أقر الكنيست الإسرائيلي، يوم الأربعاء الماضي الموافق الثالث من كانون ثاني/يناير الجاري، بالقراءة التمهيدية مشروع قانون، جائر وظالم، عنصري وارهابي، تقدم به حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان"، يسمح بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين الذين تفذوا عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي قتل فيها إسرائيليين على خلفية دينية أو أيدلوجية أو قومية.
وهذه ليست أول مرة يتم فيها مناقشة هذا المشروع، إذ سبق وأثير مراراً خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وبالرغم من إقراره هذه المرة بالقراءة التمهيدية، بدعم من الائتلاف الحاكم الإسرائيلي، ومعارضة وزير الأمن والنائب العام والشاباك، فإنه ليس من المتوقع مروره بالقراءات الثلاث القادمة والتي يحتاجها المشروع حتى يصبح نافذاً في المحاكم العسكرية، ليس حرصاً على حقوق الإنسان الفلسطيني، وإنما لأن تمرير مثل هذا القانون وإقراره، يعني تغيير الصورة التي تسعى إسرائيل إلى ترويجها وتحاول الظهور بها أمام العالم، على أنها دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان. فضلاً على أن القانون يُصَنَف على أنه "عنصري" لأنه يستهدف الفلسطينيين ولا ينطبق على الإسرائيليين، لذا فإن القانون يعتبر جزءاً من التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، ويؤكد على أنها دولة أبارتهايد، وإسرائيل لن تضع نفسها في هذا الموقف أمام العالم.
وحتى وان حصل ما هو غير متوقع، وأقر القانون بسبب التحريض المتواصل على الأسرى والدعم غير المسبوق للقانون من قبل الائتلاف الحاكم وتنافس أحزاب اليمين في الاعتداء على حقوق الفلسطينيين لإرضاء الإسرائيليين وللتغطية على الأزمات الداخلية، فانه من المستبعد أن تُقدم الجهات التنفيذية في دولة الاحتلال على إعدام فلسطيني واحد صدر بحقه حكماً بالإعدام من قبل إحدى المحاكم العسكرية الإسرائيلية، تجنباً لانتقادات المجتمع الدولي الذي يتجه إلى إلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها مخالفة لحقوق الإنسان. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لإدراكها بأن هذا سيلحق الضرر بالأمن الإسرائيلي وسيهدد حياة الإسرائيليين، إذ سيدفع بالفلسطينيين الغاضبين إلى تصعيد مقاومتهم واللجوء إلى وسائل كفاحية أكثر عنفا وإيلاما للاحتلال، لطالما أن الموت المحتم هو ما ينتظر المقاوم، وثأرا للشهداء الذين سيتحولون الى حكايا تٌشعل ثورة من تحت التراب وتُحرض الأحياء من بعدهم،.
وبغض النظر أقر القانون بالقراءات الثلاث وتمت المصادقة عليه بشكل نهائي أم لا. صَدرت أحكام بالإعدام من قبل المحاكم الإسرائيلية -التي لم تكن يوما نزيهة وعادلة- أم لم تَصدر. نُفذت الأحكام أو لم تُنفذ. فالحقيقة المرة التي يجب أن نُدركها جميعاً تؤكد على أن دولة الاحتلال ومن الناحية العملية لم توقف جرائم الإعدامات يوماً، ومارست وتُمارس عقوبة الإعدام كسياسة ومنهج منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية ودون قانون يُحرجها أمام العالم، وأقدمت وتحت ذرائع مختلفة وبأشكال عدة، على إعدام المئات من المعتقلين الفلسطينيين بعد السيطرة التامة عليهم، أو بعد سجنهم وداخل أقبية التحقيق، وهناك أمثلة كثيرة تدلل على ما نقول، ولعل أبرزها "الحافلة 300" وليس آخرها الشهيد "عبد الفتاح الشريف".
ولكن إقرار قانون الإعدام في الكنيست الإسرائيلي يعكس حقيقة العقلية الإجرامية والانتقامية للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة وكذلك للمستوى السياسي في التعامل مع الفلسطينيين، وهو محاولة جديدة لتقنين الجريمة وشرعنة قتل الفلسطينيين بشكل وقح، وتحريض العاملين في المؤسسة الأمنية لارتكاب مزيد من عمليات إطلاق النار تجاه الفلسطينيين بهدف القتل والتصفية الجسدية لمجرد الاشتباه، ولربما هذا ما يفسر تصاعد عمليات القتل والإعدام الميداني والتنكيل بالجرحى والمصابين منذ أن طرح القانون للنقاش وتعالت الأصوات لتطبيقه قبل ثلاث سنوات، حيث رُصدت مئات الجرائم المماثلة.
والأخطر، هو المساس بمكانة الأسرى القانونية، والإساءة الى هويتهم النضالية بما يخدم المحاولات الإسرائيلية الرامية لتقديمهم للعالم على أنهم مجرمين وقتلة وإرهابيين واياديهم ملطخة بالدماء، ويجب قتلهم، وليسوا مناضلين ومقاومين يدافعون عن حقوق شعبهم. وهذا يعني تجريم النضال الوطني الفلسطيني ومساساً خطيراً بمشروعية كفاح الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال.
إن هذا النضال الذي خاضه الأسرى ويخوضه الشعب الفلسطيني ليس جريمة، وأن تلك العمليات التي نفذها الأسرى تندرج في إطار مقاومة المحتل، وان هذه المقاومة وسيلة مشروعة كفلتها كافة القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، وهي بحد ذاتها شرفٌ تعتز به الشعوب، وتتباهى به الأمم: فما من شعبٍ كريم وقع تحت الاحتلال إلا ومارس المقاومة لطرد المحتل وانتزاع الحرية والسلام.
لذا ندعو الجهات الفلسطينية كافة، للتنسيق فيما بينها وتوحيد جهودها، والتوجه لمحكمة العدل الدولية (لاهاي) لاستصدار رأي قانوني حول المكانة القانونية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بما يكفل لهم الحماية ويعزز من مكانتهم القانونية ويحافظ على هويتهم النضالية.
وفي الختام ندعو الأمم المتحدة والدول السامية الموقعة على اتفاقيات حقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي وكافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية والتجمعات المناهضة لعقوبة الإعدام، إلى التدخل العاجل لحماية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، واتخاذ خطوات جادة للحيلولة دون إقرار هذا القانون.
بقلم/ عبد الناصر فروانة