هذا كان عنوان المؤتمر الصحفي دعت له مؤسستي الدار الثقافية وايلياء للإعلام في فندق الدار في الشيخ جراح،يوم امس الثلاثاء،ولكن مخابرات الإحتلال وشرطته منعته،واعتقلت عدد من المشاركين فيه ولتطلق سراحهم لاحقاً،والإحتلال بمنعه هذا المؤتمر،وهو ليس بالمنع الأول لمؤتمر او نشاط يعقد في القدس،بل الإحتلال يمنع كل الأنشطة والفعاليات في المدينة المقدسة،بما ذلك أنشطة لها علاقة بالطفولة،او حتى مخيمات صيفية وأنشطة رياضية،والإحتلال يسوق حججه وذرائعه الواهية للمنع،العلاقة بفصائل المقاومة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية،والإحتلال أصبح يقمع بشدة ويقوم بإعتقال من يقوم برفع العلم الفلسطيني في أي مناسبة او وقفة إحتجاجية او فعالية،بما يؤكد بأن قضية الإعتراف المتبادل ما بين منظمة التحرير ودولة الإحتلال،يجب ان تكون حاضرة بقوة في المجلس المركزي الذي سيعقد يوم الأحد القادم،لإلغاء هذا الإعتراف،الذي لم تلتزم به اسرائيل بالمطلق..
نعم القدس منذ خمسين عاماً وهي تصرخ كفى للإحتلال،كفى للقمع والتنكيل،كفى للإستيطان،كفى لتغيير الطابع الجغرافي والديمغرافي للمدينة،كفى لسياسة الطرد والترحيل والتطهير العرقي،كفى للإعتداء على حرية العبادة والمقدسات وفي المقدمة منها المسجد الأقصى،كفى للإستيلاء على الممتلكات والبيوت الفلسطينية،كفى لهدم البيوت المقدسية،والتي زادت عن (4000) منزل منذ بداية الإحتلال،وليتهدد خطر الهدم عشرين ألف منزل أخر،تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص،كفى لإستهداف تاريخ المدينة وتراثها وهويتها،فكل قراراتكم وتشريعاتكم وقوانينكم العنصرية من طراز "القدس الموحدة" و"القدس الكبرى"،لن تنجح في تهويد المدينة ولا جعلها عاصمة أبدية لدولتكم،فهذا عكس حقائق التاريخ والجغرافيا،فكل حفرياتكم أسفل وحول المسجد الأقصى وفي البلدة القديمة وسلوان وغيرها،لم تعثروا على أية أثار،تدل على وجود أي صلة لكم بهذه المدينة،او أي علاقة ما بين اليهودية وما تسمونه بجبل الهيكل،حتى الرقعة الجلدية التي احضرتموها،وادعيتم العثور عليها في احد الكهوف بصحراء النقب،وقلتم بان عليها كلمة "اورشليم" علماء أثاركم أثبتوا انها مزورة.
نحن نعرف جيداً بأنه في هذا العالم الظالم،لا سماع لصرخة المظلوم،ولا دعم للحق الذي لا تقف خلفه قوة،رغم عدالة هذا الحق،فهذا العالم لا تحكم الكثير من دِوله قيم الحق والعدالة والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها،وإحترام قوانين وقرارات الشرعية الدولية،بل تحكمها مصالحها واهدافها،والإنتقائية والإزدواجية في تطبيق تلك المعايير والقيم،ولذلك نجد امريكا والقوى الإستعمار الغربي،هي من تقدم الحماية والرعاية لهذا الكيان الغاصب والمحتل،وتشكل له مظلة وسياج في المؤسسات الدولية،ضد أية قرارات او عقوبات قد تتخذ او تفرض عليه،لخرقه السافر والوقح لكل القوانين والتشريعات الدولية،وعدم إلتزامه بأي من اتفاقياتها.
