على الرغم من الانتصارات المتوالية للقوات العراقية و استعادتها لمدينة الموصل مركز ثقل داعش واندحار عناصر الدولة الإسلامية باتجاه الحدود السورية، بالتالي انتهاء حلم إقامة (الخلافة الإسلامية) ، مع ذلك فإن فصلا جديداً من المواجهة المحتملة يصبح قائما فاندحار داعش لا يعتبر نهاية الحرب، بل هو فتح فصلا جديدا في تاريخ منطقة الشرق الأوسط الفوضوي ، المؤكد أن منطقة الشرق الأوسط ستبقى تعاني من الفوضى والحرب لأنها غير قادرة على حل الصراعات والمشاكل الداخلية بنفسها.
تعانى شعوب منطقة الشرق الأوسط من الأنظمة الأبوية و الدولة الريعية و انعدام الديمقراطية كثقافة وممارسة فأصل تلك الصراعات تعود إلى نشأة الدولة العربية التي قامت على أسس اتفاقيات سايكس بيكو سنة1916 التي أوجدت التجزئة للدولة العربية وإقامة الدولة القطرية والتوزيع الطائفي والعرقي ؛ مؤدى ذلك أن الدول الغربية تتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى عما جرى ويجري بالمنطقة العربية من أحداث وتحديدا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. بالإضافة الى الدور الأمريكي الذى يعتبر مساهما أساسيا في حدوث المشاكل في المنطقة العربية والإقليم عموماً... فبدايته كان الاهتمام الأمريكي اقتصاديا بالحفاظ على احتياجاتها النفطية من دول الخليج ثم تحول هذا الاهتمام بعد الحرب الباردة إلى محاربة الأنظمة العربية الموالية للاتحاد السوفياتي سابقاً.
وقد شهدت العلاقات الأمريكية تطوراً بالمنطقة العربية من خلال اعترافها بإسرائيل و الحفاظ على أمنها و إمدادها بجميع الأسلحة المتطورة وفقا للاتفاقيات العسكرية الموقعة بينهما. وليس اخيراً حربها ضد العراق عام 1991م وما تلاها من نهاية نظام صدام حسين، ساهمت التدخلات الأمريكية في نمو واتساع المذهب الشيعي في سوريا و لبنان واتساع النفوذ الإيراني التي باتت اليوم محوراً هاماً في منطقة الشرق الأوسط والإقليم عامة .
أسهمت الولايات المتحدة الامريكية من خلال وزارة خارجيتها وأذرعها الامنية المنتشرة في الاقليم لما يسمى بالفوضى الخلاقة من خلال دعم مؤسسات المجتمع المدني لخلخلة الانظمة العربية وتأليب الشعوب عليها عبر شعارات العدالة والحرية والديمقراطية لما أطلق عليه اعلاميا ( الربيع العربي) في نهاية عام 2010 وشمل الحراك والمظاهرات دول تونس ومصر ليبيا واليمن والبحرين وسوريا...ونتج عن ذلك هروب الرئيس التونسي زين العابدين الى السعودية ، وتنحى الرئيس المصري مبارك عن الحكم ومقتل العقيد القذافي وانتشار للجماعات المسلحة في ليبيا ، وحدوث نزاعات مسلحة بين المعارضة والنظام في سوريا ما زالت مستمرة، وليس اخيرا مقتل الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح... والسيطرة على الحرك الاجتماعي في البحرين.
مازالت فصول الفوضى والحرب تعم الاقليم ومنطقة الشرق الاوسط عامة والتي بدأ فصلها الاول باتفاقيات سايكس – بيكو عام 1916 بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية لاقتسام الدول العربية شرق المتوسط . وتلى ذلك قرار وزير خارجية بريطانيا بلفور بإعطاء وعد لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين عام 1917م ، والذى تحقق بإقامة دولة اسرائيل عام 1948م وما تلاه من احتلال كامل فلسطين عام 1967م. وحروب اسرائيل ضد منظمة التحرير الفلسطينية و مصر والاردن ولبنان.
وتباعا لماسبق كان الفصل الثاني من تلك الحروب والفوضى بانهيار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينات وتربع الولايات المتحدة الامريكية على النظام الدولي اقتصاديا وعسكريا وبروزها كقطب دولي أوحد يتحكم في العالم فكانت نتيجته كارثيه عربيا عبر الحرب الامريكية وتحالفها الدولي ضد العراق في 1991 وكانت نتيجتها ازاحة نظام صدام حسين ومقتله لاحقاً.
وصولا الى فصل ثالث من الفوضى عبر تغذية الصراعات المذهبية والطائفية كما هو حاصل من صراع بين السعودية السنية وايران الشيعية ؛ فاليمن احدى ساحات الصراع بين الدولتين عبر دعم حلفائهما عسكريا وماليا، وكذلك سوريا والبحرين ولبنان...إن أخطر فصول هذا الصراع هو ان الحروب لم تنتهى فقد تتطور تلك الصراعات الى حدوث حرب سعوديةـ ــ ايرانية بدعم أمريكي وقوى دولية تتغذى على تلك الصراعات.
باعتقادنا أن الفصل الاخطر لتلك الفوضى والحروب و الذى سيبقى عاملا محددا ومؤثرا في العلاقات الاقليمية و الدولية هو القضية الفلسطينية. فإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف هو مفتاح السلم والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط...وقد اضاف الرئيس الأمريكي ترمب ضربة لعملية السلام واتفاقياتها الموقعة عندما اعلن عن الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل ونقل السفارة اليها ، مما جعلها طرفا غير نزيها في رعاية المفاوضات لتسوية الصراع العربي _ الإسرائيلي...فالقرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سيؤدى الى زيادة وتيرة الصراع وتحويله الى صراع ديني ويضع منطقة الشرق الاوسط على صفيح ساخن.
أ. خالـــد جميل القطــراوي
باحث في العلاقات الدولية