر العظم بدون رحمه، ولكنها لم تظهر بعد لتصل لمرحلة المواجهة المسلحة التي أسس لها عباس جدياً حتى يضمن حرق المراكب من بعده، وعدم ملاحقته بعد أن يكتشف الشعب الفلسطيني حقيقة المهمة التفريطية الاستسلامية التي قام بها منذ أن تسلم الحكم.
من هنا نريد أن نسرد الأمور كما نراها، وليس كما يشكك البعض المارق من هذه المنظومة ومن المضللين الذين يتبعونها بأن هناك من يمليها علينا كغيرنا من الكثيرين في هذه الأيام ممن يعتاشون على تأجير القلم، حيث لوحظ في الفترة الأخيرة، وعلى لسان أحد الزائرين لمقر المقاطعة والمصلين إلى جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بأن هناك حالة جدل قائمة حول دور الرئيس محمود عباس فيما يدور وما الذي يفعله الرجل بالتحديد، ولذلك باتت الأنظار تتجه إلى المقاطعة مترقبة لحظات مفاجئة، حيث أنه بدا واضحاً أن هناك حالة استعداد صامتة في هذه المقاطعة للرحيل فور بروز أي مؤشرات مفاجئة لبداية نهاية المرحلة التي يظن البعض بأنها أصبحت قريبة جداً، لذلك جاء الكشف عن مؤامرة ضد محمود عباس من قبل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية العامة وممثل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بالرغم من نفيهم ذلك!.
فلوعدنا مثلاً للوراء بعض الشيء سنجد أن محمود عباس إعتاد على أن يطلق التصريحات تلو الأخرى بخصوص الشأن الوطني، وسرعان ما كان يتبين بأنها لا تحمل معها إلا وهماً، وكانت تهدف بمجملها إلى حرف الأنظار عما يتم فعله وتنفيذه على الأرض بالفعل، حيث أعلن دولة غير عضو في الأمم المتحدة بإعتراف 138 دولة، وجلعها دولة بلا مضمون ولا قيمة لها إلا ما يخدمه شخصياً من خلال الإستقبالات البروتوكولية فقط، بالرغم من أن ذلك كان موجوداً بعد إعلان الجزائر في 15 نوفمبر 1988 ، بعدما أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في ذاك اليوم ما عرف بوثيقة إعلان قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في قصر الصنوبر بالعاصمة الجزائرية ووصل عدد الدول التي إعترفت بهذه الدولة في حينه إلى 94 دولة.
بعد ذلك جاء بفكرة محكمة الجنايات الدولية، ومن ثم بمؤتمر باريس وما ستمخض عنه من اعتراف أوروبي بدولة فلسطين، وبعد ذلك خرج بفكرة محاكمة بريطانيا عن مسؤوليتها عن وعد بلفور، كل ذلك جاء بالتزامن مع إمعانه بتشديد الحصار على قطاع غزة، وتعميق حالة الإنقسام القائمة، وقتل أي بارقة أمل لتحقيق المصالحة، وكان آخر ما خرج عنه بعد أن تعهدت جمهورية مصر العربية برعاية المصالحة فبات يضع الصعوبات والشروط التعجيزية ومنها التمكين، وغيرها وكلما تم حل معضلة خلق عقدة أخرى بدون النظر لحالة الشعب البائسة، وما ترتب على سياساته القاتلة، والمدمرة للوضع الداخلي على المستوى الإجتماعي والوطني، مما خلق حالة خنوع تامة وتهيئة الشارع للتحرك والتوجيه كيفما أراد وأينما أراد في سياق ما تمليه المتطلبات التي تُملى عليه.
وكما اتخذ قرارات في الدورة السابقة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية كان مكانها أرشيف مكتبه لتغطى بالأتربة كغيرها من قرارات، ثم عاد مرة أخرى ليتحدث عن قرارت مصيرية كما تحدث في المرات الماضية، وذلك بالتزامن مع تصريحات نارية من فريقه الإعلامي، الذي يوفر له غطاء لخضو معاركه الوهمية التي يهدف من خلالها على تغييب عقول المشاركين في هذه الإجتماعات حتى يضمن مجيئهم كشهود زور فقط لما يريد تمريره بإسمهم، وبقوة حضورهم التي تضفي شرعية لما يتخذه من قرارات.
شهود يأتون من كل حدب وصوب كنا نظنهم قيادات لديها كرامة، فوجدناهم مأجورين وصعاليك يتم شرائهم في جوف الليل ليشهدوا على تمرير قرارات مصيرية تغطى على حجم المؤامرة وتغطي على خطوات ضياع الوطن، بدون أن ندرك بأنهم دائماً ما يكونوا شركاء في كل ما تم تمريره حتى يومنا هذا، وما نجم عنه من ضياع للقدس، وما تلى ذلك من قرارات للحكومة الإسرائيلية، وما سيتلو ذلك من خطوات سيكون وقعها كالصاعقة على الشعب الفلسطيني الذي بات همه تفريغ ما يحمله من هم وضعه على صدره محمود عباس وهؤلاء الصعاليك، وذلك من خلال قذف الحجرة أو مواجهة الموت بدون معرفة السبب، ولماذا يواجه الموت ويدافع عن خطيئة إرتكبها صعاليك في جوف الليل ويطالبونه بأن يحمي خطيئتهم، ويسجلوا له بطولة قبل أن يصحو من غفوته ويعرف حجم خيانتهم، وتفريطهم بالوطن، ومتاجرتهم بآلامهم وأوجاعه ومستقبل أطفاله!.
ومع ذلك ، لوحظ أن عدد الأسود الوطنية المنتظرة التي وقفت في وجه هؤلاء، الذين باتوا يمثلون منظومة بائسة وعاجزة، حيث بدأ يتزايد عدد الراغبين في المشاركة في تحمل مسؤولية وطن نهشته وافترسته هؤلاء الصعاليك في جوف الليل بعيداً عن الشبهات ،حيث نهبوا خيراته وتاجروا بمقدراته وألام أبنائه.
كما أن شعبنا بات يدرك بأن هؤلاء ما هم إلا أدوات متهالكة ومتصارعة عاشت مرحلتها متطفلة على كرامة شعب يعشق الحياة ومتجاهلةً بأنه له كرامة وبأنه بات في طريق القرار ليلفظها، حيث أنه بات يعرف بأن هؤلاء الصعاليك ما هم إلا أدوات أغرقته في وحل هموم لم يكن ينتظرها، فتركها تعبث به كما تشاء صابراً محتسباً ومتمسكاً بأمل طال إليه الانتظار، ولكن يبدو بأنه أصبح في حالة بلورة اتخاذ قرار، مما جعل هؤلاء الصعاليك في صراع مع الزمن، لأنهم يعلمون بأنه نجم عما سيتم إتخاذ هذا القرار، وهناك ملامح تقول بأنه سيكون قريباً، وسيكون مفاجئاً وشاملاً وقوياً، وسيحيل جنان هؤلاء الصعاليك الذين ترعرعوا على ضياع الوطن ونهب مقدراته، إلى مغارات الذل والإنكسار.
الكاتب/ م. زهير الشاعر
كاتب ومحلل سياسي