بعد خمسين عاماً من الإحتلال للقدس،وسبعين عاماً على كامل فلسطين التاريخية،وقتل روح الأمل عند شعبنا الفلسطيني عامة واهلنا في مدينة القدس خاصة،كنا نتطلع ان تعمل الإدارة الأمريكية على إنهاء معاناة شعبنا وأبناء مدينتنا المقدسة،وخاصة بان هناك من العرب والفلسطينيون،من نمت لديهم الكثير من الأوهام،بأن هذه الإدارة الأمريكية تختلف عن الإدارات الأمريكية السابقة،وبانها ستعمل على حل للقضية الفلسطينية، حل يلبى الأحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني في قيام دولته المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس،وظل ما يسمى بالمحور العربي السني المتلفع بالعباءة الأمريكية والمراهن على مواقفها،يُصدع رؤوسنا بما يسمى بصفقة القرن،ولكي تأتي النتائج صادمة ومعرية لأمريكا بشكل سافر وفاضح،وكاشفة لعورة هذا النظام الرسمي العربي الذي وصل حد التغفن،حيث كانت اولى ثمرات هذه الصفقة،الإعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال،وهذا المحور العربي السني الذي يرى بأن امريكا هي الجهة الوحيدة القادرة على الحل والإعتماد عليها كوسيط "نزيه"،بدلاً من ان يفك تحالفه مع امريكا،لمسِها بمدينة القدس،تلك المدينة التي لها رمزيتها ومكانتها الدينية والتاريخية والسياسية والوطنية والتراثية والأثرية والحضارية والإنسانية،ليس مقدسياً وفلسطينياً فقط،بل عربياً وإسلامياً،وجدنا أنه كان متواطئاً مع امريكا في هذا القرار،وممارساً للضغوط على القيادتين الفلسطينية والأردنية للقبول به.
أمريكا معبودة ومعشوقة العرب والمسلمين المراهنين عليها كراعية للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية،وجدنا ان إدارتها الحالية،هي الأكثر تطرفاً والتصاقاً ودفاعاً عن اسرائيل وعدواناً على الشعب الفلسطيني،بل لا نجافي الحقيقة اذا ما قلنا،انها تريد ان تثبت انها الأكثر وفاءً لما يسمى بالأباء المؤسسين للحركة الصهيونية،من الحكومة الإسرائيلية نفسها.
الإحتلال يعتقد انه بعد قرار ترامب،أصبح الطريق سالكاً نحو السيطرة النهائية على مدينة القدس وتهويدها بشكل نهائي،ولذلك نجد بأن القدس أمام عدوان اسرائيلي شامل،استيطان بعشرات الألآف من الوحدات الإستيطانية،وضم وتوسيع مساحة القدس،لكي تصبح 10% من مساحة الضفة الغربية،وبما يضم لها الكتل الإستيطانية الكبرى،من جنوب غربها وحتى شرقها،وبما يضخ إليها 150 ألف مستوطن،ويخرج منها اكثر من 100 ألف فلسطيني مقدسي،موجودين خارج جدار الفصل العنصري،وبما يقلب واقعها الديمغرافي كلياً لصالح المستوطنين،وبما يعزل المدينة بشكل نهائي عن محيطها الجغرافي والديمغرافي الفلسطيني.
وحتى يسمع العالم صرخة القدس،في هذه المرحلة الحاسمة،ولما لقرار ترامب من تداعيات خطيرة على قدسنا وقضيتنا الفلسطينية،فإن المجلس المركزي في إجتماعه يوم الأحد القادم،يجب ان يتخذ قرارات ذات بُعد استراتيجي ومصيري يرتقي الى مستوى التحديات المصيرية،وتحظى بالإجماع الوطني،وليس تكرار للإنشاء واللغو الفارغ،ومغادرة الرهان على ما يسمى بعملية السلام والمفاوضات،والتي كانت منذ فترة طويلة تعيش في غرف العناية المركزة،وبالقرار الأمريكي بإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال أطلقت عليها رصاصة الرحمة،ويجري اخراجها احياناً من تلك الغرفة،لكي يستمر العرب والفلسطينيون متعلقين بها وبأوهامها،ولذلك لا اعتقد بان الحل سيكمن بالبحث عن راع جديد للعملية التفاوضية،فالرعاية تحتاج الى موافقة الطرف الآخر،والأطراف الدولية وجزء كبير من الناظم الرسمي العربي،ما زال يعتقد بانه لا يمكن تحقيق حل او التقدم فيه بعيداً عن المشاركة الأمريكية،والمخرج يتطلب في فتح مسار سياسي جديد وعملية سياسية جديدة،من خلال مؤتمر دولي مستمر وكامل الصلاحيات مرجعيته القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية،وهذا يتطلب بناء رؤيا واستراتيجية فلسطينية موحدتين،ومشاركة حقيقية في القرار الوطني،بعد إنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية،وتوظيف كل عوامل القوة الفلسطينية،لخوض نضال متكامل شعبي وجماهيري وسياسي ودبلوماسي وقانوني،يحدث حالة تراكمية في تعديل ميزان القوى المختل لصالح الإحتلال،وبما يمكن من تحقيق تسوية تلبي الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينين،وبما يفتح القرار والخيار الفلسطيني على أوسع وأرحب فضاء عربي وإسلامي،والإستفادة من كل التطورات والمتغيرات العربية والإقليمية.
بقلم/ راسم عبيدات