الدم والطوفان والمركزي

بقلم: طلال الشريف

في الرابع والخامس عشر من كانون ثاني يناير ستنزل ستائر النسيان على مشهد عبثي طال إنتظار مغادرته تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته ولو أردتم دعونا ننزل الستار على ما فات من هذه اللحظة فليس القادم لوغاريتمات يصعب حلها . ... المشهد كان قد بدأ ساذجا وإنتقل لمشاهد متفرقة أكثر حنقا وسذاجة لقيادة فاشلة وشعب تم تخديره بوعود بدآت بسينغافورة الوطنيين وإمتدت لجنة الإسلاميين وإنتهت على خجل المنهزمين بحلم جنوب أفريقيا والدولة الواحدة.

كان السؤال الكبير مطروحا منذ البدء ما هي طبيعة الصراع مع إسرائيل ولكن عباطة الجهل والفهلوة أطبقت على عقول قيادات الشعب الفلسطيني فتصوروها صلحة عرب وبوس لحي وذبح خرفان فإكتشفوا أن السؤال الكبير مازال مطروحا ولم يعرفوا الإجابة عليه لأنهم لو عرفوا الإجابة لعرفوا متطلبات ومستلزمات العمل ولكن سوط الحقيقة مازال يسلخ جلودنا بضرباته المتلاحقة.
طبيعة الصراع هنا لا تعني الاستيطان والطرد ومصادرة الأرض وقتل وتهجير السكان وإقامة دولة إسرائيل وإنتصار المشروع الصهيوني ولماذا وكيف إنتصر؟ ولماذا وكيف هزمنا وضاعت البلد ؟
إنه الوعي والفكر المطلوب والسلوك المواجه للمشروع الصهيوني الذي كان ينادي به الثوار والمجاهدين والسياسيين والمثقفين فيضعون برامجهم وبيستنبطون أدواتهم منها للتصدي للمحتلين فأين الخطأ؟
هم نظريا وضعوا البرامج وتصرفوا ليس بأخلاق البرامج بل بأخلاقهم وفئويتهم ومصالحهم وجهلهم أحيانا ومع الإحترام للشهداء فقط الذين ضحوا بحياتهم العزيزة في سبيل التحرر تعالوا نفهم كيف تصرفوا بأخلاقهم وليس بأخلاق برامجهم ووعيهم وفكرهم
أولا: بدأوا النضال متفرقين كل يدعي فهم طبيعة الصراع والذي من المفترض ألا يكونوا متفرقين تتنازعهم الفئوية والحزبية والذاتية منذ البدء في صراع خفي ينتظر الفرد أو الحزب أن يمتلك الهيمنة على الآخرين.
ثانيا : إئتلفنا في منظمة التحرير وقلنا هذا تطور نوعي لعله أفضل فماذا جرى؟ فسدت المنظمة وأفسدت أحزابها وحزب يهيمن بالعدد والعلاقات مع الداعمين والمال والتفرد في فرض الرؤية واستمر الجدل والصراع تحت الرماد وأخذ وقتا وجدها طويلا من جهد الثوار وكان لتفرد ياسر عرفات كثير من الأثر السلبي على المنظمة وعلى أحزابها كما بالضبط تفرد قادة أحزاب الإئتلاف والكل يعرف التاريخ ولكنهم ينافقون ليتواصلون من مرحلة لأخرى دون تعديل في النهج والإدارة والسلوك في المنظمة وكذلك داخل الأحزاب كلها وواصل الدمويون وخرج المفكرون والمخلصون لتستمر موجات الطرد للمخالفين والمناضلين الحقيقيين والمحاولين دوما التصحيح فتراكمت الأخطاء وساروا كأمراء يتآمرون طول الوقت على معارضيهم وكيفية إبعادهم من المسيرة وحين يتفرغون من ذلك يتابعون الإحتلال
ثالثا : لم تنجز أي من البرامج الحزبية أو الإئتلافية منذ إنطلاق الجميع وحتى اليوم.
