احد على الاطلاق لا يمكنه ان يخطو خطوة واحدة الى الامام لتحقيق اهدافه اذا لم يكن مدركا لقدرات عدوه ومكامن قوته وضعفه وعلى نفس المستوى اذا لم يكن مدركا لذلك بنفسه فالأمم التي تسعى لحريتها دون دراية بعدوها وذاتها لا يمكنها الوصول الى ما تردي ابدا وليس من الجائز ابدا ان تسعى للحرية والتحرر فقط لأنك تريد ذلك ولقناعتك الذاتية انك على حق, فليس الحق وحده من يمكنه الانتصار والا لما تمكنت الامبريالية من تحقيق انتصاراتها وتزعم العالم وادارته ولما فشل الاتحاد السوفياتي على البقاء اكثر من سبعة عقود ليجد نفسه مفتتا من جديد, ولما استطاع المستوطنين البيض الانتصار على الهنود الحمر الشعب الاصيل للأراضي الامريكية ولما انهارت الدولة الاسلامية وتفتت حد الغياب, ولما فقدت الامبراطوريات حضورها عبر التاريخ وجرى استبدالها مرات ومرات الى ان انتهت نهائيا.
منذ بداية الهجرة الصهيونية الى فلسطين وظهور وعد بلفور حتى وعد ترمب الاخير سعى الشعب الفلسطيني للخلاص من الاحتلال وتبعاته وقدم في سبيل ذلك التضحيات تلو التضحيات وضرب مثلا في قدرته على الصمود والتضحية وتعرض للعديد من المؤامرات وسقطت كل الارض الفلسطينية بايدي الاحتلال ومع كل التعاطف الانساني الشعبي من كل شعوب الارض مع الحق الفلسطيني الا ان فلسطين لا زالت وبعد مائة عام غير قادرة على الوجود ولم يتمكن شعبها بعد من الحاق الهزيمة بالمحتلين ومشروعهم الاستيطاني العنصري, وبدا واضحا وكان الجريمة اكثر قدرة على الانتصار من الحق واصحابه وكل عام جديد تراجع جديد فمنذ ثورة البراق وثورة عام 1936 الى حرب 1948 التي انتهت بالنكبة والتشريد واللجوء وشرعنة دولة الاحتلال من قبل ما يسمى بالشرعية الدولية و1956والانتصار الذي لم نستطع الامساك به وبدل الاعتقاد الجازم بان الكفاح الشعبي والصمود الاسطوري هما اللذان دحرا المحتلين رحنا نهدي الانجاز تارة للاتحاد السوفياتي وانذاره النووي وتارة للولايات المتحدة وانذار ايزنهاور للدول الثلاث بريطانيا وفرنسا ودولة الاحتلال و1967التي انتهت باحتلال ما تبقى من الاراض الفلسطينية وعدة اجزاء من اراضي دول عربية مجاورة طالت مصر وسوريا والاردن ولبنان و 1973 التي لم تتمكن الانظمة العربية الرسمية التي خاضت الحرب والنظام المصري بقيادة السادات تحديدا من تحويلا النصر العسكري الى انجازات سياسية على الارض بل على العكس من ذلك جرى التفريط بكل المنجزات التي حققتها حرب اكتوبر وانتهت بالمفاوضات العقيمة والاعيب كسينجر وفي اخر المطاف باتفاقيات كامب ديفيد التي اخرجت مصر من كل المواجهة مع دولة الاحتلال الى جانب توقيع اتفاقيات هدنة مع سوريا الطرف الثاني في الحرب بمكاسب بخسة آنذاك فرضتها على سوريا خروج مصر من المواجهة كليا الى حرب لبنان عام 1982 والتي انتهت بخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان نهائيا.
الانتفاضتين المجيدتين بدأتا بكل الزخم الجماهيري ثم تم القفز عليهما واختزالهما بمجموعة بطلة هنا ومجموعة اخرى هناك وتم تغييب الفعل الشعبي الجماعي كليا مما سهل على الاحتلال وقف الانتفاضتين فالأولى اوصلتنا الى اوسلو والثانية لا زالت نتائجها ماثلة للعيان.