رابعا بقى حال الوطنيين يتخاصمون ويتأرجحون حتى جاءت فرصة أوسلو ليقيموا السلطة الوطنية فكان النهج والسلوك الذي تعمق هو السائد دون إنتباه لسلبيات السابق الذي كلف مسيرة الثورة الكثير ولم يراجعوا بل دخلوا في مرحلة جمع الغنائم والوظائف وغطوا في سكر عميق عن الصراع مع المحتل إلا جبرا ورغم إلتزامهم ببنود الاتفاق لكن كانت سلوكياتهم وأخلاقهم ليست في حالة تناسب مع أناس ثوريين يهدفون للتحرر ويعملون من أجله بأخلاق الثائرين الفقراء ولم يصحوا من سكرتهم إلا على إنقلاب حماس التي جاءت من خارج المعهود لديهم من أحزاب أو إئتلاف منظمة التحرير فهذه المرة ليس صراعا على الهيمنة فقط بل الصراع له طابع الإقصاء والإحلال والاستئصال فكان الدم أكبر وإنقسم الوطن.
خامسا : إنقسم الوطن ولم يراجع الوطنيون حالهم ومسيرتهم بالشكل الصحيح بل تكرست الذاتية والفساد والصراع الداخلي في فتح الذي ميز حالة التقوقع وتفشي الديكتاتورية والخلاف مع الأحزاب الأخرى في الضفة الغربية وصلت لقذف زجاجات المياه في أحد الاجتماعات وتضخمت الأخطاء والخطايا حتى وصل بهم الحال لمعاقبة أهل غزة جماعيا في خروج عن الخط الوطني والثوري السليم لأخلاق وسلوكيات تحرير الأرض وانتهى أوسلو ولازالت سوءاته فاعلة وعلى رأسها التنسيق الأمني.
سادسا: حماس في غزة ركبت رأسها عشر سنين تهدد وتمكر ولا تسمع وتحكم بالحديد والنار وتستفيد كحركة وكحزب من الكثير من مقدرات البلد حتى إنكشف ظهرها ماليا وأصبحت تدرك ما كنت أتحدث عنه وهو الوعي والفكرة والسلوك لمن يريدون تحرير الوطن لا ينقسمون ولا يذلون المواطنين وبدل ذلك فحماس قاربت أن تشبه سلوك الحكام والأحزاب الوطنيين السابقين فوظفوا حزبهم وأولادهم ومن والاهم وتركوا الشعب ينتحر إجتماعيا واقتصاديا وكره الناس كل الأحزاب.
أخلاق التحرر ليس بهذه السلوكيات هذا هو الخطأ وهذه هي الخطيئة عندما تكون مسؤولا عن شعب وقضية فهل يجوز أن تتصرف كما تصرفت فتح وحماس مع الشعب الفلسطيني وبدل أن تأخذه لأطوار أكثر حضارية وديمقراطية ونزاهة في القضاء وحفظ الحقوق ليستقووا به في المواجهة الحالية مع الادارة الامريكية واسرائيل بعد مصادرة القدس الفلسطينية.
شوفوا وين صار شعبنا في محنته ففعل كما هذه الحالة التي صنعتها الأحزاب الوطنية والإسلامية والرئيس والمسؤولين هل في إستطاعته أن يواجه "تحت قيادتهم" ما تتآمر به أمريكا وإسرائيل على قضيته.
هزمتوا هذا الشعب ومهدتوا الطريق لتمرير الحلول التصفوية للقضية أليس كذلك؟
هناك مجلس مركزي ينعقد في الرابع والخامس عشر من يناير فماذا ستقولون وماذا ستفعلون؟ هل من فعل ما سبق بإمكانه إنهاض شعبه؟
كان منكم الدم والذل والفساد فهل المركزي يصنع السحر وأي سحر فالطوفان قادم لو ابتعدتم عن الطريق وتركتم هذا الشعب العظيم ليتولى أمر نفسه ويختار من يقوده بعد أن عطلتم كل الطرق لصندوق الانتخابات وقبضتم على السلطة والمقدرات.
انظروا على ماذا تختلفون حلول المصالحة؟ تتضح حقيقة ما أقول
هل تختلفون على القتال ضد المحتل أم على السلام مع المحتل ؟ أم كما تدعون وتخدرون شعبنا علي استراتيجية وطنية جديدة ؟ لا لا أنتم تختلفون على الموظفين وعلى التمكين يعني مصالح حزبية وهيمنة ولا وجود في خلافكم شيئ يخص الاحتلال أو مصالح المواطنين أليس كذلك ؟ فقولوا كيف ستضحكون على شعبنا من جديد بكلام وخطط لا تفيد ما دمتم أنتم هنا مهيمنون فأنتم المشكلة ولستم الحل ؟

د.طلال الشريف