اليوم نحن امام نكبة جديدة بدأت بإدارة العالم ظهره لنا ودفعت بترامب لاتخاذ قاراه عن القدس ونتنياهو وحكومته لإعلان بسط السيادة الاحتلالية على الضفة الغربية تاركين غزة لنا نصنع بها امبراطورية من يريد أيا كان ان يصوغ التحرير على هواه والرد الوحيد الذي جرى هو مسيرة هنا او مسيرة هناك ودعوة هنا او دعوة هناك وخطاب هنا او خطاب هناك ثم عدنا الى بيوتنا سالمين نتصارع على مصالح لا مصالحة ونجتر خيباتنا الواحدة تلو الاخرى ومع ان الامم المتحدة اجتمعت والدول الاسلامية اجتمعت وايا كانت نتائجها الا ان الوحيدين الذين لا زلنا بانتظار اجتماعهم هم القيادة الفلسطينية
اجتماع المجلس المركزي المنتظر بعد اكثر من شهر على قرار ترامب وصدور قرار نتنياهو لا زال غامضا فهل ستحضر حماس التي لا زالت تدرس وهل تم دعوة الجهاد وهل جرى تكليف ايا كان ببحث الوسائل الممكنة للرد وهل هناك جهة اعدت برامج عملية للرد ام ان البيان الذي سيصدر عن اجتماعات تلك القيادة والتي قطعا ستخيم عليها مأساة الانقسام ستاتي تكرارا لخطاب الرئيس في اسطنبول وتأكيدا على خطاب الرئيس في الامم المتحدة وانتظارا جديدا لدورة جديدة للأمم المتحدة وتأكيدا على تمسكنا بالشرعية الدولية وهل اكتفى شعب جنوب افريقيا بالشرعية الدولية لنيل حريته وهل اكتفى الشعب الهندي بمواثيق حقوق الانسان للتخلص من الاستعمار, هل سنشهد اجتماعا لقيادة الشعب الفلسطيني في ظل الحرب المعلنة على شعبنا وبلادنا في صالات مكيفة وياقات منشاة وبيانات من ورق دون السعي لتجميع طاقات الشعب وفحص قوانا وعتادنا واعلان استعدادنا للتنازل عن مصال البعض وامتيازاته واستعداد القيادة للتحمل قيود الاحتلال بمنع التنقل والحركة وتحويل هذه القيادة من قيادة ورقية الى هيئة اركان الثورة الشعبية والتي تضم كل الشعب في كفاح حقيقي يسلب الاحتلال قدرته على الحركة, هل سنجد اعضاء المجلس المركزي يخرجون من اجتماعاتهم مشيا على الاقدام امام جماهيرهم او حتى مناصريهم ومن يصفقون لهم الى بوابات المستوطنات والطرق الالتفافية والتنازل عن سياراتهم الفارهة لتحويلها الى متاريس تغلق طرق المستوطنين وتجعل من قرار حكومة نتنياهو امرا مستحيلا.
لدى شعبنا مخزون كبير من الادوات القادرة على احباط مشاريع الاحتلال بما في ذلك احباط وجوده ان نحن تمكنا فعلا من توحيد طاقات الشعب كل الشعب ووجدنا قيادة ميدانية مؤمنة بالحرية عبر الفعل بذاتها لا عبر البيانات والامنيات وتقديم الضحايا من الشباب والتصفيق لدمهم, قيادة ترتهن بإرادة الشعب وتقف على راسه بنفسها وتتقدم الصفوف في كفاح يعتمد العنف السلمي ويمكن كل الشعب من المشاركة كل حسب قدراته وامكانياته ولا يحصر مواجهة الاحتلال بفعل الموت والسلاح وهي الطريقة التي يسعد الاحتلال بها على اعتبار انه الاكثر قدرة على التفوق بها في حين يمكن لشعبنا ان يشل حركة الاحتلال وجيشه واداته العسكرية بجموع الالاف ومئات الالاف مشيا على الاقدام ليس نحو القدس فقط بل وحتى نحو حيفا مؤكدين شعارنا فلسطين واحدة موحدة, كل ذلك دون اطلاق حتى ورقة في وجه احد وعلى 160000 جندي هم قوام جيش الاحتلال النظامي ان يتمكنوا من وقف زحف الجماهير ان استطاعوا او ارتكاب مذبحة القرن بديلا لصفقة القرن ولنرى من سينتصر.
ان القرار الوحيد المطلوب اليوم من القيادة الفلسطينية هو الاعلان عن انتهاء سائر الاتفاقيات البائدة مع دولة الاحتلال والعودة الى مربعنا الاول تحت شعار فلسطين واحدة موحدة باعتباره البديل الوحيد الممكن والمقبول على شعبنا مسقطين بذلك الانقسام والتقسيم والتفتيت بتحويل كل قوانا ومؤسساتنا الى فعل مقاومة شعبي واحد يمنع سريان قوانين الاحتلال وقرارات حلفائه وفي مقدمتهم ترامب وحكومته دافعين بكل طاقات شعبنا الى مواجهة جماعية تلغي الفردية والمغامرة وتعلن حربا على الاحتلال قوامها كل الشعب الى ان يتم توحيد بلادنا وتحريرها من الاحتلال العنصري وتستعيد فلسطين مكانتها كعاصمة للسلم ومنارة للحرية على وجه الارض مستمدين قوتنا من وحدة شعبنا وايمانه بحقه ومن التفاف احرار الارض من حولنا ومن حول قضيتنا مبتكرين ادوات كفاح لا يمكن لأعدائنا وادها او الانتصار عليها او امتلاك ادوات لهزيمتها.
بقلم/ عدنان الصباح